بلغ يوم الأربعاء 2012/2/22 عدد الشهداء السوريين في "بابا عمرو"ستة وثمانين شهيداً بينهم صحفيون.. إحدى الأطفال السوريين تقول وهي في حالة يرثا لها في أحد المستشفيات غير المجهزة " إحنا صامدين يا بابا عمرو احنا معكم".. و"ماري كولفن" الصحفية الأميركية التي لقت حتفها في حي "بابا عمرو بحمص" وصفت الوضع الدامي هناك قبل يوم واحد فقط من استشهادها بقولها " القناصة ينتشرون في كل مكان والقصف بلا رحمة ....كيف للعالم أن يقف متفرجاً" وبشار الأسد يتحدث عن دستور جديد واستفتاء عليه يوم2012/2/26 مع هوس الحفاظ على "الدولة العلوية " في سوريا.
من المعروف أن "ماري كولفن" الصحفية الأميركية ومن معها من الصحفيين والمصور الفرنسي الذي لقي حتفه معها جميعهم على دراية وعلم كبير بالأوضاع الخطيرة التي يعملون بها ويعرفون كيف يتعاملون معها ويتحركون في ظلها ولابد من التوضيح أن منع الصحفيين من الدخول واستهداف الصحافة بهذا الأسلوب الفاضح الممتد لعدد كبير من الصحفيين بين شهيد وجريح وعدم اقتصار ذلك على الصحفيين، بل كل من قام بأعمالهم ووثق للأحداث حتى ولو كان من السكان العاديين أن كل هذه الأمور تشكل قرينة على ارتكاب بشار ونظامه لحرب إباة في "بابا عمرو".
ومن الضروري هنا أن ننبه بشار الأسد بأن بناء دولة على أسس دينية وفق تيار واحد من التيارات الإسلامية هو أمر غير مقبول في إطار الشريعة الإسلامية من ناحية، كما أنه صار مستبعداً تماماً في ظل النظام العالمي المعاصر.
أن العالم اليوم ينشد مجتمعات مدنية في إطار دولة تحكمها نظم سياسية تحترم مبدأ" سيادة القانون" وتحترم حقوق وحريات الإنسان الأساسية وتحافظ على كرامته الإنسانية.
ليس هناك اختلاف كبير بين وضع اليمن ووضع سوريا، فكلا الدولتين متشابهتين من حيث النظام السياسي الحاكم والوسائل المستخدمة في مواجهة الأحداث فالدولتان أكثر دول الربيع العربي تشابهاً من حيث عدم وجود مؤسسة عسكرية مبنية على أسس وطنيه تحمي التراب الوطني وتقوم بمسؤولياتها الوطنية في مثل هذه الظروف فائقة الصعوبة، كما أن كلا الدولتين تحقق فيهما حالة الانشقاق في الجيش بين قوات النظام وقوات الجيش الحر ولولا التدخل الخارجي المتمثل بالمبادرة الخارجية وجهود الأمم المتحدة لتحققت في صنعاء حالة صراع بين القوتين دمرت الأخضر واليابس.
من ناحية أخرى فإن السلطة والمعارضة في كلتا الدولتين يقعان تحت التأثير الخارجي، فإذا كان النظام السوري حليفاً لكل من روسيا والصين فإن قطر وأعضاء مؤتمر أصدقاء سوريا يدعمون المعارضة السورية وهو أمر لا يختلف كثيراً عن الوضع السياسي في اليمن أثناء أحداث العام الماضي.
والسؤال الذي يثور هنا: هل اليمن أكثر حظاً من سوريا في التوصل إلى حل تباركه القوى الإقليمية والدولية أم أن الدولتين متشابهتان في الظروف السياسية الداخلية والدولية؟ وفي حال كانت الإجابة بأن الدولتين متشابهتان في الظروف، فما هي العوائق التي شكلت حجراً عثرة أمام التوصل لحل تباركه القوى الدولية وعبر منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن؟
ليس هناك أي اختلاف بين وضع اليمن ووضع سوريا حتى بالنسبة للموقع الجغرافي للدولتين فكلا الدولتين تقعان في موقع جغرافي استراتيجي، فمن المعروف أن سوريا كانت تمثل إحدى دول الطوق، إلا أن الحائل دون التوصل لحل دولي سريع في سوريا يتمثل من وجهة نظرنا في تعطيل " الحماية الدولية" لسوريا لأسباب ترجع إلى تصادم المصالح بين سوريا والصين وإيران من ناحية وأمريكا وإسرائيل وتركيا من ناحية أخرى.
