الرئيس السابق لم يكتف بكونه لم يقم دولة خلال أكثر من ثلث قرن؛ بل مازال ينافح وبكل ما لديه من قوة ومال ونفوذ لأجل وأد وإعاقة مسيرة خلفه الرئيس الجديد عبدربه وحكومته التوافقية، أكبر خطأ ارتكبته الثورة اليمنية هو أنها خلعت الرئيس صالح وفق شروطه وتنازله، لا بناءً على منطق ثورتها ومسارها وأهدافها.
السؤال الآن: هو كيف عاد الرئيس؟ ولماذا لم يبق في منفاه إلى أن تستتب الأوضاع وتنطلق سفينة الدولة الجديدة؟.. الإجابة وبكل بساطة: لتخريب وتعطيل أية فكرة أو جهد من شأنه قيادة هذه البلاد إلى بر الأمان.
فالرجل الذي قضى نصف عمره يشيد ويبني سلطانه وملكه، ودون أن يكلف نفسه عناء البناء للدولة اليمنية الحديثة؛ كيف سيكون مساهماً وداعماً اليوم لإنجاز هذه الدولة الجمهورية؟.. وكيف سيقبل بهيكلة الجيش وبإعادة صياغة عقيدته الوطنية على أساس الولاء لله والوطن والنظام الجمهوري؟.
ذات جمعة وبعد مهرجان نظم لمبايعة الرئيس صالح كنت قد سألت صديقاً مواظباً على جُمَع السبعين: كل هذه الحماسة نصرة لرئيس لم يكن يوماً رئيساً لكل اليمنيين؛ فكيف إذا ما كان زعيماً جمهورياً ووحدوياً وديمقراطياً وعصرياً؟.. أجاب قائلاً: قل خوفاً من انتقام وأحقاد مطاوعة الإصلاح إذا ما وصلوا للسلطة ورهبة من طمع وخراب القبائل المحيطة بصنعاء والمتربصة بسقوط الرئيس، فتنقض على كل مقدرات ومكاسب الدولة.
المهم خلصت إلى أن صديقي المرابط في العاصمة منذ انطلاقة الثورة الشعبية ليس حباً ورغبة في صيرورة الرئيس ونظامه العائلي، وإنما خوفاً ووجلاً على النظام الجمهوري وعلى مقدراته ومكاسبه التي ستؤول إلى القوى الظلامية والهمجية، لم يقل أبداً إنه يخاف رحيل الرئيس فتذهب وظيفته أو مركزه الحزبي، لو أنه قالها لكان أكثر موضوعية وواقعية، فليس عيباً أن يدافع الإنسان عن مصلحته إنما المعيب والمخجل هو أن تكون المنافع الشخصية على حساب كرامة وحرية ومصلحة الآخرين وعلى حساب تزوير الحقائق وعبادة السلطان.
وإذا كان الكثير من المنافقين والمطبلين مثل حال صاحبي الذي بات مناصراً للرئيس الجديد ولهيكلة الجيش وللدولة الحديثة ولحكومة الوفاق التي لم تقدر على إطلاق سراح كافة المعتقلين في الأمن القومي والحرس الجمهوري والأمن المركزي وفي غيرها من الأماكن؛ فلماذا عاد الرئيس؟ وكيف صرنا نتحدث عن يمن جديد ورئيس جديد فيما الواقع يؤكد أن اليمن القديم والرئيس السابق يراد لهما البقاء والهيمنة؟.
أعجب كيف أن غالبية الثائرين كانوا قد رفضوا الحصانة الممنوحة للرئيس؟، فحينها اعتبروها تفريطاً وخيانة لدماء الشهداء والجرحى، كما أن مطالبتهم بمحاكمة الرئيس وأقربائه وأتباعه القتلة والعابثين لم تتوقف لحظة، فحتى بعد انتخاب الرئيس الجديد ظلت التظاهرات منددة بالحصانة المنتهكة لكل القوانين والمواثيق السماوية والإنسانية.
ومع هذا وذاك شاهدنا الرئيس المخلوع وقد رجع للبلاد ليس لكتابة مذكراته أو للاعتذار لشعبه عما اقترفه بحقه من جرائم قتل ونهب وفساد وتمزيق لنسيجه ووحدته ومن خيانة للنظام الجمهوري ولمبادئ الثورتين وأهدافها، ولكنه عاد ليكون رئيساً للرئيس المنتخب ولغماً كبيراً ناسفاً لكل محاولة يراد بها إصلاح سفينة الدولة المعطلة وإخراجها من حالة الغرق المحدقة.
إنه جنون العظمة، إنه ذات العضال الذي أودى بالقذافي ومبارك إلى تلكم النهاية المهينة وستؤدي بصالح وبشار آجلاً أم عاجلاً!.. نعم الرئيس السابق كان محظوظاً أكثر من أي رئيس عربي، فكما معروف هو أن الحاكم العربي لا يغادر كرسيه سوى إلى ثلاثة مواضع، هي المنفى أو السجن أو القبر، ولكن حتى المنفى الاختياري رفضه رغم كونه ملاذاً آمناً وفيه من المزايا والإمكانيات المادية والنقدية ما تجعله يعيش وأهله حياة الملوك والسلاطين والأغنياء المترفين.
ومع كل هذه الأشياء الرجل أبى إلا أن يعود لوطنه ضارباً عرض الحائط بالثورة الشعبية وبتضحياتها ومطالبها، نعم إنه الغرور والتكبر والغطرسة، بل قولوا الجنون القاتل المهلك، تصوروا الرئيس السابق عائداً من منفاه لرئاسة المؤتمر!.. يا لهذه الحماقة والسخافة؛ فلا أعلم أن رئيساً مفوضاً شعبياً ووطنياً ودولياً كعبدربه سيظل أميناً عاماً لتنظيم يرأسه رئيس مخلوع!.
ربما أعتقد الرئيس صالح بأنه سيبقى رئيساً على رئيس الدولة ولو من خلال المؤتمر!، ربما أيضاً ظن بأن خير وسيلة للدفاع عن نظامه وأقاربه وأتباعه هي الهجوم بدلاً من الاستماتة في الدفاع!.. نعم إنني أتوقع حدوث الكثير من المشكلات ما بقي الرئيس يمتلك القوة والنفوذ والمال، فهيكلة الجيش لن تمضي بسلاسة وسلام، وإذا كنا قد رأينا القاعدة وهجماتها بهذه الشراهة والعنفوان وفي يوم أداء الرئيس الجديد لليمين وحين استبدال قائد المنطقة الجنوبية؛ فعلينا توقع ما هو أكبر وأفدح في قادم الأيام ما بقي رأس النظام السابق حراً طليقاً دون محاكمة أو عقاب.
محمد علي محسن
الرئيس المخلوع رئيساً لعبدربه!! 2381