هل قدر لأحدكم مشاهدة المسرحية الكوميدية الشهيرة (العيال كبرت)؟.. هكذا يبدو المشهد السياسي العربي في الوقت الراهن من حيث تجلياته وأحداثه وسيناريوهاته المتطابقة إلى حد ما مع وقائع المسرحية الهزلية بفكرها وغايتها ومشاهدها وأبطالها.
وإذا ما قلنا إن الاختلاف فقط حول القيمة الفنية والإبداعية للمسرحية الهادفة في الأصل إلى إضفاء روح من السعادة والضحك في النفوس، إلى جانب معالجة قضية اجتماعية، وهذا بحد ذاته قيمة جمالية يتفرد بها أبو الفنون (المسرح)؛ فإن المسرحية السياسية التي نعيش فصولها مختلفة ومتقاطعة كلياً من حيث تراجيديتها أو عدد أبطالها أو مشاهدها الطويلة أو الجمهور الذي يتميز هنا أنه كله على خشبة المسرح يؤدي دوره ووظيفته، انطلاقاً من الحكمة الشهيرة (الحياة مسرح كبير ونحن ممثلون كل يؤدي دوره).
المضحك أن رب الأسرة في المسرحية الكوميدية ظل كما هو دون محاولة للتغيير في فلسفته وسلوكياته اليومية نحو أولاده، الذين بقوا في نظره وتعامله المغالى فيه أطفالاً صغاراً لا تنفع معهم غير وسيلة تربوية تقليدية واحدة وهي العصا أو الشخيط والنخيط، التي مع مضي السنين وتقدم العمر باتت لا تجدي في شيء خاصة مع كبر الأبناء وبلوغهم سن الفتوة والرجولة، بينما بقي أبوهم على الموال نفسه أجلس يا ولد ...إلخ.
فلم يكتشف حقيقة أن أولاده كبروا وتجاوزوا مرحلة الطفولة سوى بعد إعلان حالة من الفوضى والاضطراب داخل المنزل، ومن ثم العصيان لأوامره أشبه بانقلاب سري، إذ تمكن الأولاد من فرض سلطتهم ونفوذهم على رب الأسرة.
فالأب وجد نفسه بلا سلطة تذكر تجاه سلوكيات وتصرفات مزعجة ودخيلة تفرض وجودها أمام ناظريه، بعد أن ظلت لسنوات تنمو وتترعرع تحت سقف من الكبت والهيمنة البابوية المطلقة، دونما محاولة لفتح نافذة مغلقة على المحيط الخارجي للبيت رغبة بمجاراة الرغبة الجامحة للحرية والانفتاح المعتملة على الواقع المعيش.
بل والأدهى من ذلك أن الأولاد ضبطوا الأب متلبساً بجرم الشيزوفرينيا (الانفصام) السلوكي ما بين رجل القيم والفضيلة في البيت والمنحرف في كل شيء خارج عتبات ونوافذ منزله المغلقة، وهو ما استوجب رضوخه للأمر الواقع، لكن بعد أن أصبح أضحوكة ومسخرة.
أما المبكي جداً أن أرباب السياسة في أوطاننا العربية كافة لا يختلفون في ممارسة البابوية على شعوبهم القاصرة برأيهم وغير الجديرة بحمل راية القيادة، حتى بعد أن كبرت وقوي عودها ووعيها وتجاوزت مرحلة العصا والتلقين والوصايا لمرحلة أكثر وعياً ونضجاً ومعرفة بأدق تفاصيل الحياة.
إذ لا يريد أرباب هذه المجتمعات الاعتراف بحقيقة أن الفرد العادي اليوم بمقدوره ولديه المؤهلات المعرفية والثقافية ومن العلاقات والوسائل التقنية والإعلامية الكفيلة بتمييز الصالح عن الطالح وبتحمل المسؤوليات المختلفة، كما أنه بات يدرك ويستوعب المتغيرات كافة أفضل بكثير من نظمه السياسية الحاكمة الشائخة والكهلة التي بلغت من الكبر عتياً، دونما إدراك لأهمية إفساح المجال أمام أجيال كبرت وشبت عن الطوق .
4/4/2005م صحيفة الأيام
محمد علي محسن
الشعوب كبرت!! 2414