أمس الثلاثاء قال اليمنيون نعم لليمن الجديد، في مثل هذه اللحظة التاريخية الاستثنائية كان لزاماً علينا أن ننتخب الرئيس عبد ربه منصور، ليس لأنه المرشح الوحيد أو أنه الأفضل ولكن لأنه الممكن والمعقول لرئاسة اليمن في ظرفية صعبة وقاهرة كهذه.
قلنا نعم لمرشح وحيد وتوافقي وأنظارنا تتطلع إلى غد مشرق ومزدهر، ذهبنا إلى صندوق الاقتراع لوضع إشارة (صح) بجوار صورة عبد ربه وفي ذهننا محو صورة وحقبة الرئيس علي عبدالله صالح وطوي صفحة المشروعية الشعبية التي لطالما تشدق وماطل ورفض تسليم سلطته إلا من خلال صناديق الاقتراع.
أمس الثلاثاء طوية صورة اليمن المختزلة بشخص فخامة الرئيس القائد المعجزة الداهية البار الفارس المشير الرمز الموحد، واليوم شرعنا بكتابة أول كلمة في سفر اليمن القادم، فلم تكن الانتخابات طوياً لعهد قديم وفتح آخر، بل هذه الانتخابات تعد خطوة أولى في مضمار طويل يستوجبه المحو والتغيير والاستبدال.
قبلنا بالتسوية السياسية ورضينا بانتخاب المرشح الوحيد فما المطلوب من الرئيس الجديد ؟ المؤكد أن بلادنا على عتبات مرحلة جديدة وعلى الرئيس عبد ربه أن يكون عند مستوى المهمة التاريخية الموكلة له شعبياً وسياسياً ووطنياً وإقليمياً ودولياً، فلا مناص أمامه اليوم سوى تمثُّل الحاضر الجديد بكل ثوريته وتطلعه ومشكلاته وتحدياته المستقبلية، ففي المقام الأول عليه مغادرة يمن الزمن الماضي والشروع ببناء اليمن الجديد باعتباره المطلب الأول والملح.
ما يجب قوله للرئيس عبد ربه هو أن من أولى مهامه بناء الدولة في محافظات الشمال واستعادتها لمحافظات الجنوب، فالدولة اليمنية بسلطاتها وهيبتها وسيادتها ينبغي أن تسود على جميع اليمنيين وعلى كامل الجغرافيا،وهذه المسألة أعتقد أنها تصدرت كلمته المذاعة للشعب قبل يوم من الاقتراع وعليه فإنني هنا أشدد على ضرورة تجسيد ما التزم به ؛ فغياب الدولة أظنه سبباً لهذا التفكك والفوضى والضيم والعبث والتمزق المجتمعي والوجداني وغيرها من المشكلات والمثالب القاصمة للدولة اليمنية.
المسألة الأخرى هي أن الرئيس عبد ربه قبل أن يكون مرشحاً توافقياً هو مرشح الثورة الشبابية الشعبية التي لولاها لما تخلى صالح ونظامه العائلي والانتهازي، وعليه فإن إمساك العصا من وسطه ربما مثل له طريقة ناجعة للحيلولة دون التصادم مع تركة ثقيلة من القوة والعنجهية والاستئثار بكل مقومات وإمكانيات السلطة.
لكننا اليوم إزاء حاضر ثوري يستلزمه الكثير من الشجاعة والجرأة والفعل السياسي المنحاز لغالبية اليمنيين التواقين الآن لرؤية رئيسهم الجديد وهو يعبر بوطنهم إلى مرحلة جديدة عنوانها المواطنة المتساوية والنظام والقانون والشراكة المجتمعية في السلطة والقوة والثروة وووووإلخ من القضايا الوطنية.
الرئيس المنتخب يؤمل عليه طوي صفحة النظام العائلي والقبلي والعسكري المتخلف، سنتان لا أكثر وعليه أن يكون عند مستوى التحدي وإلا وجد ذاته في مواجهة اليمنيين الذين لا أعتقد أنهم سيقبلون ببقاء النظام السابق وبرموزه القتلة والفاسدين يديرون شؤون بلدهم بعد كل هذه الثورة وتضحياتها الجسام.
دستور جديد وإعادة هيكلة الجيش والأمن وفق أسس وعقيدة وطنية ليس هذا فحسب بل يمكن القول بان اليمن الجديد يستلزمه إعادة هيكلية شاملة بدءاً من تخلي الرئيس عن بزة المشير وعن حزبه المؤتمر مروراً بإزالة رواسب الماضي من ذهن المواطن ومن ذاكرته وحياته وليس نهاية بإعادة الثقة والتفاؤل إلى اليمنيين كافة جنوباً وشمالاً.
الرئيس عبد ربه يجب أن يخرج من عباءة الرئيس السابق ومن نظامه الفاسد لئلا يكرر خطأ المشير الطنطاوي ومجلسه العسكري، فالمشير وزملاؤه كانت الثورة الشعبية العارمة هي من جاءت بهم إلى قصر القبة كمنقذين للشعب المصري ولدولته التي شارفت على الانهيار والسقوط جراء مماطلة وعنت الرئيس المخلوع.
لكن وبمضي الوقت بات تهليل وتصفيق المصريين للعسكر لعنة وبلاءً عليهم، ما أطلبه من الرئيس عبد ربه هو أن لا يكرر مسك العصا من الوسط بل من طرفها، كي لا يجد نفسه في موضع المشير الطنطاوي الذي اختار البقاء في منطقة الوسط، فكانت النتيجة ثورة ثانية وثالثة وإلى أن ينتخب رئيساً لمصر في يونيو القادم.
محمد علي محسن
الرئيس وتحديات ما بعد انتخابه !! 2601