;
د. عادل عامر
د. عادل عامر

المعونة الأميركية لمصر معونة الخضوع والإذلال 3344

2012-01-20 16:32:21


إن المعونة الأمريكية تقدم في شكل مساعدات عسكرية واقتصادية، وأنها ليست بالضخامة التي يمكن أن تؤثر على الاقتصاد المصري ولكن إذا كانت المعونة الأمريكية هدفها هو دعم النظام الحاكم في مصر، فلماذا إذن تسعى الولايات المتحدة إلى خفضها؟ هل انتهى الدور المصري في خدمة المصالح الأمريكية؟ وهل أصبحت الدولة المصرية قوة معادية للولايات المتحدة في المنطقة؟.
بالطبع الإجابة على كل هذه الأسئلة هي بالسلب، ولكن الحقيقة هي أن دوائر الحكم في الولايات المتحدة أصبحت ترى أن حاجة النظام إلى الدعم أصبح اليوم أقل من ذي قبل، بينما أصبحت هناك ضرورات ملحة تدعو إلى دعم نظم أخرى لها دور لا ينكر في حماية وتنفيذ السياسات الأمريكية (كالنظام الأردني مثلاً). فالأوضاع الاقتصادية للرأسمالية المصرية تمر بمرحلة من التحسن في الآونة الأخيرة. حيث تشير الأرقام إلى انخفاض عجز الموازنة العامة إلى أقل من 1% من الناتج المحلي هذا العام مقابل 17% عام 1990. كما ارتفع معدل النمو إلى 5%، وزادت الاحتياطات النقدية الأجنبية من 2.6 مليار دولار عام 1990 إلى أكثر من 20 مليار دولار حاليًا. كل هذه المؤشرات تعني أنه أصبح بإمكان الرأسمالية الأمريكية أن تخفض دعمها للنظام الحاكم بغية أن يؤثر على استقراره أو على استقرار المنطقة. وسيسمح هذا للولايات المتحدة أن توجه ما توفره من الدعم الموجه إلى مصر إلى مناطق ودول حليفة أخرى تحتاج بالفعل إلى معونة حتى تستقر نظمها. وبغض النظر عن تفاصيل توزيع المعونة الأمريكية فيما بين الدول، فإن الأمر الجوهري هو التأكيد على دورها الداعم لأنظمة حليفة للإمبريالية، فالمعونات لا تعطى للشعوب أو لإطعام الجوعي، وإنما لحماية الأنظمة من انتفاضات الجوعي ولتقوية شوكة من يستغلونهم.
أن مصر تلقت وعوداً بالحصول على قروض ميسرة من دول الاتحاد الأوروبي والولايات الأمريكية تصل إلى 30 ملياراً دولار، ونحو 10 ملياراً من دول خليجية لم يصل منها سوى مليار واحد من قطر والسعودية، ولا نعرف سبباً لذلك.
لذا يجب التخلي عن المعونة الاقتصادية وحتى العسكرية لن يضر مصر بعد الثورة وعلى العكس سيحرر إرادتها المستقلة أكثر ويرفع الطوق الأمريكي الذي يقيد سياستنا.
بدأت قصة المعونة الأمريكية لمصر مع وصول الرئيس الأمريكي جون كيندي للبيت الأبيض في الستينات من القرن الماضي، حيث كان يعتقد أنه من الأفضل للولايات المتحدة انتهاج سياسة الوفاق مع مصر بدلاً من سياسة المواجهة والعداء، فقام بإرسال رسالة إلى جمال عبدالناصر يبلغه فيها حرصه على الصداقة معه ومع شعب مصر وأنه قرر منح مصر معونة قدرها 40 مليون دولار أمريكي سنوياً عربوناً لهذه الصداقة، علماً بأن هذه المعونة كانت عبارة عن فائض المنتجات الزراعية الأمريكية.
 وقد قبل الرئيس عبد الناصر هذه المعونة بشرط ألا تتدخل في صلب الموازنة العامة ،كما أوصى خالد محيى الدين وألا يعتمد عليها كجزء من موارد الدولة. وبعد سنوات قليلة تم قطع هذه المعونة قبل بدء حرب 67 من قبل الرئيس الأمريكي جونسون، ثم عادت مرة أخرى عام 76 ضمن برنامج خاص بعد التحول في السياسة الرسمية المصرية وما أعقبه من التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد وقد قدرت المعونة الأمريكية لمصر خلال 30 سنة السابقة بنحو 30 مليار دولار لم تتلقى مصر منها سوى مبلغ ضئيل، بينما حققت أمريكا لنفس الفترة فائضاً تجارياً مع مصر نحو 45 مليار دولار.
