التعددية السياسية والفكرية ومع إيماني بذلك إلا أنه يهمني أن أحذر من هذا الانفلات غير المسبوق في الحياة الحزبية المصرية، وإلى جانب ذلك فإنه لابد من الاهتمام ببرامج الأحزاب ولا أعني بذلك الأحزاب الجديدة فقط, ولكن يجب أن تكون هناك مراجعة شاملة لمسيرة الأحزاب المصرية, لأن العبرة ليست بالكم ولكن بالتأثير في الحياة السياسية ومدى شعبيتها والتحامها بالمواطنين, وعلى أن يقوم كل حزب بهذه المراجعة الذاتية لأن المرحلة القادمة سوف تلفظ أي صور حزبية لا تعبر عن الشعب ولا تتحمل أيضاً الانفلات الحزبي أو الاستمرار في الموافقة علي أحزاب استثمارية، وعلى الرغم من أن الأحزاب الجديدة تتميز بطابعها الحديث وتوجهها الليبرالي الاجتماعي العام, إلا أن عيبهما الأساسي هو ارتباطهما بأسماء أشخاص واعتمادهما المفرط علي الظهور الإعلامي, في الوقت الذي لم يختبر بعد مدى وجودهما على أرض الواقع.، إن قوة الدولة من قوة الأحزاب، وقد كان من الحكمة أن تتيح الدولة فرصة كاملة لجميع الأحزاب بما فيها الدينية، فكان لابد أن يعمل رجال حزب الإخوان من خلال كيان واضح ومحدد. وما ندعو إليه اليوم بأن تكون الأحزاب سواء القديمة أو الجديدة أو التي مازالت تحت التأسيس واضحة وشفافة في كل ما يتعلق بمبادئها وتمويلها وسبل دعمها للجماهير وعلاقتها بالدولة، وبالعلاقات الخارجية التي لا تؤذى سياسية مصر خارجياً، والتي لا تتعارض أيضاً مع مستقبلها في المنطقة. ولابد أن يكون لهذه الأحزاب وجود حقيقي في الواقع، خاصة وأن كثيراً منها له شعبية ضخمة ومؤهل لأن يحتل المكانة الكبرى في الحياة السياسية الجديدة.
*مصر بعد الثورة أدركت قواعد اللعبة السياسية وحققت مكاسب على حساب إسرائيل، ولكن كيف سيكون موقف المجلس العسكري إذا هاجمت إسرائيل إيران وردت إيران بإشعال دول مجلس التعاون الخليجي؟؟؟الصورة السابقة هي صورة مأخوذة من صحيفة هارتس الإسرائيلية، وهي عبارة عن كاريكاتير يظهر فيه بنيامين نتنياهو ووزير حربه أيهود باراك وهما يضعان أمامهما خريطة لإيران يظهر عليها أسهم، وهو توضيح عن الفكرة المسيطرة على الشخصين وهي توجيه ضربة عسكرية إلى إيران، وفي أعلى الصورة مكتوب بالعبرية - حسب الكاريكاتير الإسرائيلي- مقاربة بين إيران ومصر لدرجة إمكانية سماح المشير بضرب إيران ليس سببه فكرة مصر واسترجاع نفوذها الإقليمي، بل هو الحالة السياسية المصرية الآن وفوز الإسلاميين فيها بالبرلمان مما يجعلها دولة إسلامية حليفة لإيران: وهم يعتقدون أن هذا تم بمباركة المشير وتعني هل نحتاج في ذلك إلى موافقة المشير طنطاوي. وهذا الكاريكاتير يخفي خلفه العديد من الأسرار بعيداً عن الهدف التهكمي الذي يرمي إليه الرسم الكاريكاتيري من الممكن توضيحها في النقاط التالية، علنا نصل إلى تصور للحالة المصرية والإسرائيلية بعد ثورة 25 يناير.
أولاً الحالة المصرية.
