مطلوب من التيار الإسلامي (الإصلاح) اليوم أن يبرهن عن تسامحه الديني باستيراد أعداد من طائفة الهندوس ومن المسيحيين بمختلف طوائفهم،ومن اليهود وحتى عبدة النار والشيطان ومن ثم العمل على توطينهم حتى لا يقال عن التيار الإسلامي إنهم قوى انفرادية متحجرة وضيقة لا تعترف بالتسامح ولا بالرأي الآخر.. ومطلوب من الإسلاميين وتحديداً (الإصلاح) أن يبنوا لكل ديانة معبداً أو كنيسة على الأرض اليمنية كاعتراف بالتنوع...ومطلوب من الإسلاميين أن يثبتوا ديمقراطيتهم بقوة، من خلال التنازل عن تسفيه آرائهم، وأن يصموا آذانهم عن استفزازات تطال حتى الذات الإلهية، ليكونوا قوى مقبولة ومستوعبة على مضض من التحرريين جدا، وعليهم أن يدركوا تيار الحرية القادم من وراء الأكمة، وأن يقبلوا بأي تهم تنال منهم أو آراء تؤذي مشاعرهم، وأن يكون رأيهم الصمت حيال ما يجري في كل شؤون الوطن، وأن يتنازلوا عن طيب خاطر عن أيديولوجيتهم، حتى لا يقال عنهم قوى رجعية بالية ومتطرفة، وأن يفسحوا ما بوسعهم لقطار التغيير القادم من طهران، حتى لا يقال عنهم وهابيون جامدون منغلقون.
على الإسلاميين اليوم وليس غدًا، مهما كانت كثرتهم أن يخضعوا لاستبداد جديد بعناوين ليبرالية تهندس للخصومة بذكاء شديد وتضع في صلب اهتماماتها القوى الإسلامية (الإصلاح) بأنها شرسة وتضيق بالآخر ولا تعرف معنى للحوار، وعليها أن تظل مدانة وفي الطرف الغير قابل للاستيعاب من القوى التحررية جداً، التي لم تفصح بعد لما هي هكذا شديدة الخصومة مع الإسلاميين وتفتعل معارك واستفزازات عديدة بهدف جر القوى الإسلامية إلى منزلق العنف،فإما أن تقبل ما يمس صميم معتقدها، أو أنها قوى منغلقة جامدة...
على الإسلاميين أيضاً أن يدركوا جيداً أنهم في دائرة الاتهام المعلن وغير المعلن سواء أكانوا ديمقراطيين ورضوا بالآخر وحاوروه، أو انكفأوا،..كتبوا قصيدة النثر أو التابوتية العمودية...قرأوا هيجل وماركس وسارتر وهيدجر وجاك دريدا أو ابن االقيم وابن تيمية والبناء وسيد قطب.. تآلفوا مع الإشتراكي أو انغمسوا مع القوى السلفية.. سيظلون هم ولا جديد، تحت طائلة القوى التحررية جداً، وعلى ذات المرمى هم الهدف الذي لن يحيد عنه البعض ممن يسمون أنفسهم العلمانيين.
لذلك على الإسلاميين أن يدركوا أنهم معنيون بالحرب القادمة من وراء الأكمة، وأنهم في مستوى الغير مرغوب بهم، أكانوا أشد انفتاحاً ودعوة إلى حرية المرأة، أو إلى الحجاب والبرقع.. كانوا مع فيروز (أعطني الناي وغني) أو مع التوشيح والإبتهال.. مع موسيقى الجاز الصاخبة أو مع الدف والطار.. مع قاسم أمين أو حسن البناء..
