في البدء يجد المتابع للمناهج الدراسية في وطننا العربي وبدون مقدمات سيجد بكل صراحة تكريساً للعنف الطائفي والمذهبي والمناطقي، لا أقول الكل، ولكن في كثير من بلدان العالم العربي والإسلامي نجد هذا، ويكفي أن أحد الباحثين، وأنا أتتبع كتاباته وهو ضليع في الشأن التربوي، وهو يعرج على خطبة الحجاج بن يوسف الثقفي "عن الرؤوس التي أينعت وحان قطافها، ويصف الدكتور إياه الموضوع بالعلاقة من نوع ما بالارتداد البعيد كل البعد عن ممارسة الديمقراطية والعمل الديمقراطي، وإن كنت لست مع الكاتب بأن مثل هذا الكلام يكرس لغرس القيم الطائفية والتمييز الطائفي في نفوس المؤمنين، لأن هذا حدث في مرحلة وحقبة لا ينبغي أن نظل نحن كعرب ومسلمين نحاكيها ونتتبع محاسنها ومساويها.
نحن في حقبة وزمن آخر نحتاج فيه لغرس قيم ومفاهيم تربوية جديدة نبتعد فيها عن محاكاة الماضي البعيد، والاقتباس غير المنطقي والبحث عن أسباب وأساليب التربية الحديثة التي نساهم فيها في صنع المستقبل في هذا البلد أو ذاك، ولا نظل في وضعية المتباكين أو الناحبين على زمن ولى وذهب إلى غير رجعة.. العصر الأموي بكل تأكيد كان فيه على سبيل المثال محاكاة الأمراء للواقع، لا نقول الدموي لأن البعض يصف الصراعات على السلطة التي كانت تحدث بين الأمراء سواء في دولة بني العباس أو دولة الأمويين بأنها صراعات دموية لا تعترف بالحق الإنساني أو حقوق البشر.
ويرجح الكاتب أن تلك الحقبة هي من جعلت أو غيبت حقوق الإنسان في الوطن العربي، والحق يقال إن تلك الحقبة الزمنية كانت مختلفة تماماً وإن كانت لها مساويها، فإنها لم تكن بتلك الصورة المغلوطة إطلاقاً، فيها من المحاسن والجمال والخير والحب وفيها من غير ذلك أيضاً، لكن حقوق الإنسان والديمقراطية، وما تلا أو تبع ذلك من أفكار فكانت طارئة، نشأت بعد تلك الحقبة بسنين طويلة لا ينبغي أن نقفز عليها وبها على واقعنا وبطريقة المتباكين على مقتل الحسين بن علي في زمن كان الأمر صراعاً على السلطة أيضاً.
وليس من المعقول على سبيل المثال أن نقول إن الأسرة العربية تغذي -وكما جاء في مقال الباحث- التعصب العرقي والطائفي والمذهبي والديني بشكل عام، فالقيم صحيح تغرسها الأسرة مع نسمات الهواء في الطفل أو الطفلة، في وقت يعود فنقول الأسرة لا علاقة لها بالقيم التسلطية، بكل تأكيد إذا لم يكن الحاكم أو أسلوب الحاكم قائماً على ذات المسلك فرب الأسرة إذا كان يجد الديمقراطية تمارس في بيئة العمل، في المصنع، في المدرسة، في المعهد، في المستشفى، في الشركة، في المؤسسة، في الوزارة فكيف سيمارس الديكتاتورية في منزله وهو من يتشرب الديمقراطية في مختلف مناحي الحياة؟..
ألا نكون بهذا الحديث نكرس فعلاً لخطاب أحادي غير ديمقراطي؟!، الإجابة بكل تأكيد هذا بالفعل سيكون، لكن في حال كانت البيئة مواتية لذلك فسينعكس هذا و بكل شفافية وبلا ضجيج على واقعنا المحلي والإقليمي وبلا جدال..
عبدالباسط الشميري
التربية بين حقوق الفرد والديمقراطية المغيبة 1839