لا أعتقد أن عودة الرئيس السابق لقيادة المؤتمر تعد فكرة صائبة، فمثل هذه العودة وفي ظرفية حساسة كهذه ؛ لا تعني سوى الاستخفاف بثورة اليمنيين وإهانة لدمائهم وتضحياتهم ولانتخابهم وللرئيس الجديد الذي لطالما تم تقديمه وتسويقه لليمنيين خلال الفترة المنصرمة وكأنه مجرد ظل يستحيل تقويمه ما بقي العود – الرئيس – أعوج.
بعد جمعة الكرامة 18مارس كنت قد سمعت أحد المشايخ الموكل لهم المصالحة بين الرئيس وقائد الفرقة صارخاً: أين عيسير هذه بلاده وعيب على الوجوه والقبيلة ؟ حينها لم أتمالك نفسي فقلت : يرحل مثل الرؤساء أو أن الارياني والبيض والعطاس ليس لهم أرض أو قبيلة !
البعض هكذا منطقه وكأنما الرئيس ليس إلا مواطن عادي وفي حمى القبيلة، فمثل هذا المنطق القبلي ربما كان مقبولاً لو أن المسألة هنا تتعلق بقضية أو شريعة حول "جربة" في بني بهلول أو في تهامة،أما وأننا نتحدث عن رئيس جمهورية بما تعني هذه الوظيفة من مسؤولية وواجب وإخلال ومحاسبة فينبغي لنا ألا نزج القبيلة والمنطقة والطائفة والجاه والتهجير بالثيران وغيرها من العادات والأعراف القبلية التي لا يمكن أن تصير بديلاً للقانون والنظام والدولة والشعب عامة.
اليوم أجدني أسمع بعض الانتهازيين الذين لا أعلم ما إذا كان كلامهم عن عودة الرئيس حقيقة أم مناورة ؟ إذا ما عاد الرئيس فعلاً إلى اليمن وبعد انتخاب نائبه خلفاً له وبدعم شعبي ووطني ودولي ؛ فإن ثقة غالبية اليمنيين برئيسهم الجديد ستكون أول المتضررين.. هذه الثقة ستتعرض لهزة كبيرة وقبل أن يتسنى للرجل مباشرة مهمته ومسئوليته، فعودة كهذه لن تكون سوى فكرة مستفزة وجامحة وغير محمودة العاقبة، إنها لن تفلح بحفظ وبقاء النظام السابق أو أي من رموزه العابثة المنتهكة للحريات والحقوق والحياة.
البعض تسمعه قائلاً: اليمن ليست مصراً أو تونس أو ليبيا، بالطبع يقصد بهذا الكلام هو أن انتخاب الرئيس عبد ربه وتشكيل حكومة الوفاق تم بتسوية سياسية وبمكرمة من فخامته، يا لهذه الوقاحة والفجاجة ! أيدرك هؤلاء ماذا تعني عودة الرئيس صالح لقيادة المؤتمر وبعد انتخاب الرئيس منصور ؟ لا معنى لها غير أن الثورة في اليمن انتهت بمسرحية هزلية اسمها انتخاب مرشح لصالح لا لشعب ! ستثبت للقاصي والداني أن المشاركة خطأ فادح وبأن المقاطعة كانت صواباً.
نعم ستثبت أن مقاطعة الجنوبيين لم تكن رفضاً لعبد ربه مثلما ظن الكثير وإنما هذه المقاطعة -وإن اختلفنا حول وسيلتها وطريقتها الفجة والمغتصبة لحق الآخر في التعبير عن إرادته – هي في الأصل رفض لمسرحية هزلية لن تفضي في النهاية سوى إلى رؤية أراجوز بيد النظام ورموزه القبلية والعسكرية.
شخصياً أعتبر مثل هذا الخوف والقلق مجرد هواجس وتكهنات سابقة لأوانها، فالواقع أن الأحكام الجاهزة ربما هي نتاج ما رسب واستقر في الوعي والممارسة عن نائب الرئيس الذي ظل ساكناً وهادئاً وصامتاً طوال 18سنة، فلماذا لا ننتظر قليلاً كي نرى الرئيس عبد ربه ؟.
وبرغم أنها ليست إلا هواجس وتنبؤات ؛ فلا يجب التقليل من شأن وقوعها في قادم الأيام، فالمهم بعد انتخاب الرئيس هو أن هذه الثورة لا تتوقف عند محطة المرحلة الأولى المتمثلة بنهاية رأس النظام، بل ينبغي لها مواصلة المسيرة بحيث لا تسمح بإعادة إنتاج النظام العائلي العصبوي.
إن الحديث عن عودة الرئيس لا يعني شيئاً غير إصرار عجيب على بقاء واستمرار النظام، وصيرورة رموز النظام – وأقصد بأتباع ورموز النظام كل أولئك القتلة والعابثين والفاسدين – على هذا المنحى المخجل والمستفز يدعونا اليوم ؛ لأن نرفض ونقاوم كل ما من شأنه عودة الرئيس أو استمرار رموز نظامه الذين مازالوا يهللون ويطبلون ويتبجحون بعظمة ما تحقق في عهد صالح، فهؤلاء قد ينجحو في إقناع الرئيس السابق للعودة، لكنهم بتصرفهم الوقح والمستفز لن يفلحوا في نجاته أو بقاء رموز نظامه دون عقاب أو رادع.
محمد علي محسن
عودة مستفزة وهواجس مخيفة !! 2297