لا أطلب من شباب الحراك الانضمام لثورة الشباب أو انتخاب الرئيس الانتقالي عبد ربه، فمثل هذه الدعوة تبدو سخيفة وسمجة على الأقل بعد أن تم تعبئتهم وتوجيههم خلال المدة المنصرمة على مقاطعة العملية السياسية بكونها مسرحية هزلية، لكنني أطلب من هؤلاء احترام حق الآخر وألا يتم مصادرته ومنعه من التعبير سلباً أو إيجاباً .
فمع حقيقة هذا التضاد والتنافر بين حراك غايته فك الارتباط واستعادة الدولة الجنوبية وبين ثورة هدفها إسقاط النظام العائلي والقبلي وإقامة الدولة المدنية الحديثة ؛أجدني أميل إلى ثورة الشباب باعتبارها مفتاح الحل لقضية الجنوب وأهله أكثر من حراك الجنوب الذي قد لا نختلف حول دوره الكبير أو حجم تضحياته في مقاومة الاستبداد ومقارعة النظام العسقبلي المتخلف لكنه ومن جهة ثانية نراه اليوم وقد صار مشكلة أكثر من كونه حاملاً للحل والمعالجة للقضية الجنوبية .
ما أعلمه هو أن البيض والعطاس قد دعيا إلى مقاطعة الانتخابات وبكل السبل السلمية، فلم أسمع حتى اللحظة بأن هذه المقاطعة ستكون بقوة السلاح وبترهيب وقتل ومنع الناس من ممارسة حقهم سواء بالاقتراع لمرشح وحيد توافقي أو برفض ومقاطعة الانتخابات برمتها لجاناً وصناديق وتصويتاً .
مكونات في الثورة الشعبية أعلنت رفضها لمبادرة الخليج كلياً وهناك من أعلن مقاطعته لهذه الانتخابات العبثية نظراً لافتقارها لشرطية التنافسية بين أكثر من مرشح وهذا مبدأ أصيل وثابت لأية انتخابات حرة ونزيهة، ومع كل ما سمعناه وقرأناه من مواقف لفصائل الثورة لكننا لم نشاهد أياً من هؤلاء المناوئين للتسوية السياسية يحمل بندقيته ويوجه رصاصه للجان الانتخابية ولمقراتها وصناديقها، فباستثناء مقتل رئيس اللجنة الإشرافية ورفاقه الذين قتلوا قبل أيام برصاص جماعة قاعدية إرهابية في محافظة البيضاء؛ لا توجد أية حركة أو تنظيم آخر تبنى خيار العنف كوسيلة للتعبير عن مقاطعته ورفضه للانتخابات .
العجيب في الأمر أن أغلب مكونات الحراك لا تريد هذا الجنوح نحو العنف المسلح، نعم جميعها تكاد متوافقة في مسألة المقاطعة ولا ضير في تبني مثل هذا الموقف الرافض لانتخاب عبد ربه يوم الثلاثاء القابل، لكننا هنا نتحدث عن مقاطعة غير سلمية وغير مدنية وحضارية أو ذات دلالة وقيمة للجنوب وقضيته الحيوية المراد إظهارها وتبيانها لدول العالم الفاعلة والمؤثرة في الزمن الحاضر .
البعض يعتقد أننا حين ننقد بعض الظواهر السلبية في أداء الحراك كأننا ارتكبنا خطيئة لا تغتفر مطلقاً، فمثل هذا الشعار القائل : (من ليس معنا فهو ضدنا ) كان الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش قد رفعه إبان قيادة بلاده للحرب على طالبان والقاعدة في أفغانستان بعيد هجمات 11سبتمبر وبرغم قوة ومكانة الولايات المتحدة لم تجد بداً من تعديل شعارها الذي تسبب لها بكثير من الخصوم والعداء .
وإذا كان هذا هو حال دولة عظمى فكيف بحركة غضة ليس لها من القوة والتأثير سوى عدالة مطلبها ونبل أخلاقها ؟ لا أدعي الوصاية على الجنوب وأهله كما أن ما أكتبه هنا ليس إلا مجرد رأي لا أقل أو أكثر، على هذا الأساس ينبغي أن تكون كل الأفكار والوسائل المختلفة تصب في خدمة الحل للقضية الجنوبية، فلا يمكن قبول مصادرة واحتكار الجنوب بفئة أو فصيل أو هيئة أو حزب أو شخص أو صحيفة أو قناة أو موقف سياسي بعينه أو خيار فك الارتباط أو الفيدرالية أو أو أو من الرؤى والأفكار الموضوعة لمعالجة مشكلة الجنوب .