بعيدا عن الهدف التهكمي الذي يرمي إليه الرسم، وهو التهكم على الحالة السياسية والأمنية الإسرائيلية، من الممكن أن نقرأ فيه امتداد النفوذ المصري في منطقة الشرق الأوسط بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، وهذا ليس افتراء أو تصنع لتحول الحالة المصرية واسترداد نفوذها الإقليمي والدولي
ففي صفقة شاليط على سبيل المثال، فمنذ اختطاف الجندي إثناء الحرب على غزة ولبنان عام 2006، حاولت الحكومة المصرية تنفيذ عملية تبادل الأسرى ولم تنجح في ذلك، هذا على الرغم من الآراء التي تنسب هذا الفشل إلى انعدام الرغبة السياسية للنظام المصري في تنفيذ هذه الصفقة لاعتبارات كان يراها سياسية قد تصب في مصلحة مصر، هذا بالإضافة إلى الفشل في تحقيق المصالحة الفلسطينية، ولكن بعد الثورة استطاعت مصر تحقيق المصالحة ورغم انهيارها، استطاعت أيضا تنفيذ صفقة الجندي جلعاد شاليط، وذلك عن طريق إطلاق يد جهاز المخابرات المصري ليلعب دوره في المنطقة، فهذه الصفقة تمت بواسطة شبكة اتصالات وضغوط على ألمانيا وإسرائيل والولايات المتحدة، مرورا بدمشق وأنقرة.
هذه الصفقة وصفها الإعلام الإسرائيلي بأنها صفقة مهينة لإسرائيل، وفي هذا الصدد قال الكاتب يوسي ميلمان في صحفية معاريف إن هذه الصفقة كانت بمثابة خنوع لمصر، إما الكاتب تسفي برئيل فقد علق على هذه الصفقة في صحيفة هاارتس بقوله إن مصر بدأت بالفعل في استعادة دورها الإقليمي، وهذا يعتبر جزءاً يسيراً مما قاله المحللون الإسرائيليون عن الصفقة، الصفقة الثانية التي أوضحت تنامي الدور المصري هي صفقة مبادلة الجاسوس إيلان جرابيل بخمسة وعشرين سجينا مصريا في السجون الإسرائيلية، هذه الصفقة بالرغم من بعض الأصوات التي اعترضت عليها، والبعض الأخر الذي قلل من أهميتها، إلا أنها تكشف أيضا عن تنامي الدور المصري، وإدراك مصر لقواعد اللعبة السياسية في المنطقة بعد الثورة، فقد ذكرت القناة العاشرة الإسرائيلية إن مصر قد حصلت على طائرات أف 16 بالإضافة إلى حزمة من المساعدات الاقتصادية الأمريكية لمصر مقابل إطلاق سراح جرابيل، والجدير بالذكر إن طائرات أف 16 كان النظام السابق يحاول الحصول عليها، ولكنه فشل بسبب ضغوط مارستها إسرائيل على الإدارة الأمريكية، لإدراكها جيداً أن هذه الطائرات قد تحدث نقلة نوعية في سلاح الطيران المصري، ولكن مصر بعد الثورة استطاعت الحصول عليها.
وأخيراً يبقى التدخل المصري لدى إسرائيل وحركة الجهاد الإسلامي في التهدئة بين الطرفين، فإسرائيل كانت عازمة على القيام بعملية عسكرية موسعة في قطاع غزة، والجهاد الإسلامي كان يريد أن يؤكد على وجوده في القطاع وأنه مازال له كلمة في عملية المقاومة ضد إسرائيل، وكانت الأمور ستتدهور من سيئ إلى أسوأ لولا تدخل الجانب المصري لدى إسرائيل، فأوقفت علميتها العسكرية، وكذلك تدخلت مصر لدى حركة الجهاد ووقفت إطلاق الصواريخ على المستوطنات الإسرائيلية المتاخمة للقطاع.
