في الوقت الذي كنا ننتظر من الشيخ الراعي ونوابه الموالين للرئيس المخلوع الاعتذار للشعب اليمني إزاء موقفهما المشين والمخجل من الجرائم والفظائع المقترفة بحق اليمنيين؛ رأينا العكس إذ كان الراعي ومجلسه قد طالبوا رئيس حكومة الوفاق بالاعتذار، كونه لم يحضر مراسيم وداع للرئيس صالح الذي تم خلعه وبثورة شعبية عارمة وبتضحيات وقرابين ودم وخراب طال كل شيء في البلد .
نعم حكومة الوفاق تعد نتاج مبادرة سياسية وجهد بذله الأشقاء والأصدقاء، ونعم أن البرلمان غير الشرعي ومنتهي الصلاحية في ابريل 2009م مازال يمارس دوره وحضوره من وحي هذه المبادرة الخليجية والدولية، ونعم أن ثورة اليمنيين لم تحسم أمرها ثورياً، بل انتهت باتفاق وتوافق بين السلطة والمعارضة، ومع كل المساوئ والمآخذ على هذه الثورة، فإن لا أحد منا سينكر على هذه الثورة خلعها لعداد التمديد والتوريث نهائياً .
إذاعة نبأ وفي اليوم التالي لمراسيم وداع مستفز، أريد به إظهار الرئيس المخلوع وكأنه الرئيس الزاهد في الحكم، والذي تنازل لخلفه طوعاً ورغبة في المجد والتاريخ، شخصياً كنت أفضل ألا يشارك الرئيس عبدربه فمثل هذه الوداعية الهزلية كانت مستفزة لغالبية اليمنيين التواقين جداً لطي صفحة رأس النظام من حياتهم وذهنهم وإعلامهم .
ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، فالرئيس حضر وشارك بقايا النظام العائلي حفلهم البائس، فعلى ما يبدو أن الرئيس الجديد خضع لضغط الوسطاء والأصدقاء الذين استطاعوا في نهاية المطاف إقناعه بضرورة المشاركة في مشهد أخير يحفظ للرئيس السابق شيئاً من كرامته وكبريائه المهدرين منذ سنة ونيف .
فجميعنا نعرف أن تنصيب الرئيس تم في قاعة مجلس النواب يوم السبت وبحضور حكومة الوفاق ورئيسها، بل وبحضور قادة الأحزاب والسفراء وممثل الأمين العام للأمم المتحدة وكذا ممثل دول الخليج، وبرغم أن ما حدث في دار الرئاسة لم يكن سوى تظاهرة عبثية لا قيمة لها أو معنى للديمقراطية وللانتقال السلمي للسلطة أو لمبادرة الخليج وآليتها المزمنة؛ إلا أن هناك من لا يريد للرئيس المنتخب ولحكومة الوفاق المضي بسلام ووئام .
على هذا الأساس فأنه ما جرى في دار الرئاسة ليس سوى بدعة ابتدعها بقايا أركان صالح، فلا يمكن في هذه الحالة اعتبارها تقليداً ديمقراطياً ينبغي الاعتداد به كطريقة مثلى لتداول الرئاسة، فيما نحن ندرك طبيعة وحجم التضحيات المقدمة على قارعة هذا اللحظة المحتفى بها من دائرة النظام وكأنها صناعة الرئيس لا ثورة شعبية .
ما وقع في دار الرئاسة لم يكن سوى واحدة من تجليات النظام الفاسد المفترض أنه صار من الماضي، مشهد أخير لو أنه في بلد أخر غير اليمن ولرئيس غير علي عبدالله صالح لكان جديراً بالزهو والاحتفاء والمشاركة الشعبية والرسمية، لكننا للأسف في اليمن وإزاء رئيس مهووس بالسلطة ولحد الجنون .
إننا أمام حاكم مستبد قضى أكثر من ثلث قرن في السلطة ومع هذه المدة الطويلة رفض وتعنت مغادرة كرسيه، فبرغم الفظائع والانتهاكات والدم والقتل ظل متشبثاً في السلطة، تصوروا رئيساً خان النظام الجمهوري، ووأد الوحدة المجتمعية والسياسية، وفرط بسيادة اليمن وكرامة شعبه، وسرق ثروة بلاده ونهب خيراتها، وقتل أحلام ناسها وتطلعاتهم .!
الرئيس السابق تم إجباره وقسره على التنحي من السلطة، ففي النهاية الشعب هو من خلعه وهو من أتى بحكومة الوفاق وهو من انتخب الرئيس عبد ربه وهو من سيقلع كل من يقف بوجه عملية التغيير، ربما كان على هذه الثورة المضي إلى أبعد من خلع الرئيس، هكذا يبدو المشهد ناقصاً ومربكاً جراء استمرار القوى المعطلة المربكة لعملية الانتقال .
عقب أداء الرئيس الجديد لليمين كان الراعي قد أثنى على الرئيس السابق الذي ضحى بكل شيء في سبيل وطنه وشعبه، لم اندهش واستغرب وقتها فمثل هذا الكلام السخيف والمبتذل لطالما كان صنواناً لرجال صالح المخلصين، لكننا اليوم نتحدث برلمان يراد إعادته للمشهد السياسي كسلطة شرعية مازالت تلوح وتعاقب كل من يخرج عن ثوابت النظام العائلي والقبلي والعسكري .
أعتقد أن المسألة أخطر من مجرد مطالبة باسندوه بالاعتذار، إنها تتعلق بحاضر ومستقبل اليمن، فحين يبث تليفزيون الدولة مثل هذا الخبر الصاعق فبكل تأكيد الأمر يستدعي الخوف والقلق، إنه انقسام يعيد للذاكرة ما وقع بعيد تحقيق الوحدة، إنها ذات القوى الوائدة للوحدة والديمقراطية والدولة المؤسسية .
إنها نفس القوى المتوثبة للانقضاض على كل محاولة جادة يراد بها تجاوز وطي عهد النظام الفاسد ، أنها ذات الشخصيات المناهضة للثورة وأهدافها وقيمها وأفكارها الحداثية التي لا تستطيع التماهي معها نظراً لمواقفها المعلنة والمتصلبة لجانب الرئيس المخلوع ونتيجة لجرائمها وفسادها وأيضاً عدم قدرتها على التعايش والاندماج مع الواقع الجديد الذي فرضته ثورة اليمنيين وتضحياتهم الجسام .
محمد علي محسن
من يعتذر لمن يا نواب الغفلة؟ 2354