ولم تزد قيمة الصادرات المصرية لأمريكا على 7.6 مليارات دولار، وبلغت الصادرات الأمريكية لمصر أكثر من 55 ملياراً وقد ساعد برنامج المعونة على فتح السوق المصري للسلع الأمريكية التي أصبح لها الأفضلية رغم ارتفاع أسعارها عن مثيلاتها الأسيوية. وقد كشف تقرير لوزارة التخطيط المصرية أن حوالي 40% من المعونة الأمريكية لمصر طوال السنوات الـ 26 الماضية وهى الفترة الزمنية التي تناولها التقرير أن ما يعادل 8.6 مليارات دولار من أصل 25 مليار تذهب لشركات أمريكية في صورة استيراد سلع وخدمات من أمريكا وأن الصافي النهائي الذي تحصل عليه مصر لا يزيد على ثلث اجمالى المعونة، وتدرك الولايات أن رسم خريطتها الجديدة في المنطقة يتوقف على إضعاف أي دولة رائدة أو محورية يمكن أن تمثل مصدر قلق لسياستها، أو لمخططات ربيبتها إسرائيل، ولهذا دائماً ما تستخدم المعونات كوسيلة ضغط وابتزاز.
على الجانب المصري خاصة عند البدء في المناقشات السنوية للمساعدات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي، ففي العام 2000 قاد السناتور ميتشى ماكنويل رئيس لجنة الاعتمادات حملة ضد مصر حاول من خلالها التلويح بورقة المعونات وقد قال بخصوص ذلك إن مصر تحصل على معونات بقيمة 2 مليار دولار سنوياً ولكنها لا تشارك بصورة فعالة لدفع عملية السلام في الاتجاه الصحيح وبالطبع كان يقصد أن تسير مصر ضمن ركب السياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية عبر ممارسة مصر الضغوطات على الفلسطينيين للاذعان والخضوع لاملاءات شارون والتآمر علي سيادة واستقلالية بعض الدول العربية. وما حدث مؤخراً من اتفاق مجلس الشيوخ على تعليق صرف 100 مليون دولار من المساعدات العسكرية أو الاقتصادية المرصودة لمصر في ميزانية 2008 مع منح كونداليزارايس إعادة صرفها إذا رأت أن ذلك في خدمة الأمن القومي. نتيجة لكل هذا ارتفعت بعض الأصوات تنادى بمحاولة الاستغناء عن تلك المعونة التي تعتبرها «العصا والجزرة»، فهل نستطيع أن نحيا بدونها وكيفية الاستغناء عنها. نقدر نعيش أن الشعب المصري لم يثبت تاريخياً أنه عاش عالة على أي من الدول ولم يكن في يوم من الأيام معتمد على ما يرد له من معونات، ولكن على العكس ثبت في التاريخ أن مصر كانت ترسل معونات إلى العديد من دول العالم ومن ثم فإننا إذا ما حاولت أي قوة خارجية الضغط على إرادة مصر أو التأثير في قرارها أو محاولة إذلال أو إركاع مصر مهما كانت حجم المعونة التي تقدمها فإننا والحالة هذه لن نكتف برفض المعونة فقط، بل إن الأمر سيصل إلى حد الثأر لكرامة المصريين. ومن ثم فإن ما ظهر في الأفق من محاولة التلويح من قبل الإدارة الأمريكية إلى الحكومة المصرية بتوظيف هذه المعونات في تحقيق أغراض الولايات ومهما كانت المسميات التي توصف بها هذه القيود والمسماة أحياناً من أجل الديمقراطية والحرية فإنه لن تكون هناك وسيلة للاستجابة لهذه الضغوط الخطيرة والتي تمثل تدخلا سافرا في الشئون الداخلية لمصر وخاصة إن هذه الإيحاءات والتلميحات والتي وصلت إلى حد التهديد بتخصيص مبلغ 100 مليون دولار من قيمة المعونة إلى أهداف معينة بمعنى أن تكون هذه القيمة مشروطة وهو ما يعني رفضنا الكامل لهذا المطلب ونعتبره خروجاً عن حدود اللياقة في مجال العلاقات الدولية ومخالفاً للأسلوب الدبلوماسي الذي يعد أساساً للتعاون المشترك بين مصر والولايات المتحدة، ويجب علي الدولة أن في الاستغناء عن مبدأ الاعتماد على هذه المعونة بأن تصدر الميزانية الجديدة للدولة خالية من الاعتماد على المبالغ المخصصة لهذه المعونة خاصة في مجال المصروفات والإنفاق العام للدولة. أن المعونة الأمريكية إجمالها أقل من 2 مليار دولار سنوياً والجزء الأكبر منها في صورة معونة عسكرية لذلك فمصر تستطيع أن تستغنى عن هذه المعونة بسهولة ولكن يجب أن نتعامل مع القضية بتعقل ودون التنازل عن قيراط واحد من كرامة الوطن فنحن لن نبيع أنفسنا وتوجهاتنا من أجل هدف مالي يمكن بسهولة الاستغناء عنها.