إنهم القوى التي يجب إدانتها بالإرهاب والتكفير والأصولية وبذات اللغة الجامدة المتربصة الباحثة عن تناقضات من العدم واختلاق جلاد وهم (الإسلاميون) وضحية وهم (التحرريون). لأن القضية هنا عمل توظيفي وبرنامج تركيبي متناغم يزحف باتجاه هؤلاء الإخوان، يريدهم غرباء منفيين في وطنهم وهويتهم، ومهددين بعظائم الأمور إن احتجوا على نصف بيت شعر أو مفردة بسيطة رأوها لا تتسق مع مشاعرهم.. المشاعر هنا لا قيمة لها لدى الطرف التحرري الذي عليه أن يقول ما يشاء والآخر بأدب يصغي ولا يحرك حتى رأسه.. هذا الإرهاب المنظم، يبقى أحد أهم شروط الاستنفار القادم من وراء الأفق، إلى مواطن الأخوان المسلمين، الذين تعبوا بحثا عن الحداثة وتبنوها وارتضوا الصندوق حكماً بدلاً عن الحاكمية الدينية، ومع كل هذا التمدين مازالوا في دائرة المتربص بهم،من إذا قالوا إنبرى لهم جند التحرر من عدة زوايا يستبسل في إشباعهم كلاماً جارحاً وإعلان تضامن بلا حدود ضدهم لمجرد كلمة تقال.. ذلك أن التحرري جداً لا يمكن الإعتراف به، إلا إذا دخل في هجوم جامد مع الأيديولوجي الإسلامي وبرهن أنه ضد ما يسمى قوى التخلف.. وحدهم التقدميون المتطورون الذين بلغوا مبلغا من النهوض الحضاري الشامل لا يمكن أن يبلغه الإسلاميون للفارق الزمني الكبير في الوعي والممارسة، فهم تحرريون أصحاب سلوك أنيق يزرعون الأرض وردا وقرنفل، ويهتمون بالهندام، ويمارسون الرياضة كل صباح، دقيقون في مواعيدهم، يرفضون تعاطي القات، ويأكلون بالسكين والشوكة، ويلعبون القلف، ويقيمون حفلات رأس السنة، وأعياد الحب، وشم النسيم.. لذلك هم حضاريون، تروقهم النزهة، والمشي على الأقدام، والسباحة، وأكل الهومبرغر، خطواتهم جذلى، أجسامهم رشيقة، وكلاهم رقة، ويتصرفون بأدب جم في حواراتهم، يحترمون القانون لدرجة يصعب تصديقها، متفردون بشكل يجعل العالم أكثر مسؤولية عنهم. يقرأون قبل النوم القصيدة، وفي الصباح موسيقى طرية، وفي الظهيرة موسيقى هادئة، مكتباتهم الموسيقية من سيمفونيات (لبيتهوفن وموزارت وباخ وفيجنر).. بينما الإسلاميون هؤلاء الرعاع الذين يعيشون عصوراً سحيقة من الظلام والتخلف، ويستجرون وعي الآخر السحيق القدم ما زالت رؤاهم هي ذاتها منذ أكثر من 1400عام، لا يفقهون إلا ما قاله الترمذي والنسائي وما شابه ذلك في انقطاع تام عن مواكبة الجديد في عالم (السيبرنطيقيا ) لا يفقهون في الطب ولا الرياضيات ولا الفلك ولا الكومبيوتر، قابعون في المساجد كل ينادم الآخر عن الأخروي، فيما العالم صعد الفضاء واكتشف مجرات ونجوماً، وهم في ذات المسألة من حف الشوارب وإطلاق اللحى.. هكذا القوى التحررية جداً تنظر إليهم ولا يمكنها أو ولا ترغب في أن تغير من هذه النظرة، تحشرهم في زاوية ضيقة، تتحول إلى أصولية من نوع آخر وتطرف وإرهاب باسم الحداثة وما بعد الحداثة والتقدمية، تحول اليمين إلى اليسار والقوى التحررية مازالت تتمترس بذات اللغة،كأن العداوة يجب أن تظل كما يريدها الآخرون،والآخرون هنا هي القوى التي تقدم إمكانية الخصومة، وتعكير صفو الوطني، هي التي تتهم البعث العراقي بالصدامي، والإخوان في العراق بالتكفيريين، والوافد من هناك إلى هنا له أسبابه، وتحالفاته وقواه.. ومهما حاول الإسلاميون النأي بأنفسهم عن هذا الإتهامي وطالهم التجريح وتناسوه، سيبقون الهدف الضروري الذي يتبارى عليه التحرريون، الذين نجد في قاموسهم الكثير من المؤلم بلغة لا تحاور ولاً تلقي بالا للأخلاقي، فقط مهمتها فريق يهاجم، وفريق يعلن التضامن مع المهاجم،ومع هذا التضامن لغة استنفارية، استفزازية، متحدية، باسم الحرية والديمقراطية، كأن الديمقراطية تمنحهم العداء مع الآخر وكأنها معجونة بالإفراط لدحر الإسلاميين من الواقع...
