في عهد علي عبدالله صالح لم تقترن سلطة العائلة والقبيلة بالدولة ولكن المسألة تعدت إلى اغتصاب فج للدولة ووأدها، البعض تجده يماثل الحالتين المصرية والتونسية بحالتي اليمن وسوريا، الواقع أن اليمن لا نظير له سوى جماهيرية القذافي، نعم ففي الحالات الثلاث هناك ثمة تزاوج بين السلطة والدولة، فبرغم تغول سلطة العائلة والحزب على الدولة ومؤسساتها في مصر وتونس وسوريا إلا أن الأمر لم يصل لحد القضاء على الدولة ومؤسساتها وسلطاتها كما حصل في اليمن وليبيا .
وإذا كان المستشار/ عبد الجليل - رئيس المجلس الانتقالي - وحكومة مجلسه قد شرعا ببناء الدولة الليبية، متكئين على ثروة نفطية تقدر بمليوني برميل يوميا وعلى مليارات من الدولارات المجمدة وكثافة سكانية لا تتجاوز ستة ملايين نسمة ؛ فإن الحال في اليمن يستلزمه قوة خارقة بل قولوا معجزة، ومع سوء الحالة اليمنية مقارنة بليبيا الشقيقة إلا أن الناظر فيما حققته ثورة اليمن تأخذه الدهشة والحيرة إزاء رأسمالية - مالية وتجارية - شرهة تكونت خلال حقبة صالح ومازالت حتى اللحظة تمارس عملية نهب وتهريب وغسيل منظم .
لا أدري لماذا هذا التغافل والاستحياء حين يكون الكلام عن ثروة طائلة يملكها الرئيس وأقاربه وكبار الشخصيات المحسوبة على حكمه وشركائه ؟؟ مليارات وعقارات وشركات واستثمارات وقنوات فضائية وحسابات في مصارف وووالخ من الموجودات النقدية والمحمولة والثابتة ؛ يتم التعامل معها باستحياء وفتور وكأنما هذه الثروة ليست حقاً مشروعاً لهذا الشعب الفقير الذي هو بحاجة ماسة لكل ريال تم أخذه دون وجه حق .
أعجب كثيراً حيال هذا الصمت المريب، فهل الحديث عن ثروة هذه البلاد يعد محرماً ومجرماً؟ وهل الحصانة الممنوحة للرئيس وأركان نظامه وأقاربه تعفينا عن مشقة السؤال عن مقدار الثروة المنهوبة والمسروقة من اليمنيين ؟ ما أخشاه هو أن التزام الصمت والمداهنة تجاه قضية جوهرية كهذه سيكون لها نتائج فادحة على طبيعة الدولة المدنية التي يطمح لها كافة اليمنيين في قادم الزمن .
إذا ما ظلت هذه القوة الرأسمالية بمنأى عن المحاسبة والعقاب والمساءلة فلن تكون الدولة اليمنية إلا سلطة ضعيفة خائرة قرارها بيد هذه القوى السابقة، إذ سيكون بمقدور النظام العائلي القبلي إعادة إنتاج نفسه وتقويض أية محاولة جادة للانتقال بالبلد وأهله من حالتهم المتردية إلى حالة أفضل ومتقدمة .
لدى الرئيس وأقاربه ورجاله المخلصون ثروة طائلة تجعلهم في موضع القوي والمؤثر في المرحلة القادمة، الساعدي القذافي وهو الرياضي المغمور الذي لا يمكن موازاته بأشقائه سيف الإسلام أو المعتصم وخميس كما أن لا مقارنة بين ثورة ليبيا التي أزالت النظام كليا ومع كل ذلك صار هذا الساعدي المنفي في النيجر بؤرة مضادة مزعزعة لليبيا فكيف إذا ما قلنا بان ثورة اليمن مازال النظام قائماً بسلطته وماله وقوته ورجاله وأجندته وثورته المضادة ؟؟
تصوروا دولة لم تستطع التعافي من حقبة الرئيس صالح وعلى مدى عقد أو عقدين في مواجهة ثورة مضادة لديها من العتاد والسلاح والمال والموالين ؟ لم يخطئ الرئيس عندما قال : لدينا السلاح والمال ما يجعلنا نصمد عشرين سنة ) ربما قد يكون مبالغاً وقصد بكلامه رفع معنويات جنده في لحظات عصيبة وحرجة، لكن ذلك لا يعني أن هذه القوى الانتهازية ستظل مكتوفة اليدين حيال ما تشهده البلاد من تحول ايجابي .
البعض يعد ما يجري في اليمن بكونه أمراً اعتيادياً لا يستدعي القلق والخوف، ما أراه من هيمنة القوى التقليدية لا يدعو للاطمئنان، فلا يوجد مقارنة بين الرئيس الروسي بوتين والرئيس صالح، فالأول أتى برفيقه المحامي ميدفيديف كمحلل لعودته للرئاسة للمرة الثالثة، بينما عبد ربه لم يكن كذلك، فبرغم انه أسمي نائب للرئيس إلا انه لم يكن مرشحاً في قائمة الرئيس المقترحة للوسطاء .
الفارق بين الاثنين هو أن بوتين لديه حزب بيروقراطي وإمكانية دولة عظمى، فيما صالح يملك ثروة وقوة ولوبي رأسمالي يعمل براحة وحرية ودون منغصات وفي دولة ضعيفة وهشة لا تحتمل الوقوف دون مساعدة الآخرين، وهذه مجتمعة كفيلة ببقاء صالح وبسطوته ونفوذه والانقلاب على ثورة اليمنيين وبإفراغها من محتواها وأهدافها .
محمد علي محسن
ثروة طائلة وشعب فقير ! 2578