كما فعلت الصين عندما دخلت في نزاع اقتصادي تجارى خرجت منه الصين منتصرة لأنها تعامله معه بقدر من الروية والفهم لمجريات الأمور.
فالمعونة الأمريكية وان كانت توفر لنا بعض الأسلحة والعتاد العسكري وكذلك بعض السلع المدنية، فإن فيها جانباً سلبياً شديد الخطورة يتمثل في تصرف الجانب الأمريكي على منظومة التسليح العسكري المصري كما تعمل على تشغيل المنتجين الأمريكان وتعطيل الصناعات المصرية الحربية كما أنه قد يفرض علينا تعاون عسكري قد لا يروق لنا ولكننا نقبله للحصول على المعونة.. وأخيراً وأكثرهم خطورة هو التهديد المستمر سنوياً بإنقاص المعونة من أجل قبول شروط جديدة لضمان الحصول على المعونة، لذلك فمن منطلق رؤية وطنية بحته أن المعونة ليست صدقة بل هي تعويض لما لحق بمصر من أضرار نتيجة السياسة الأمريكية الخاطئة في الشرق الأوسط، ومع ذلك لا نريدها ويجب أن نتكاتف معاً حكومة وشعباً من أجل إعلان رفضها ومحاولة البحث عن طريق آخر من طرق كثيرة متوفرة والحمد لله في أرض مصر وشعبها للاستغناء تماماً عن أي منحة من الخارج.
 ***يوما ما كتبت (شارلوت بيرز) خبيرة تحسين صورة أمريكا في الخارجية الأمريكية في خطاب استقالتها من منصبها تبرر فشلها في مهمتها فقالت : إن محاولتها للدفاع عن سياسات أمريكا غير المقبولة في العالم العربي بسبب استمرار الانحياز الأعمى لإسرائيل “كانت بمثابة محاولة مستحيلة لإدخال فيل كبير في علبة صغيرة” لأن صورة أمريكا لدى شعوب العالم – كما قالت- أقبح كثيراً مما يتخيله الأمريكيون!.
ولأن الإدارة الأمريكية لا تتعلم أبداً من أخطاءها ولم تستوعب التغيير الكبير الذي حدث في مصر بعد ثورة 25 يناير، فقد استمرت لغتهم المكررة المعتادة في تهديد مصر عقب حملة تنفيذ القانون علي بعض منظمات المجتمع المدني التي خالفت شروط التمويل الأجنبي وراحوا يهددون ويتوعدون بوقف المعونة الأمريكية لمصر ما لم ترضخ للتهديدات الأمريكية !!. ومن طالع الصحف الأمريكية والغربية طيلة الأيام الماضية سوف يستغرب من كم التهديدات والأكاذيب التي صورت ما جري علي أنه (غارة) بالمفهوم العسكري على منظمات حقوق الإنسان في مصر، فاستعملوا مصطلح (Egyptian raid )، كما أنهم صوروا مصر على أنها ستجوع لو قطعت عنها أمريكا المعونة!!.
