أقل من أسابيع ثلاثة هي المسافة الفاصلة عن يوم 21فبراير، إنها مدة قصيرة بحساب الوقت والزمن، لكنها وبمقياس التحدي تضاهي حقباً وعقوداً، لذا أعتقد أن الأيام القابلة ستكون بمثابة مرحلة صعبة وقاسية على اليمنيين.. ربما سيسأل البعض: وهل هنالك ما هو أسوأ وأقسى من هذه المعاناة المستديمة؟.
نعم كان لدينا ثورة عارمة وخلال سنة كاملة والرئيس ونظامه العسقبلي لم يتورع في مواجهة هذه الثورة بشتى صنوف القتل والقمع والإرهاب والعبث، ولكن ما هو مؤكد أن رحيل الرئيس لا يعني سوى بداية النهاية؛ مازال لدينا نظامه وإرثه الثقيل الذي يستلزمه اليوم أكثر من ثورة وأكثر من مواجهة وتضحية وقربان .
رحل رأس النظام، ولكن بعد أن وضع زعافه في كل ناحية ومكان، فهل توقع أحدكم بأن توقيع الرئيس على مبادرة الخليج يخلو من المكر والحيلة؟، فالاتفاق يحوي في ثناياه بنداً خبيثاً ظاهره الانتخاب لنائبه عبدربه، فيما جوهره هو أن علي عبدالله صالح لن يترك اليمن واليمنيين، طوعاً ورغبة في تأصيل مبدأ المشروعية الآتية عبر صناديق الاقتراع، لا أعتقد أن تضمين المبادرة بشرط الانتخاب لمرشح وحيد توافقي؛ كان مجرد نزوة وتقليعة عابرة قصد بها تعجيز المعارضة وإنما وراء ذلك حسابات ستكشف عنها الأيام القادمة .
كيف ولماذا مرشح واحد توافقي؟ ولماذا مطلوب من اليمنيين إهدار مليارات الريالات على انتخاب مرشح وحيد بلا منافس؟.. البعض يسأل وبمرارة: ما قيمة الاقتراع إذا كان المرشح وحيداً وتوافقياً؟، فعلاما الجعجعة وتبديد المال والوقت وحتى المساعدات الخارجية؟، ألا يوجد خيار آخر غير خيار المرشح الواحد وغير انتخابات المهزلة؟ ألم تكن مبادرة الخليج معطلة للدستور؟، فالبرلمان بلا شرعية منذ تمديد الأحزاب السياسية له في فبراير 2009م ولمدة عامين انتهت في إبريل الماضي، ومع ذلك كان المجلس النيابي قد أقر حصانة الرئيس وأعوانه وقبلها منح ثقته لحكومة الوفاق وبرنامجها .
وإذا واقع البلد مخيط ومرقع على هذا المنحى؛ فلماذا وعندما تعلقت المسألة بالرئيس المؤقت لم يقم الرئيس صالح بنقل سلطته إلى نائبه عبدربه بناء ومبادرة الخليج أو مصادقة البرلمان أو حتى القيام بعملية استفتاء على المرحلة الانتقالية إلى حين الانتخابات الرئاسية المزمعة إجراؤها العام القادم بدلاً من اختراعه العجيب المتمثل بانتخابات شكلية هزلية لا تستقيم مطلقاً حتى مع قواعد الانتخابات الممارسة في الأنظمة الشمولية خلال حقبة الحرب الباردة من القرن المنصرم، ولكن ماذا لو أن الانتخابات يوم 21 فبراير، ليست إلا واحدة من تجليات الشيطان ذاته؟.
لقد كان بوسع الرئيس نقل صلاحياته كاملة ومن خلال بيان متلفز أو الاكتفاء بمهر توقيعه على المبادرة أو بترك المسألة لمن يخلفه أو أو أو، لكنه أبى الرحيل دون افتعال المشكلات والعراقيل، اشترط بقائه رئيساً فخرياً ولستين يوماً فقط، يا لأنانية هذه الأحزاب الطامعة بمغانم السلطان، يا لهذه الثورة المغدورة أو قولوا المختطفة، يا لهذا الشعب الصابر 34 سنة والآن لا يصطبر 60 يوماً!!.
الآن وكلما ضاقت المسافة الفاصلة عن يوم الاقتراع يتكشف للجميع إلى أي مدى بلغ العبث والسخرية، فمنتهى الصفاقة والاحتقار هو أن يطلب منا مزاولة العبث وعلى هذه الشاكلة المهينة لإرادتنا الحرة ولثورتنا الأبية وتضحياتها الغالية.. أظن الرئيس حين رهن رحيله بانتخابات هزلية كان يعي ويدرك ما يفعله أكثر من سواه، إنها أشبه بتراجيديا إغريقية، فالأيام المقبلة إذا ما مضت بسلام ودونما ألغام موضوعة على جادة المضي إلى يوم الاقتراع ستكون الممارسة أكبر مسرحية هزلية في الألفية الثالثة .
نعم نسمع اليوم من يبرر هذه الجريمة النكراء غير مسبوقة في التاريخ الحديث أو القديم، تسأل القوم: ألا توجد طريقة ما للعبور إلى المرحلة التالية؟ فتكون الإجابة جاهزة: مستحيل، لا مجال أمامكم أيها اليمانيون غير انتخاب مرشحنا الوحيد، إننا بين رذيلتين وعلينا أن نختار؛ فإما الرئيس بشار أو خراب الوطن، إنه ذات المنطق الوقح الذي يخيرك ما بين الموت قهراً وكمداً وبين الموت قتلاً وتنكيلاً .!
محمد علي محسن
فإما الانتخاب أو الانتحاب!! 2374