وقد احترنا فعلاً أين نذهب بهؤلاء الآخوان الذين يشكلون حضوراً مقلقاً ومزعجاً؟ هل نرميهم في البحر وننطلق صوب الحداثوية التي نريد؟ أم ندفنهم في رمال الربع الخالي؟ أي نكد على الوطن هؤلاء الغير مرغوب بهم ولا يمكن التحاور معهم؟ ولما لا تُفتح لهم السجون ويمارس الجلاد سطوته عليهم فيما الحداثيون التحرريون يمارسون كتابة القصيدة؟.. نسأل هنا لأننا فعلاً لم نعد نرى سوى القطيعة بين قوى تستمد عناوينها من هناك ضد هنا.. وإذاً ما لم تبقي للوطن إن كان المثقف سطوته وثقافته وعلمنته هي العداوة فقط مع الإسلامي، مهما تطور وتخلص من الجمود.. الواقع أننا أمام ثقافة استبدادية بطريقة حضارية ولغة ماكرة تهاجم وتمارس الكر والكر فقط لمجرد كون الإسلامي إسلامياً، لم يبرهن الإصلاح أو غيره من المتفق عليه (أحزاب المشترك) أنهم ضد الحرية ومع ذلك ينظر إليهم أنهم ظلاميون ومتطرفون، ما معنى الظلامي المتطرف إن لم يكن إتهامياً جارحاً لا يقبل الحوار؟.. سؤال لا يلقي له بال من يمارسون القصيدة في أعلى مراحلها، واستخدام المقذع من الألفاظ ضد الآخر في وقت واحد، هذا التنامي الشره في النيل من الإسلاميين، هو نوع من قهرية أقلية لأكثرية، الأكثرية يقبلون بالصمت فيما الأقلية ينادون بعظائم الأمور بعد أن يستفزوا المشاعر، كأن الآخر لا قيمة له أمام طموحاتهم الإستثنائية...
وإذاً ما المتبقي للوطن إذا كان المثقف اللليبرالي متوحش الطباع مستأسداً على أبناء جلدته؟ أين العلماني القابل والمنادي للتعايش من يمارس النقد على ذاته قبل الآخرين ويدعو إلى احترام القيم المجتمعية والإعلاء من شأن الحرية بضوابطها الأخلاقية ؟ أين العلمانيون الذين يرون أن من أحقية الكل أن يكون معبراً عن ذاته بطرق ديمقراطية؟ لماذا يسدون الأفق على غيرهم ويفتحونه لهم؟ هل هم فعلاً صادقون ؟ أم أنهم يجيئون من هناك لينوبوا الآخر في الصراع ويقدمون ما يريده بوفاء شديد؟.. وبصدق نقول: على التيار العلماني أن يكون منصفاً للآخر قبل نفسه إن كان صادقاً حتى لا يستبد بنا الظن أن ثمة من يأمر والآخر يطيع لإدخال الوطن مجالات الفوضى ونقل ما هو في بغداد إلى صنعاء.. والحقائق تترى لمن يطل على هذا العالم بمسؤولية، أوليس العالم قناة أيضاً هوايتها الاشتغال على ضرب القوى الإسلامية بدافع فارسي؟!.
محمد اللوزي
استبداد بعناوين ليبرالية 2389