حملة تهديد مرعبة
فبعد تشويه حقيقة ما جري من تفتيش 17 منظمة خالفت القانون وحصلت علي أموال مشبوهة في أعقاب توجيه عشرات الإنذارات لها، من 26 منظمة تتلقي تمويلاً أجنبياً (من إجمالي قرابة 16 ألف جمعية أهلية)، جاء التهديد الغربي بأن “مصر تجازف بخسارة بعض المساعدات العسكرية الأمريكية التي تبلغ قيمتها 1,3 مليار دولار سنويا ” وهددت الخارجية الأمريكية بحجب المساعدات بمقتضى قانون سرى مفعوله قبل أسبوع يربط المساعدات بالخطوات الديمقراطية، بسبب تفتيش المنظمات الأمريكية في مصر، خصوصاً وهي المعهد الدولي الجمهوري والمعهد الوطني الديمقراطي ومؤسسة فريدوم هاوس (دارالحرية). ثم توعد السيناتور (باتريك ليهي) رئيس لجنة المخصصات المالية بالكونجرس عن ولاية فيرمونت – في بيان- بـ “رفض لجنة المخصصات المالية منح موافقة تلقائية على المساعدات الخارجية للجيش المصري”، وتعطيل ما سمي (تشريع ليهي) الذي جاء في إطار مسودة لعام 2012 وقعها الرئيس باراك اوباما في 23 ديسمبر، تقضي بمنح مصر 250 مليون دولار كمساعدات اقتصادية، ويتيح إمكان شطب ديون مصرية مستحقة للولايات المتحدة بقيمة تصل إلى 500 مليون دولار (وهو ما لم يحدث حتى الآن). أيضا كتب (ديفيد كريمر) رئيس منظمة فريدوم هاوس في صحيفة "واشنطن بوست" يطالب إدارة اوباما “أن تبلغ المجلس العسكري في مصر بشكل واضح أن المساعدات ستتوقف ما لم يتوقف هذا السلوك”. وكان الهجوم والعداء الأوضح من جانب الصهيوني (إليوت ابرامز) نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق في عهد جورج دبليو بوش، والمسؤول في (مجلس العلاقات الخارجية) الذي دعا إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما لقطع المعونات العسكرية عن مصر والتي تقدر بـ 1,3 مليار دولار سنويًا فوراً، رداً على ما أسماه “غارة الجيش المصري” علي منظمات حقوق الإنسان المصرية والأجنبية!!. وفي مقال كتبه على موقع جريدة (أتلانتك) الموالية للحزب الجمهوري، طالب “ابرامز” بوقف المعونات العسكرية الأمريكية للجيش المصري :”إلى أن يقوم بإرجاع كل ما قام بمصادرته من مكاتب المنظمات المدنية وحقوق الإنسان العاملة في مصر وخصوصاً منظمات فريدم هاوس والمعهد الديمقراطي القومي والمعهد الجمهوري الدولي الأمريكيين و”كونراد إديناور” الألمانية”، واشترط “ابرامز” – الذي كان يعتبر مسئولاً عن ملف الديمقراطية في الشرق الأوسط في عهد الرئيس الجمهوري السابق جورج دبليو بوش – لإعادة هذه المعونات العسكرية لمصر – “أن تتعهد المؤسسة العسكرية الحاكمة في مصر للولايات المتحدة بأنها لن تقوم بتكرار الحملات السابقة علي منظمات المجتمع المدني، وإلا بالثمن كما قال هو الحرمان من مبلغ الـ 1,3 مليار دولار مساعدات عسكرية سنوية” !. ولم يتردد (مايك مولن) قائد الأركان الأمريكية المشتركة في دخول حلبة المزايدة بزعم إن : “المعونة العسكرية لمصر لا تقدر بثمن لأنها تساعد القوات المسلحة المصرية على أن تكون جهازا يملك القدرة والمهنية ” وكأن الجيش المصري لا حول له ولا قوة بدون هذه المعونة العسكرية .
قطع المعونة يضر أمريكا:
والحقيقة التي يدركها هؤلاء المسئولون الأمريكان الذين هددوا بقطع المعونة عن مصر كي ترضخ – والتي تحتاج لقرار سياسي عاجل من برلمان الثورة المقبل بالاستغناء عن هذه المعونة بعدما امتلكت مصر إرادتها الحرة المستقلة هي أن قطع المعونة، يضر أمريكا أكثر مما يضر مصر، باعتراف الخبراء الأمريكان وتقارير الجيش الأمريكي نفسه الذي يستفيد من المقابل لهذه المعونة !.
