الكبر والإعجاب يسلبان الفضائل ويكسبان الرذائل، وحسبك من رذيلة تمنع من سماع النصح وقبول التأديب، والكبر يكسب المقت، ويمنع من التآلف، فالتواضع أعظم نعمة أنعم الله بها على العبد، قال تعالى: { فبما رحمة من الله لنتَ لهم ولو كنتَ فظّاً غليظ القلب لانفضوا من حولك}
وقال الحكماء في الكبر: لا يدوم الملك مع الكبر وحسبك من رذيلة تسلب الرياسة والسيادة، وأعظم من ذلك أن الله تعالى حرم الجنة على المتكبرين، فقال تعالى: " تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً " فقرن الكبر بالفساد.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أفضل العبادة التواضع "، وقال صلى الله عليه وسلم: " لا ترفعوني فوق قدري، فتقولوا في ما قالت النصارى في المسيح، فإن الله عز وجل اتخذني عبداً قبل أن يتخذني رسولاً "، وأتاه صلى الله عليه وسلم رجل فكلمه فأخذته رعدة، فقال صلى الله عليه وسلم: " هون عليك، فإني لست بملك إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد بمكة"، وكان صلى الله عليه وسلم يرقع ثوبه، ويخصف نعله، ويخدم في مهنة أهله ولم يكن متكبراً ولا متجبراً، أشد الناس حياءً وأكثرهم تواضعاً، وكان إذا حدث بشيء مما أتاه الله تعالى قال: " ولا فخر "، وقال صلى الله عليه وسلم: " إن العفو لا يزيد العبد إلا عزاً فاعفوا يعزكم الله، وإن التواضع لا يزيد العبد إلا رفعة، فتواضعوا يرفعكم الله، وإن الصدقة لا تزيد المال إلا نماءً فتصدقوا يزدكم الله ".
الحكماء كثيراً ما كانوا يحترسون من الوقوع في الكبر.. نظر أفلاطون إلى رجل جاهل معجب بنفسه فقال: وددت أني مثلك في ظنك وأن أعدائي مثلك في الحقيقة، ورأى رجل رجلاً يختال في مشيه، فقال: جعلني الله مثلك في نفسك ولا جعلني مثلك في نفسي.
وقال الأحنف بن قيس: ما تكبر أحد إلا من ذلة يجدها في نفسه وقال أيضاً: عجبت لمن جرى في مجرى البول مرتين كيف يتكبر.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر "، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من جر ثوبه خيلاء لا ينظر الله إليه".
ومر بعض أولاد المهلب بمالك بن دينار وهو يتبختر في مشيه، فقال له مالك: يا بني لو تركت هذه الخيلاء لكان أجمل بك، فقال: أوما تعرفني؟ قال: أعرفك معرفة أكيدة أولك نطفة مذرة وآخرك جيفة قذرة، وأنت بين ذلك تحمل العذرة، فأرخى الفتى رأسه وكف عما كان عليه.
وكما جاء في المآثر بأن الكبر يوجب المقت ومن مقته رجاله لم يستقم حاله، وسُئل الأصمعي ذات يوم زين العابدين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنهم ـ عن سبب بكاءه وجزعه وهو متعلق بأستار الكعبة، لماذا يفعل ذلك بنفسه وهو من أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة وقد قال الله تعالى: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً"؟!َ فقال زين العابدين: هيهات هيهات يا أصمعي إن الله خلق الجنة لمن أطاعه، ولو كان عبداً حبشياً، وخلق النار لمن عصاه ولو كان حراً قرشياً، أليس الله تعالى يقول: " فإذا ئفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون.
والفخر وإن نهت عنه الأخبار النبوية ومجته العقول الذكية، إلا أن العرب كانت تفتخر بما فيها من البيان طبعاً لا تكلفاً، وجبلة لا تعلماً، ولم يكن لهم من ينطق بفضلهم إلا هم ولا ينبه على مناقبهم سواهم، وكان كعب بن زهير إذا أنشد شعراً قال لنفسه: أحسنت وجاوزت ولله الإحسان، فيقال له: أتحلف على شعرك؟ فيقول: نعم لأني أبصر به منكم.
وعرف الحسن رضي الله عنه التواضع بقوله: هو أن تخرج من منزلك ولا تلقى مسلماً إلا رأيت له عليك فضلاً"، وقال أبو علي الجوزجاتي: "النفس معجونة بالكبر والحرص والحسد، فمن أراد الله تعالى هلاكه منع منه التواضع والنصيحة والقناعة"، وقال مالك بن دينار: إحبس ثلاثاًً بثلاث حتى تكون من المؤمنين الكبر بالتواضع والحرص بالقناعة والحسد بالنصيحة، قال الشافعي رحمه الله: "أرفعُ الناس قدرًا من لا يرى قدرَه، وأكبر النّاس فضلاً من لا يرى فضلَه".
إيمان سهيل
الملك مع الكِبْر لا يدوم 4562