المحللون الروس يحاولون تحليل الأحداث بقولهم " ليس باستطاعة أمريكا تحدي المجتمع الدولي ، المجتمع الدولي لا يقتصر على الحلف الأطلسي بل روسيا والصين والهند أيضاً، كما يعبرون عن تفاؤلهم الشديد بالتحرك الروسي في إطار القرارات الدولية ويعدون ذلك نوعاً من التطور والتغيير في السياسة الدولية الروسية في اتجاه خلق وضع دولي جديد يعيد التوازن الدولي السابق في عهد الاتحاد السوفيتي.
ولكن هل هذا المجتمع الدولي الذي لا تستطيع أمريكا الوقوف في مواجهته - هو مجتمع يحترم حقوق الإنسان وكرامته الإنسانية ويمنع إبادة شعبا بأكمله أم أن جزءاً من هذا العالم يبني موقفه السياسي ويشارك في صياغة قرارات قانونية دولية على قدر كبير من الأهمية استناداً إلى مصالحه في المنطقة العربي؟.
لقد أصبحت المصالح تتحكم بالأساس الذي يُعتمد عليه في إصدار قرارات الأمم المتحدة، ليس إلى هذه الدرجة فحسب، بل إن الأمر يصل إلى الوقوف حجر عثرة أمام بناء ممرات إنسانية لتقديم مساعدات للمتضررين من الأحداث هناك .
ويذهب " مدفيديف" في تبرير الموقف الروسي باستخدام " حق الفيتو" في مجلس الأمن والوقوف أمام إصدار قرار دولي يساهم في أي حل للأحداث الدامية في سوريا بقوله" استخدام حق الفيتو" هدفه منع التدخل الخارجي في سوريا.
وفي تقديري إن الحماية الدولية أصبحت مطلوبة في سوريا لعجز النظام السوري في تحقيق حكم عادل ورشيد ولاخلاله بأهم المبادئ القانونية العليا وارتكابه لجرائم ضد الإنسانية تصل إلى درجة إبادة جماعية لمدن بأكملها.
وإن كانت الأحداث في سوريا على وجه الخصوص قد ساعدت في تطوير أداء الجامعة العربية، حيث برز ذلك بشكل واضح من خلال فرض عقوبات على النظام السوري على سبيل المثال وإرسال لجنة للمراقبة إلى قلب الحدث، كما أنها دعمت سبل التعاون بين المنظمات الإقليمية والعالمية في حل النزاعات ومع ذلك فإن الجامعة العربية تظل عاجزة عن تحقيق حل نهائي وحاسم دون وجود دعم المنظمات الدولية.
وفي ضوء ما سبق فإننا نؤكد على أن " احترام سيادة الدولة وعدم التدخل في شؤونها الداخلية" مبدأ قانوني يعود إلى الزمن القديم قبل ظهور عصر العولمة وبالتالي فإن تطبيق هذا المبدأ في إطار الواقع الدولي الحالي لابد وأن يكون بمفهوم حديث ومختلف عن السابق.
كما أن تطبيق هذا المبدأ يفترض احترام النظام السياسي الحاكم لهذه الدولة لمبدأ قانوني آخر له أهمية قانونية وإنسانية تعلو على أهمية مبدأ " احترام سيادة الدولة" هو مبدأ " احترام هذه الدولة لسيادة القانون" واحترامها لإرادة شعوبها وهو أمر مفروغ منه لا يلقي له المختصون بالاً في ظل الافتراض الذي أصبح أحد مسلمات الحكم الرشيد وهو استناد الحاكم في مشروعية حكمه على مبدأ يمثل إحدى الأسس الهامة والبارزة في الفقه الدستوري هو مبدأ " الإرادة الشعبية" وهو ما تتشدق به الكثير من الأنظمة السياسية العربية مع النص عليه في بعض دساتير هذه الدول دون وجود أي تطبيق فعلي على أرض الواقع، كما أن " مبدأ احترام سيادة الدولة وعدم التدخل في شؤونها الداخلية يجب ألا يؤدي إلى إبادة شعب".
ختاماً نقول: إذا كان الروس يعلنون اليوم عودة سطوتهم وإعادة التشكيلة القديمة لبناء المجتمع الدولي، فالأمر اليوم مختلف كلياً عن الأمس، لسنا بحاجة اليوم لإعادة الوضع الدولي القديم القائم على التوازن بين قطبين بقدر حاجتنا لنظام قانوني دولي يحمي حقوق الإنسان ويحترم كرامته الإنسانية ويمنع الإبادة الجماعية لمجموعات إنسانية مهما كان مكانها أو جنسها أو ديانتها.
أستاذ القانون العام المساعد بكلية الحقوق - جامعة تعز.
د. ضياء العبسي
مالنا غيرك يا الله 2219