البكاء سمو بالروح ورقي بالمشاعر وخوف من الله تعالى،فيه يمنح الإنسان ذاته معنى الطيب وقوة الضمير وهو ينتمي للحياة نبضاً نبضا.البكاء يعني أن يكون الوطن مدراراً من الصدق معبراً عنه في المآقي والعيون،وهو الدمعة التي تعبر عن الوفاء وترمز إلى ما هو عميق في الروح من نبل وإخلاص وصدق قول. في البكاء نعلن الحياة خالية من الحقد والكراهية والدمار والتربص بالآخر وتجهيز الموت من أجل ذات تحطمت بالجشع وأغراها الغرور لتتغافل عن الأخروي...
البكاء بهذا المعنى آية الله في الإنسان، وباسندوة من هذه الطينة النقية التي جعلتنا نتحسس ذواتنا جمالياً... باسندوة في بكائه معاني التوق للآتي خالياً من الإرهاق واليأس،لذلك يأتي البكاء هنا وجداني يغمر الأفق نقاءً وفرحاً.. وللبكاء تجليات أخلاقية رفيعة يمضي إليها من لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً، إنه المعنى الخلاق لكيف تكون أخلاقنا وفاءً وحباً ومعانٍ جميلة، تتفتح على ما هو خير وطاهر، ويفتح خبايا الروح لزمن رائع لا يقبل التأجيل، وللبكاء مجاله الرفيع الذي ينسكب لنكون بشراً أنقياء أتقياء مخلصين في أعمالنا لوجهه الكريم.. لذلك هو القيام في جوف الليل تضرعاً وخفية، وهو البراءة من الشرك والنفاق والغطرسة والكبر..
البكاء دعوة للتصافي والأخوة، ندم على معصية أقترفت، حاجة إلى الخوف من العزيز القوي ذو العرش المجيد. تواضع أمام الآخرين وسمولايدانيه سمو آخر... وللبكاء معانٍ تأخذنا إلى مواقع لا نقدر عليها ونتمناها خشوعاً في الصلاة وتلاوة القرآن وفي معرفة أسرار الله في الكون، إعتراف من العبد الضعيف بالقوي الخالق.. إنسانية البكاء وحدها التي تمنح العفو عند المقدرة وتخشى وتخاف أن تكون قد أتت حراماً وأزهقت روحاً وحطمت قلباً.... البكاء نور يقذفه الله على القلب ليضيء مساحة الروح وجذوة ترفعنا إلى مصاف أسرار الله في كونه...
البكاء توحد بالجمال ومعانيه الدقيقة، إنصياع للحق، دعوة للخير،فتح مبين بين الإنسان وأخوه، خوف من معصية أو ذهاب إلى مواقع شر... لذلك كل هذا يختلط بباسندوة ونراه فينا نحن وقد إقتربنا منه ودفعنا إلى اللين بعد تعقيدات الحياة وقسوة المشاعر وقد جعلو منها جشعاً وظلماً وقهراً وطغيانا. ولو أنهم ذرفوا دمعة واحدة طوال تاريخهم الكالح لاستقامت الحياة ولأسقانا الله ماءً غدقاً، ولما كان هذا الجشع والقتل والدم في كل مكان، لو أن أحدهم بكى واستبكى من عميق مشاعره لكان الجمال يملأ النفس والعقل ونراه في كل مكان من أرجاء الوطن، ولما وجدت نتوءات..
البكاء يعصم القلب من أن يذهب إلى مواطن الزلل والدمعة إحتساب مغفرة عند الله ودعوة لأن يقبل الله منا خالص الأعمال... البكاء يجعلنا أقوياء ونمضي إلى ما هو خير فقط دون وجل أو خشية من أحد سوى الله تعالى.... هكذا الدمع حين يتدحرج من المآقي إنما يطهر الأرض ويجعلها تنبت زهوراً ويخلق فيها معان روعة تسكر الألباب... والبكاء تخلص من رق الكائنات ونداء الضمير وغيث السماء لتنبت الأرض فرحاً والتقاء الحبيب بحبيبه فرحاً وحضور الدهشة بعد طول غياب وهو فضاء الله الواسع الذي لا يراه إلا من عصم الله قلبه من الوقوع في المعصية... البكاء بوح الوجدان، غناء لطيف يعبر عن شغف القلب فيض وجداني يتعالى إلى مصاف الروعة واستحضار أسرار الله في خلقه. كما هو دعاء لطلب العفو والمغفرة ورجاء رضوانه... البكاء يا باسندوة ما كان ينقص السلطوي ليكون له قلب محب وهو ما غاب عنه وأنت يا باسندوة من أعاده إلينا قصيدة وجمالاً. وهذا ما لم يقع عليه ذلك الذي أتخذ من الأموال والأولاد تفاخراً وزينة ولهواً ولعباً. ولم يعرف طعماً لدمعة تتدحرج من المآقي تعبيراً عن شفقة وحب وطن.. الله. الله يا باسندوة كم أنت غدق في مشاعرك وفيض رجاء ومحبة وإنساني صادق. وأنت ترينا القلب بمنتهى الشفافية دونما كبر ومغالطات.. وكم أنت إنساني وذو مشاعر رقيقة تفيض سخاءً على الوطن... الله يا باسندوة كم دموعك جعلتنا نلتفت إلينا ونسأل هل نحن بشر حقيقيون نحب الخير والوطن والناس أجمعين ونحن أقرب إلى الدود من أي متاع دنيوي... يا باسندوة.. يا هذا الخلاق الذي جعلنا نعرف كم الدمعة قوية وقادرة على أن تقلب كيان عالم لو أنها ترقرقت في العين البصيرة بصدق مشاعر وخوف من الله..
يا باسندوة. أأنت من أعطى العطاء الوفير، من دفعنا إلى قراءة الإنساني وأغرانا بالحب وأسراره.... الله. ياألله. ياالله. إن في البكاء لعالم كبير لا يطاله إلا الشجعان أخلاقياً والبارين بوطنهم والراجين رضوان ربهم... وفي البكاء خلق عظيم: الصدق الإخلاص النقاء الوفاء الحب.
البكاء توبة إلى الله لا رجوع عنها. وهو مهبط وحي الضمير.. لذلك خلق الله الدمعة في شكل قلب ومنحنا منها الكثير الذي لا ينضب لنكون أنقياءً وجعل الدمعة لغة إلهية في الإنسان تشبه اللؤلؤ وتتشابه مع البحر والمحيط. بخاصية مشتركة هي الملوحة. في دمعة أو قطرة محيط،كلاهما يحمل أسرار الله في كونه، وكلاهما يعبر عن الخير العميم وعن العميق والدفين،وكلاهما مجال رحب للسفر إلى ما يستحق أن يصل إليه الإنسان.
محمد اللوزي
من وحي دموع الإنسان "باسندوة" 2271