آه من قهر الرجال، آه من جور الأنذال، آه مليون آه من حبسك يا أحمد عمر العبادي المرقشي، قرأت رسالتك الفاطرة للفؤاد فناحت مقلة العين باكية دمعاً ودماً، فما من كلمة وما من سطر في الرسالة إلا وكانت طعنات نجلاء موقظة لعار صمتنا وإنسانيتنا، لا عليك يا ثائر بيروت فالبطل الحقيقي من يزهقُ الباطل.
لقد قيل قديماً: إذا غريمك القاضي فمن أين سيأتي الحق والإنصاف ؟ ففي مثل هذا الوضع البائس الذي أنشغل فيه فقهاء العدالة بتبرئة كبار القتلة لا عليك سوى مواساة ذاتك المقهورة ولو بترديد بيت الشاعر جميل الزهاوي القائل:
العدلُ كالغيثِ يُحيي الأَرض وابلُهُ.. والظُّلمُ في المُلكِ مثلُ النَّار في القَصَبِ.
يا أحمد تذكر أن حبسك ليس اعتباطاً وإنما هو في سياق قضية كيدية ملفقة يعلم القاصي والجاهل بأنها سياسية ويقصد منها معاقبة صحيفة الأيام وناشريها هشام وتمام، بل وأكثر من ذلك معاقبة كل ذي صوت حر وشجاع وكل جمهورها العريض، فلا تبتئس وتحزن وعليك بتذكر أن الله نصيرك ما دمت مظلوماً، فلقد حرم الله الظلم على نفسه بقوله : يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا) وعليك بالدعاء فإن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قال: (إتَّقِ دعوة المظلوم، فإنَّهُ ليس بينها وبين الله حجابُ).
أيها الإنسان إعلم أن الحق لا يضيع وأن الحُكم القائم على الظُّلم لا يدوم، فإذا كنت في محبسك مظلوماً فإن قصور الظَّالمين سُجوناً وفق تعبير الأديب الراحل ميخائيل نعيمة.. أتدري يا صاحبي كم أنت مغبونا من هؤلاء العتاة البغاة الذين هم اليوم قاب ساعات وأيام قليلة؟ فلن ينال منك الضابط الحضاري أو القضاء الفاسد الذي أشعر بالعار والخجل بكونه عاجزاً عن توفير محاكمة عادلة لك، لا بل وصل ضعفه وعجزه لحد الإمتهان السافر للكرامة وللقانون وللعدالة وميزانها الذي بات مختلاً ومقلوباً إلى درجة الاحتقار.
أتدري يا أحمد ما الشيء الذي أوجعني وأنا أقرأ مظلمتك في صحيفة الأمناء؟! إنه قهر الرجال وإذلالهم بتهم لا صلة لها البتة بالحق والفضيلة، فها أنت المعتدى عليك إلى المنزل الذي تحرسه؛ حبيساً بين أربعة جدران مذ وقوع الجريمة، فيما الضابط المعتدي وجماعته حراً طليقاً رافضاً حتى المثول أمام المحكمة.
نعم القاعدة أن المتهم يبقي بريئاً لحين إدانته، لكنني أشعر الآن أن محكمة لا تستطيع إحضار غريمك ولخمسة جلسات متتالية لا يمكن أبداً أن تمنحك محاكمة عادلة، فقضاء يستبدل النزاهة والفضيلة - إن وجدت - بالدنس والرذيلة وكأنه يخلع نعلاً أو جورباً لهو قضاء فاسد لا عدالة مرجوة منه.
ختاماً يا صاحبي ثق بأن حراك الجنوب لم يأت هكذا ولمجرد الرغبة بالتجزئة وإنما هو حصيلة لمثل هذه الممارسات الفجة القاهرة لكبرياء وكرامة الإنسان ذاته، هذه الثورة الشعبية التي مازالت في الساحات ومنذ سنة كاملة هي الأخرى لم تكن مصادفة وإنما خلفها ملايين الآهات والإهانات والمظالم والأحكام الباطلة.
نعم يا أحمد الجنوب كره أهله الوحدة نتيجة هذه الممارسة القاتلة لكل ذرة أمل بالعدل والمساواة، وهذه الثورة لم تقم إلا بعد أن طفح كيل الظُلم والسلب والنهب والغطرسة والقهر وبعد أن فاض صبر الصابرين، لا عليك يا أحمد فدولة الباطل ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة.
الجنوب وناسه حتماً لن ينسوك وهذه الثورة لن تخذلك مطلقاً،الأيام ستعاود الصدور قريباً وفور الانتهاء من هذه المسرحية الهزلية التي تم حياكتها من خفافيش الظلام وأنت يا أحمد سنراك قريباً في محكمة عادلة،فهذه المحاكم تشبه محاكم التفتيش في اسبانيا قبل خمسة قرون، إنها لا تليق بك وبنا،إنني أسمع صوتك مدوياً ومزهواً بانتصار الحق وزهق الباطل، فالحق سينتصر في النهاية وكما يقول المثل الاسباني : شُعاعُ الشمس لا يخفى، ونور الحقِّ لا يُطفأ.
محمد علي محسن
العبادي وميزان العدالة المقلوب 2509