الجانب الإسرائيلي:
وعلى الجانب الإسرائيلي يحمل هذا الرسم الكاريكاتيري تهكماً واضحاً على إسرائيل، وكأن من رسمه يريد أن يقول إنه حتى القضايا المصيرية بالنسبة لإسرائيل أصبحت في حاجة إلى موافقة المجلس العسكري في مصر، فقضية ضرب إيران تعتبرها إسرائيل قضية مصيرية بالنسبة لها وهي في حاجة إلى موافقة المشير طنطاوي، هذا أمر تهكمي على الساسة الإسرائيليين، ولكن بالرغم من ذلك، فهذا الرسم الكاريكاتيري لا يغفل الحقيقة المرة بالنسبة لإسرائيل، وهي ما هو موقف الجيش المصري إذا قامت إسرائيل بضرب إيران، خاصة وان هناك إطرافاً عربية قد نكون أهدافاً للصواريخ والطائرات الإيرانية مثل دول مجلس التعاون الخليجي، وهي الدول ذاتها التي ترددت حولها أنباء بأنها أعطت للمجلس العسكري مساعدات اقتصادية مقابل تعهدات مصرية بحمايتها من أي عدوان إيراني على أراضيها
حصلت القوي السياسية والحركات الاحتجاجية التي كان محظور عملها قبل ثورة 25 يناير على «الشرعية» اللازمة بعد نجاح الثورة للعمل في الشارع وسط العمال وبين طلاب الجامعات، بعد أن كانت أسيرة مقارها بلا نشاط ملموس سوى للمظاهرات فقط والاحتجاجات أمام النائب العام ولانتهاكات الشرطة لاعتقال عدد من أعضائها ـ حركة شباب 6 ابريل كانت أبرز الحركات التي ساهمت في ثورة 25 يناير من خلال انتشار أعضائها بالمحافظات ومشاركتهم في مظاهرات ميدان التحرير وتوزيع البيانات والمنشورات، وخلال الأسبوع الماضي فقط احتفلت 6 ابريل بعامها الرابع تحت شعار «الشعب يريد تطهير البلاد» وتسعى الحركة من خلال مشروع قدم لمجلسي الوزراء والقوات المسلحة لتحويل الحركة لمنظمة سياسية على غرار المنظمات السياسية في أوروبا تستطيع أن تنشئ فروعاً لها بالمحافظات وتحصل علي اشتراكات وتبرعات من أعضائها.
وتعتبر حركة العدالة والحرية أبرز الحركات الاحتجاجية التي حصلت على الشرعية وهي في الأصل تنظيم يساري ضم في معظمه أعضاء من الاشتراكيين الثوريين وتأسست في مطلع عام 2010، وهي أبرز الحركات الداعمة لثورة 25 يناير ودخلت في مناوشات مع جماعة الإخوان المسلمين بسبب اسم الحركة، حيث أن الجماعة أكدت أنها ستؤسس حزبًا سياسياً.
أما حركة كفاية وهي الحركة الأم لمعظم هذه الحركات الاحتجاجية، فالحركة التي نشطت في 2006 و2007 و2008، وبعد ترك جورج اسحاق مهام المنسق العام للحركة بدأت الحركة في حالة فتور وخلافات داخلية بعد وفاة المنسق العام لها الدكتور/ عبد الوهاب المسيري، وتولي الدكتور/ عبد الحليم قنديل مهام المنسق العام الجديد لها، حركة 9 مارس من أجل استقلال الجامعة استفادت أيضًا من الثورة، حيث استطاع عدد كبير من أعضائها تغيير القيادات الجامعية بالتعاون في ذلك مع طلبة الجامعة.
لم تكن ثورة 25 يناير الشعبية مفاجأة للحكم فقط، بل كانت مفاجأة لقوى المعارضة والشعب المصري كله أيضاً، هذه المفاجأة لم تكن وليدة اللحظة بل هي ثمرة وامتداد لنضال سياسي طوال السنوات العشر الأخيرة، ويمكن القول إن مسيرة 25 يناير اكتسبت خبرة نضالية وبلورت رؤية سياسية حول شكل التغيير المطلوب من خلال ممارسة الشباب للاحتجاج السياسي طوال هذه السنوات العشر، وأن هذه الخبرة النضالية والرؤية السياسية كانت أحد العوامل الأساسية في انتصار الثورة وتحقيقها الهدف الأساسي برحيل رأس النظام، وفتح الباب أمام التغيير على نطاق واسع.