ففي جميع الأحوال يبقى الاختلاف في وجهات النظر ظاهرة صحية يجب أن تنمو وتكبر لا العكس مثلما هو حاصل هذه الأيام ومن خلال بعض الجماعات المتمنطقة بلغة الكلاشينكوف بقصد نشر الخوف وتلويث الحياة السياسية بالترهيب والقتل والتقطع والتخوين وغيرها من الأفعال الفجة المنتهكة لحق الإنسان في الحياة والكرامة والحرية .
طلقات الكلاشينكوف ليست إلا تعبيراً عن عجز الكلمات، قول أطلقه دكتور فرج فوده قبل اغتياله برصاص الإرهاب ذاته الذي نذر فكره وجهده في محاربته .
إذا ما لجأ الحراك بالفعل إلى العنف كخيار حتمي لمنع المواطنين في الجنوب من الإدلاء بأصواتهم للمرشح التوافقي فهذا لا يعني قوة ونجاحاً مثلما يظن الكثير وإنما يمثل فشلاً سياسياً ذريعاً سيدخل القضية الجنوبية في أتون مشكلات وصراعات ثانوية ليس من مصلحة الجميع خوضها وفي ظرفية كهذه .
شخصياً سأقول نعم للرئيس عبد ربه وهناك من شباب الثورة ومن أنصار الأحزاب ومن أتباع ومؤيدي المرشح لذاته ولصفته ولجنوبيته ولمنطقته، فلماذا لا يُحترم حقي وحق هؤلاء في التصويت لمرشحهم ؟ نعم قد تكون الانتخابات هزلية وشكلية لا مرشح فيها سوى عبد ربه، وليكن هكذا هو حالنا مع مبادرة لا نظير لانتخاباتها في كل قواميس ونواميس الديمقراطية ماضياً وحاضراً .
لكننا مع ذلك لا نؤيد المقاطعة بل سنشارك فيها ولحسابات ورؤى لها صلة بالقضية الجنوبية وبمستقبل هذا البلاد المنهكة للغاية، إذا كان البعض يعد انتخاب المرشح الوحيد خيانة للجنوب وقضيته فإن مقاطعة الانتخاب تمثل نصرة ودعماً للرئيس المخلوع ونظامه الذي عاث في الجنوب فساداً ونهباً وقتلاً وتنكيلاً منذ 17سنة .
لا أدري حقيقة كيف صار انتخاب رئيس مؤقت وجنوبي لاقى من التهميش والإقصاء الشيء الكثير اعترافاً بمشروعية النظام المحتل بينما انتخاب الرئيس السابق لمرتين ليس اعترافاً بمشروعية الرئيس ونظامه ؟ كيف أن الجنوبيين قالوا نعم لدستور دولة الوحدة بعيد إعلانها بسنة وبعد أن صارت الدولة واحدة فيما اليوم تعد جريمة لا تغتفر بحق الجنوب ونضاله وتضحياته؟.
كيف أن صندوق الاقتراع بات إثماً وبهتاناً ومنكراً ينبغي مقاومته بكل السبل بينما الرصاص والبازوكا والدم والقتل والإرهاب والترويع ليست إلا وسيلة محترمة وطاهرة لتقرير مصير الجنوب؟ أسال ألا توجد طريقة ما لمقاطعة الانتخابات؟! الإجابة: كلا ! أين جماهيركم يا قادة القضية وأين صدوركم العارية وأنتم توجهون فوهات بنادقكم نحو رفاق لكم ؟ لا مجيب، لا مقاطعة، لا تظاهرة، لا فكرة صائبة، لا احترام لحق الآخر، لا لغة أفضل من لغة البارود .
ألا يكفي أن لدينا قضية عادلة ولدينا شعب ثائر مذ عشرين سنة؟! ألا تكون المقاطعة إلا بقهر الناس وإخضاعهم وإذلالهم؟! يا لهذه المفارقة البائسة؛ أنك لتشكو من ظلم النظام وجبروته وقمعه وإقصائه وإرهابه وفي ذات الوقت يكون فعلك مضطهداً ومنتهكاً ومستبداً لحق الآخرين في التعبير عن وجودهم كأفراد وجماعات ومكونات وفصائل وأحزاب وفئات مجتمعية !!
محمد علي محسن
مقاطعة بالرصاص والصميل 2684