البحث عن الرئاسة باتت مهنة علي عبد الله صالح، فهو إذ يسلمها مكرهاً ويغادر داراً طالما تبختر فيها وتعايش مع ملك ومملكة زمناً غير قصير، في ذات الوقت يجيء إلى الشعبي العام رئيساً، كأن الرئاسة هي مربط الفرس ورغبة السيطرة إدمان لا يكف عنه، ونصف حاكم ولا مواطن، وربما يخيل له أن النصف الآخر يكتمل بكونه قادراً على ضبط رئاسة الجمهورية، باعتبار عبد ربه منصور نائب رئيس الشعبي العام وبالجملة أو بالتفريق فهو سيبقى موجهاً من رئيس تنظيمه، هذا على الأقل ما يفكر فيه ويعيشه هاجساً ضرورياً علي عبد الله صالح، البقاء في الرئاسة من خلال الشعبي العام، وحينها يؤول كل الأمر إليه نصف حكومة ورئيس جمهورية يتبع التنظيم، باعتباره رئيس وطن ونائب رئيس في الشعبي العام، ومثل هذا التخيل الجميل إذا ما تعثر فإنه يحدث صدمة قوية ربما لا يقدر على التعايش معها الشعبي العام ما لم يدرك رئيسه أن المتغير أكبر من طموحاته بكثير، وأن رئيس الجمهورية الحالي عبد ربه منصور ملزم لوطن ولثورة ولحياة تفرض عليه الخروج من نمطية الموقف ومسألة البقاء في سلبية السياسي الإنتفاعي الذي كرسه النظام السابق، ظناً منه أن ذلك يبقي خيوط اللعبة بيديه حتى وإن خرج من دار الرئاسة.
وفي تقديرنا إن رئيسنا التوافقي لا يمكنه أن يصغي لرغبات ذاتية تتمثل في ثلة القيادة المؤتمرية التي لم تكن تشتغل تنظيمياً إلا بتوجيهات فوقية، وظلت معطلة تماماً لتبقى مجرد مجاميع تعبر عن رغبات الرجل الأول في التنظيم ومن معه لتعطل قدرات مؤتمرية حقيقية، ويبرز الانتهازي بطريقة فجة عبر شخوص مازالت على نفس التوجه، ولا يمكن والحال كذلك أن يكون رئيس وطن بأسره قابلاً بأي حال من الأحوال إملاءات ثبت فشلها، سيما وهو أمام تحديات كبيرة وموروث مؤلم من التخلف يفرض عليه توجهات مسؤولة، بأولويات الأمن والاستقرار والوضع الاقتصادي المتدني والخروج بالوطن من واقع المعاناة إلى فسحة الأمل وتمثل المصلحة الوطنية في أرقى مستوياتها عبر حوار وطني شامل يعيد صياغة الواقع ولملمة المبعثر وفتح زمن جديد يلتقي فيه الكل بما يصلون إليه من استنتاجات يفضي إليها الحوار الوطني.. هكذا يجد رئيس الجمهورية نفسه مشتغلاً بهم أكبر بكثير مما يدور بخلد قيادات الشعبي العام، فالمهمة هنا لا تقبل التأجيل ولا البقاء أسير تنظيم أدواته بالية يعيقه أكثر مما يعينه، ولعل هذا الوعي العميق لرئيس جمهوريتنا الذي نعول عليه تجاوز التحديات ووضع الوطن في الطريق الصحيح، قد يدركه ساسة في الشعبي العام ويريدونه أيضاً، وهناك شخصيات سياسية محنكة ولها مكانتها في التنظيم، أشير هنا إلى الدكتور (عبد الكريم الإرياني) بما يعبر عنه من حضور واعٍ لا ينبني على طموحات ذاتية ورغبة سيطرة وامتلاك، قدر قناعته بأن الوطن على عتبات متغير مهم وقوي ولابد من استنهاض الهمم وتجاوز السابق وفق الوعي بالممكن والتعامل معه برؤية سياسية عميقة تقوم على مراجعة شاملة للسابق بشفافية تفضي إلى إعادة بناء للشعبي العام، بحيث يقدر على أن يكون قوة رائدة في العملية الديمقراطية الغير متكلسة.
وفي تقديري إن التحولات التي تشهدها بلادنا تدعو (الإرياني) كسياسي ناضج يفقه العملية التغييرية إلى أن يقدم خلاصة تجربته السياسية بتفعيل القدرات المؤتمرية وإقامة حوار ديمقراطي حقيقي ينطلق من صميم البنية التنظيمية وليس من قيادات ثبت تعطيلها للشعبي العام ومازالت تتمسك بمصالحها فيه من خلال التفافها على علي عبد الله صالح كرئيس للمؤتمر.. وفي كل لأحوال، فإن مقتضيات المرحلة لابد أن تتجاوز عتبات الماضي بنافذة المستقبل وذلك بإطلاق الطاقات المؤتمرية لتبني تطلعات جديدة تفترق عن السابق، حين كان الشعبي العام يستمد قوته من رئيس الجمهورية بما يضخه من إمكانيات مادية خيالية ليبقى تنظيماً شكلياً يحقق مقاصد ذاتية في الديمقراطية.