ولفهم هذه الحقيقة لما لها من أهمية في التأريخ للثورة ومتابعة تطورها ففي ربيع عام 2005، بدأت مصر تشهد صعودًا لافتًا في الحركات الاحتجاجية "العفوية" والتي بدأت بـ "الحركة المصرية من أجل التغيير"، التي تطلق على نفسها اسم "كفاية"، والتي كان ظهورها يعد بلا شك إدانة جلية للأداء السياسي للأحزاب المصرية، إذ لو كانت الأخيرة قادرة على ملء الفراغ والتمدد في كل المساحات، للحد من تغول السلطة ما كان لـ"كفاية" -على سبيل المثال أو أي حركة أخرى- أية شرعية كبديل سياسي للأطر التنظيمية الشرعية التي كانت قائمة قبل الثورة، ولا تزال حتى اليوم، خاصة وأن غالبية الحركات الاحتجاجية التي تشكلت بعد "كفاية" كذلك تكون طيفها الأساسي من عناصر وقيادات ونشطاء من الأحزاب السياسية القائمة والقوى السياسية المستقلة، وعوام الناس من الذين تعوزهم أية خبرة حزبية أو تنظيمية.
وكان السؤال دائمًا: ما الذي حمل هؤلاء -خاصة المنتمين إلى الأحزاب السياسية- على العمل من خلال تلك الحركات الوليدة، إلا إذا كان ثمة توافق على أن الأخيرة، تعوضهم عن العجز السياسي والكسل التنظيمي، والانتهازية السياسية التي باتت قاسمًا مشتركًا بين كافة الأحزاب المصرية، فيما يتعلق بـ"الحوار" مع السلطة من أجل الإصلاح.
إذن ما الفرق بين الحركات الاحتجاجية التي كان بعضها في حينه لا يتجاوز عمره بضعة أشهر مثل "كفاية".. وبين "الأحزاب" التي تعمل في مصر منذ ما يقرب من ربع قرن؟! تتمثل هذه الفروق في.
أولا: أن تلك الحركات كانت فرزًا طبيعيًا لتطورات داخلية وإقليمية ودولية، خرجت على غير ما هو متبع ومعهود، لم تكن كغيرها "منحة" النظام، أي ليست "هبة" من السلطان، بل إنها "ولدت طبيعيا" نتيجة تلاقي قوى متعددة اجتمعت على ضرورة الخروج على "ميراث احتكار السلطة" وعقد "الزواج الأبدي" بين الرئيس والسلطة. إذن، الحركات الاحتجاجية الجديدة لم تكن ابنة السلطة، ولكنها ولدت من رحم رفض هذه السلطة، أو التعايش معها أو العمل تحت ظلها. فيما تعتبر الأحزاب القائمة، "ظواهر" سياسية يرجع الفضل في وجودها إلى النظام، عندما قرر توزيعها في نهاية السبعينيات كـ"منح" في وقت لم تكن ثمة ضغوط لا داخلية ولا خارجية، تحمله على اتخاذ مثل هذا القرار، فالأحزاب إذن كانت وليدة "حالة مزاجية" ارتبطت برغبات النظام ذاته، وليست استجابة لمعطيات كانت ضاغطة آنذاك في اتجاه التحول إلى النظام الحزبي التعددي، والمنحة أو الهبة تظل مشروعيتها مرهونة بهذه "المزاجية الفوقية"، ولذا كانت لجنة شؤون الأحزاب التابعة لمجلس الشورى - قبل حله- "ظاهرة طبيعية"، وأداة للنظام في التعبير عن رضاه وعن سخطه، سواء في تأسيس الأحزاب أو في تأديبها
ثانيا: من الفروق المهمة أن أجندة الحركات الاحتجاجية تختلف عن المعارضة الرسمية، فالأولى لا تريد استنساخ المراحل السابقة، فالاستنساخ يعني حمل ذات الجينات الوراثية، يعني الاجترار وإعادة إنتاج فردانية السلطة وشخصنيتها وفرض نظام الوصاية الأبوية على المجتمع من جديد، ناهيك عن "الإكسسوارات" التي باتت ضرورة لتطويل عمر النظام، والحيلولة دون كسر حاجز عمره الافتراضي، مثل الدفاع عنه من قبل الذين استفادوا من تفشي المحسوبية والفساد، ومن ثم حملت أجندة الحركات الاحتجاجية التغيير والإصلاح عن طريق المظاهرات والوقفات الاحتجاجية، على العكس تماماً من الأحزاب التي وقفت تشاهد المسرح السياسي من على بعد.
كاتب مصري
خبير في القانون العام
د. عادل عامر
المكاسب السياسية لثورة "25" يناير 2181