إذ أن “قطع المعونة أو التهديد بذلك سيفقد أمريكا نفوذها ويحدث ضربة قاسمة للسياسات الأمريكية” كما يقول الدبلوماسى الأمريكي السابق (روبرت هنتر)، ومن “مصلحة أمريكا الإبقاء على المعونة لحماية تحالفها مع مصر”، كما يقول عضو الكونجرس (ستيف شابوت)، كما أن هذه المعونة تبدو “كثمن بخس لأمريكا تدفعه مقابل المخاطر التي تجنبها المعونة لأمريكا، بخلاف المكاسب الأخرى ”
الحاجة لمصر ستزيد بعد الثورة
بل أن هناك تقارير غربية ترجح الاعتماد الأمريكي المتزايد علي مصر مستقبلا بعد ثورة 25 يناير بسبب غياب نظام مبارك الذي كان يؤمن لهم مصالحهم تلقائياً مقابل تمرير سيناريو التوريث، وصعوبة ضمان مصالحهم في المنطقة بعد الثورة الشعبية التي سينتج عنها تعاظم الدور الإقليمي لمصر بعدما تراجع في عهد مبارك،ما يقتضي مخاطبة ود مصر أكثر بهذه المعونات لكي تضمن واشنطن استمرار مصالحها، لا قطعها والمغامرة بالعداء مع مصر وحكومتها ورئيسها الجديد المقبل !. فالدور الإقليمي والدولي المصري ما بعد ثورة 25 يناير سوف ينشط وتقوي شوكة مصر التي لديها أدوات قوة في المنطقة تحتاجها أمريكا، وأخطرها، ورقة معاهدة السلام مع إسرائيل وعدم الإضرار بالمصالح الأمريكية في المنطقة عموماً.
فالمعونة العسكرية تمنح لمصر بالأساس مقابل التزام مصر بمعاهدة السلام مع إسرائيل ومقابل إعطاء مصر أولوية لمرور قرابة 12- 15 سفينة حربية ونووية أمريكية في قناة السويس دون انتظار، بحسب تقرير لمعهد أبحاث الكونجرس، كما تعطى أمريكا مصر المعونة للاستفادة من نفوذها في المنطقة العربية وقدرتها على التأثير في مجريات الأمور لصالح الأهداف الأمريكية.
التخلي عن المعونة لن يضر مصر:
والحقيقة أن هذه المعونة العسكرية التي يهددوننا بتخفيضها أصبح من الممكن التخلي عنها، مثلما تخلت مصر عن المعونة الاقتصادية وقبلت تخفيضها طوعاً بصورة سنوية للتخلص نهائياً من مبلغها الهزيل وقيودها الكثيرة. فتخفيضها أو حتى قطعها يضر المصالح الأمريكية بصورة أكبر لا المصرية فقط وهو ما حاول النظام السابق في لحظات الضغط الأمريكية الشديدة عليه أن يذكر الأمريكان غضبها من كثرة التدخلات الأمريكية في شئون مصر الداخلية، وقال للأمريكيين علناً أنها (المعونة) ليست صدقة بلا مقابل وإنما مقابل خدمات تقدمها لهم مصر وتستحق عنها هذه الأموال التي لا يجب أن تسمي معونة !؟.
إن التخفيض المتكرر للمعونة الاقتصادية الأمريكية لمصر أدى لتقلص المعونة فوصلت في عام 2008 إلي نصف مبلغ المعونة الأساسي الذي كان محدداً في عام 1998، وهو مبلغ 815 مليون دولار سنوياً، وأن مصر لم تعد تستفيد بشدة من هذه المعونة خصوصا الاقتصادية بعدما تقلصت من 815 مليون دولار عام 1975 إلي 455 مليون دولار حالياً وطلبت مصر خفضها بنسبة 5% سنويا (40 مليون دولار)، فضلاً عن أن قيمة هذا المبلغ الشرائية إجمالياً أصبحت ضعيفة ولا تصلح لشراء سوى 20% مما كانت تشتريه مصر بها عام 1982 !!. فضلاً عن أن 70% من المعونة الاقتصادية يعود على الشعب الأمريكي بالنفع، حيث تستفيد أكثر من ألفي شركة صغيرة ومتوسطة أمريكية من هذه المعونات في تصريف منتجاتها بأسعار مبالغ فيها لمصر، بجانب قيام نحو 200 شركة أمريكية بتنفيذ هذه المشروعات والإشراف عليها بمبالغ باهظة لأتعاب وأجور مستشاريها ، وهذا مقابل منح لا ترد بواقع 3 مليارات دولار لإسرائيل!. أيضاً المعونات الأمريكية لمصر تمثل 57% من إجمالي ما تحصل عليه من معونات ومنح دولية سواء من الاتحاد الأوروبي واليابان وغيرها من الدول، كما أن مبلغ المعونة لا يتجاوز 2% من إجمالي الدخل القومي المصري وفق وزارة التعاون الدولي، التي تؤكد أيضا أن إجمالي المعونات الأمريكية منذ عام 1975 حتى 2008 وصل إلى 50 مليار دولار أغلبها في صورة مساعدات لا نقدية كما يفعلون مع الدولة الصهيونية !