ولاشك أن رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي وهو يؤمن بالديمقراطية كمكسب وطني يهدف إلى عملية بناء تنموي شامل، لن يقبل بأي معنى من المعاني أن يظل هذا التنظيم ديكورياً أو يستمد وجوده من ثقله كرئيس للجمهورية، ولا يمكن أن يظل رئيس وطن هنا ونائب رئيس في الشعبي العام.. وعلى كل فإن تجليات المشهد السياسي القادم مؤتمرياً تدعو رئيس الشعبي العام الحالي إلى تقديم استقالته بعد مناقشة مستفيضة يشارك فيها القيادات والقواعد بصدر رحب، يستهدف تحريك الدولاب المؤتمري بانزياح السابق لصالح القوى الجديدة، ولأنه لا يتوافق بالمطلق أن يبقى عبدربه منصور نائباً لرئيس الشعبي العام الذي فقد شعبيته التي هتفت له سابقاً وهتفت عليه حاضراً بإطلاق شعارها (الشعب يريد إسقاط النظام)وقد شارك في هذا الهتاف والنضال جماهير غفيرة من الشعبي العام والتي تطالب اليوم بتغيير في بنية التنظيم وتعمل من أجل ذلك حتى لا يحدث شرخاً في التنظيم ذاته بين مؤيد وهم قلة للقيادة الحالية ومعارضين كثر يرون ضرورة في أن يقدم علي عبد الله صالح استقالته، ليبرهن فعلاً أنه لا يتشبث بالسلطة وأنه قاد عملية تغيير خالية من الانشقاقات في صفوف المؤتمر.. ويبدو أن هذه الورقة التي عليه أن يجيد طرحها هي الفرصة السانحة لتقديم رسالة حقيقية بأنه لا يتشبث بالسلطة، وأن ثمة دوراً لابد أن يتاح لآخرين كشهادة اعتراف منه بالتغيير، لاسيما وأن رئيس الجمهورية الحالي لم يعد قابلاً لأن يجد المؤتمر نفسه من خلاله، فهذا تعطيل حقيقي، أوصل في السابق الوطن إلى المطالبة القوية بالتغيير.
ولابد والحال كذلك أن يستوعب رئيس الشعبي العام هذا المتغير حتى لا يجد نفسه أمام مطالبات برحيله سياسياً من ذات التنظيم، على الأقل هذا ما يسير فيه كل قادة العالم حين يخفقون في القيادة وفي أبسط الأمور، فلم نجد رئيساً لدولة صعد إلى سدة الحكم أقيل من رئاسته أو تنازل وقد أخفق ولو جزئياً في تحقيق برنامج حزبه على مستوى قيادته لبلده وذهب بعد إخفاقه إلى زعامة الحزب الذي جاء منه، إن هذا يعد مساساً خطيراً بقيم الحزب وتعبيراً عن فقدانه المصداقية، هذا المتعارف عليه عالمياً، ولن يكون علي عبد الله صالح بمعزل عن هذا أو استثناء،وثمة قوى سياسية مجربة ومحنكة ومعترف بها وقادرة على التغيير يمتلكها الشعبي العام على حد علمي وباعتباري مؤتمرياً منذ التأسيس وخبرت مسارات هذا التنظيم وما لديه من قدرات تم تعطيلها وكانت قادرة على إحداث تحولات عظيمة لو بقيت.
وفي كل الأحوال الشعبي العام اليوم عليه أن يستقوي بكوادره بالتجديد من داخله باعتماده على ذاته، وأن يزيح من حساباته الاعتماد على الرئيس التوافقي الذي يؤمن بوطن لابد أن ينهض ولديه من القضايا ما تجعله في مصاف الاشتغال على التاريخ الوطني بما يمثله من زعامة لكل أبناء اليمن بلا أثرة وسلطوية تنطلق من السابق، حين كان الشعبي العام مجرد ديكور سياسي ليس إلا.
وفي تقديري إن شخصية عميقة الفهم والمراس السياسي والتجربة في التعاطي مع الآخر ومستوعبة للديمقراطية بمفهومها التعددي والتداول السلمي للسلطة وحرية الرأي كما الدكتور (الإرياني)، تبقى على الأقل في الراهن هي الأقدر على إنجاز طموحات وطن بشراكة مؤتمرية مع كافة القوى السياسية والحزبية وعليها يعول الكثير من المثقفين المنتمين إلى الشعبي العام و،والمسألة لا تحتاج أكثر من تمكين هذه الشخصيات من تحريك دفة العمل التنظيمي دونما عراقيل تضع أمامها، وهو الأمر الذي ينظر إليه المؤتمريون بعيداً عن العاطفة والتفكير الانفعالي والبحث عن مفقود في ظل الموجود.. أتحدث هنا من واقع معاناة حقيقية تطال المؤتمر الذي عليه أن يسخر كل قواه في الاتجاه الوطني الصحيح، بعيداً عن مكايدات سياسية ومناكفات كانت سلوكاً ذات زمن ولم تعد ممكنة اليوم، فالشعبي العام مطالب برؤية ترسم معالم الغد وتنطلق إلى آفاق رحبة وتعمل على ترجمة الأيديولوجي إلى ممكنات عمل سياسي وشراكة وطنية وإسهام فاعل في عملية التغيير لرسم يمن جديد خالٍ من العناد والمكابرة، يؤمن فيه الكل بالتنوع والتغيير والتجدد وبالحوار المسترشد بأهداف ومبادئ الثورة اليمنية ويعمل على تحقيق الوحدة في إطار التنوع والتنوع في إطار الوحدة، فالقادم لا يقبل الشخصنة ولا الاستحواذ والإقصاء، القادم لابد أن يكون الجميع فيه طاقات عمل أساسها إتاحة فرص التكافؤ، هذا يعني أن يكون لدى الشعبي العام توجهاً جديداً وقيادات مؤتمرية فاهمة ومجربة وواعية ومسؤولة وقادرة على خلق حوار نقدي صريح يفتح أفقاً للإسهام دونما احتكار السلطة وجعل جماهير الشعبي العام مجرد حشود لاتسمن ولا تغني من جوع .
mallawzy@hotmail.com
محمد اللوزي
للمؤتمر الشعبي العام.. نقول 1767