، التخلي عن المعونة الاقتصادية وحتى العسكرية لن يضر مصر بعد الثورة وعلي العكس سيحرر إرادتها المستقلة أكثر ويرفع الطوق الأمريكي الذي يقيد سياستنا
.المعونة الأمريكية لمصر، هي مبلغ ثابت سنوياً تتلقاه مصر من الولايات المتحدة الأمريكية في أعقاب توقيع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979، حيث أعلن الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت جيمي كارتر تقديم معونة اقتصادية وأخرى عسكرية سنوية لكل من مصر وإسرائيل، تحولت منذ عام 1982 إلى منح لا ترد بواقع 3 مليارات دولار لإسرائيل، و2.1 مليار دولار لمصر، منها 815 مليون دولار معونة اقتصادية، و1.3 مليار دولار معونة عسكرية، وتمثل المعونات الأمريكية لمصر 57% من إجمالي ما تحصل عليه من معونات ومنح دولية، سواء من الاتحاد الأوروبي و اليابان وغيرهما من الدول، كما أن مبلغ المعونة لا يتجاوز 2% من إجمالي الدخل القومي المصري وفق وزارة التعاون الدولي
المعونة الأمريكية لمصر ونظرية التبعية:
لعل التفسير الأكثر شيوعًا لمنح الولايات المتحدة معونات لمصر هو تفسير منظري التعبئة الذين يرون أن المعونة أداة لفرض السياسات الخارجية الأمريكية، وأنها تمثل تهديدًا للسيادة الوطنية حيث إنها تفرض وجهة النظر الأمريكية المتعارضة مع المصالح العليا "للوطن"! والحل من وجهة نظر منظري التبعية هو الاستغناء عن المعونة والبدء في طريق تحقيق التنمية المستقلة المعتمدة على الذات.
علينا بالتالي – هكذا يرى أنصار التبعية – دعم كل من الحكومة والبرجوازية الوطنية في وجه التهديدات الأمريكية بخفض أو قطع المعونة، ودفعهما لرفضها، حيث أنها لا تقدم شيئًَاً حقيقيًاً لمصر؛ فالمستفيد من المعونة هم قلة قليلة من رجال الأعمال ذوي الصلات بدوائر الحكم! تسيطر هذه الرؤية الوطنية الفجة على أقسام واسعة من اليسار، ترى أن القضية هي المصالح الأمريكية في مواجهة المصالح المصرية، كما لو أننا نستطيع الكلام من مصالح واحدة للمصريين جميعًا بغض النظر عن وضعهم الطبقي. هذا التحليل يفرغ القضية تمامًا من مضمونها الطبقي. وبدلاً من الدعوة للنضال ضد البرجوازية الأمريكية وضد الرأسمالية في كل مكان، يدعو أصحاب هذا الرأي لدعم البرجوازية الوطنية (وليس مفهومًا بالضبط ما هي تلك البرجوازية الوطنية) في مواجهة الإمبريالية الأمريكية. ولكن هل حقًا المعونة الأمريكية هي مجرد أداة ضغط أمريكية ولا تحقق أي فوائد للبرجوازية؟ أم أنها مفيدة فقط للطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة؟
المعونة الأمريكية والرأسمالية الأمريكية:
لا يمكن القول بأن المعونة الأمريكية مفيدة لأمريكا بشكل مطلق، فهذه نظرة لا طبقية تتجاهل انقسام المجتمع الأمريكي – مثله مثل أي مجتمع رأسمالي – إلى طبقات. فما تخدمه المعونة الأمريكية في الواقع هو مصالح الرأسمالية والطبقة الحاكمة الأمريكية، وهذا أمر لا يمكن إنكاره.
 ونظرة سريعة على بعض اتفاقيات المعونة تؤكد ذلك. فعلى سبيل المثال تشتمل معظم – إن لم تكن كل – اتفاقيات المعونة على الشرط التالي: "السلع الممولة من هذه المنحة أو القرض سيكون أصلها ومنشؤها الولايات المتحدة الأمريكية، فيما عدا ما تحدده الوكالة في خطابات التنفيذ وتعليمات الشراء للسلع وما قد يتم الاتفاق عليه بخلاف ذلك كتابة".
من الذي يستفيد من هذا الشرط؟ أو ليس الرأسماليون الصناعيون والمصدرين الأمريكيون الذين يجدون منافذ لتسويق سلعهم؟من ناحية أخرى وفيما يتعلق بتسعير سلع المعونة، نجد أن السلع التي يتم توريدها يتم تسعيرها بناءً على الأسعار المحلية داخل الولايات المتحدة وهي أسعار أعلى من أسعار السلع المنافسة عالميًا. وتصل نسبة الزيادة في الأسعار في بعض الأحيان إلى 50% أو 60%، وهو ما يعني أن القيمة الفعلية للقرض قد هبطت إلى النصف، بينما يتم دفع فائدة أو أقساط القروض على أساس القيمة الاسمية لتلك القروض، وبذلك تلعب المعونات دورًا في حماية الرأسماليين الأمريكيين من المنافسة العالمية في حالة تصدير السلع الممولة بأموال المعونة.
كذلك تعد المعونة الأمريكية إحدى الأدوات لدعم المزارعين الأمريكيين وذلك من خلال القانون الأمريكي العام رقم 480 الذي تقدم من خلاله الولايات المتحدة معونتها الغذائية لدول العالم الثالث، حيث يحل هذا القانون مشكلة تراكم المخزون من المنتجات الغذائية لدى الرأسماليين الزراعيين.
ففي الفترة من 1953 وحتى 1958مثلاً بلغ المحصول السنوي للقمح 27.5 مليون طن، بينما كان الطلب المحلي لا يزيد على 16.4 مليون طن، وحتى لا تضطر الولايات المتحدة إلى خفض أسعار صادرتها من القمح صدر القانون 480 لعام 1954 والذي بمقتضاه يسمح للدول التي تعاني من نقص الغذاء أن تقوم بتغطية وارداتها الغذائية من الولايات المتحدة الأمريكية بالعملة المحلية بدلاً من الدولار. وهكذا فخلال الفترة من 1975 وحتى 1982 كان نصيب برنامج المعونة الغذائية الأمريكية لمصر يتراوح ما بين 19.7% و29.8% من إجمالي المعونة الموجهة لمصر خلال هذه الفترة. ولكل ذلك، فقد استطاعت الرأسمالية الأمريكية زيادة صادراتها لمصر في ظل برنامج المعونة. فعلى سبيل المثال زادت صادرات الولايات المتحدة لمصر من 2.1 مليار دولار عام 1990 إلى 3.1 مليار دولار عام 1992. كذلك أصبحت مصر هي المستورد رقم 26 من الولايات المتحدة (ثلث هذه الواردات تأتي داخل إطار برنامج المعونة، والباقي استيراد مباشر).
الرأسمالية المصرية والمعونة:
إذا كانت بعض قطاعات الرأسمالية الأمريكية قد استفادت من المعونة بشكل مباشر، فهكذا الحال أيضًا بالنسبة للرأسمالية المصرية. فالمعونة الأمريكية تمثل دعمًا من الولايات المتحدة للرأسمالية المصرية، حيث جاءت المعونة لتدفع القطاع الخاص ولتوفر له مناخًا مناسبًا للنمو ومراكمة الأرباح.
في هذا السياق نجد أن العديد من الاتفاقيات تتضمن شروطًا متميزة للقطاع الخاص. ولعل من أوضح الأمثلة على ذلك ما جاء في اتفاقية بيع السلع الزراعية في 23 يناير 1984، حيث نصت على ما يلي: "توافق الحكومة المصرية على القيام بالأنشطة التالية وتوفير المصادر المالية والإدارية والفنية المناسبة لتحقيقها: خفض الدعم على الذرة واللحوم المستوردة واللبن المجفف التي سيتم تسويقها من خلال القطاع الخاص".
كما أن برنامج المساعدات الأمريكية في السنوات الأخيرة تتضمن اتفاقيات مخصصة مباشرة لدعم عمليات الإصلاح الاقتصادي والخصخصة، ولتوفير القروض لمشاريع القطاع الخاص الصغيرة والمتوسطة، وذلك في إطار الإستراتيجية الأمريكية الداعمة للتحول نحو سياسات السوق الحر في مصر.
وفي هذا السياق تخصص الولايات المتحدة من خلال المساعدات الاقتصادية لمصر نحو 200 مليون دولار للقطاع الخاص لتمويل احتياجاته من المعدات والبضائع من الولايات المتحدة. فمن خلال البرنامج السلعي الذي يتم تنفيذه عن طريق أكثر من 20 بنكًا تجاريًا مصريًا يتوفر تمويل قصير ومتوسط الأجل لرجال الأعمال المصريين ولشركات القطاع الخاص لشراء معدات لشراكاتهم أو لإعادة البيع.
المعونة الأمريكية لماذا؟
على أنه علينا أن ننتبه إلى أن جوهر الهدف من المعونة الأمريكية ليس تحقيق الدعم المباشر لهذا القطاع أو ذلك من الرأسماليين الأمريكيين أو المصريين، وإنما تحقيق دعم إستراتيجي للطبقة الحاكمة المصرية بمقدار ارتباط مصالحها بمصالح الإمبريالية الأمريكية. صحيح أن هناك حفنات وشرائح من الرأسماليين الأمريكيين تستفيد استفادة مباشرة من المعونة (بعض المصدرين ومكاتب الاستشارات مثلاً)، وصحيح أيضًا أن هناك على الجانب الآخر حفنات وشرائح من الرأسماليين والبيروقراطيين المصريين تستفيد من الدعم الأمريكي، إلا أن الوظيفة الأساسية للمعونة تدور في منطقة أخرى.
فالأمر الأكيد هو أن المعونة تمثل بالنسبة للطبقة الحاكمة الأمريكية اقتطاعًا مباشرًا من فائض القيمة الذي تنهبه من العمال الأمريكيين بوجه لدعم الطبقة الحاكمة المصرية بدلاً من توجيهه لخدمة التراكم الرأسمالي في الداخل. وهدف الولايات المتحدة من هذا ليس بالطبع الخير أو الحب الخالص للحكام المصريين، وإنما هو تثبيت أركان الحكم الديكتاتوري في مصر الذي يلعب أدوارًا جوهرية في دعم حماية المصالح الأمريكية الإستراتيجية (قمع الحركات والقوى المناوئة.. الخ).
وبمقدار ما تحتاج الإمبريالية الأمريكية إلى خدمات الطبقة الحاكمة المصرية حتى تبسط نفوذها وسيطرتها على هذه المنطقة الحيوية إستراتيجياً، بمقدار ما يكون الدعم والمساندة اقتصاديًا وعسكرياً، على الجانب الآخر، مثلت المعونة الأمريكية بالنسبة للطبقة الحاكمة المصرية سندًا هامًا ساهم في إنقاذ الرأسمالية المصرية من أزمات اقتصادية، وقوى من شوكة آلتها القمعية. أي أن المعونة كانت رصيدًا إضافيًا للرأسمالية المصرية استطاعت بفضله مواصلة سياسة القمع والتجويع. وهنا بالضبط يكمن الفارق بين الموقف الاشتراكي الثوري والموقف الوطني المبتذل من الدعم الأمريكي للطبقة الحاكمة المصرية. فبينما يدافع هؤلاء الأخيرون بطرقهم السلمية الاقناعية المتواطئة ضد المعونة بهدف تقوية "الدولة"، وتحقيق مصالح "الوطن"، ورفع أسهم "النظام الوطني".. الخ يناضل الاشتراكيون الثوريون ضد الدعم الأمريكي من منظور مضاد تمامًا وهو أن المعونة تطيل عمر النظام وتقوية في مواجهة جموع المضطهدين والمستغلين وبالتالي فهي إحدى أدوات الإمبريالية لنفخ الروح في نظم متعفن قائم على النهب والقمع. والهدف الاشتراكي الثوري من هذا هو هدم النظام وليس تقويته ودعمه كما يسعى الوطنيون.
* كاتب مصري خبير في القانون العام
عناوين جانبية:
-   تعد المعونة الأمريكية إحدى الأدوات لدعم المزارعين الأمريكيين وذلك من خلال القانون الأمريكي العام رقم 480 الذي تقدم من خلاله الولايات المتحدة معونتها الغذائية لدول العالم الثالث
- يجب إلغاء المعونة الأمريكية إذا اقترنت بالتدخل في الشأن المصري، لأن الكرامة أهم من أي شيء

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد