في عدد الجمعة الماضية بينما كنت في الاستعداد التام للاطلاع على ما تحويه صحيفة "أخبار اليوم" الموقرة من أخبار ومنوعات جديدة فبدأت أغوص في أعماقها وبين ثنايا صفحاتها الزاهية, متنقلاً بين دهاليز السياسية, بحزنها وألمها وفرحها وسرورها, وبعد ما أحسست بالتشبع والتعب اقتربت لأستريح في حديقة "أخبار اليوم" الرائعة واشتم رائحة عطرها الفواح ونسيمها العابق وزهورها الجميلة ووروده المتنوعة, واغوص في بحرها الصافي لالتقط الدرر البهية واللؤلؤ والمرجان والأصداف الرائعة، تلك صفحة الاستراحة هي العالم بأسره تحس وأنت تقرأها أنك تتجول في بستان جميل وفضاء رحب ليس له حدود، فتارة اقطف زهرة من شجرة الحكمة وتارة أخرى ألتقط زهرة من شجرة الأمل وزهور لا تحصى وبألوان مختلفة, ولكن ما لفت نظري واصل عنوان المقال هو مربع الكلمات المتقاطعة, والتي لها فوائد جمة لذهن القارئ, فهي تقوي الذهن وتنمي العقل وتوسع الخيال وتكسب الثقافة ,ذلك اليوم وجدت الكلمات العمودية والأفقية موجودة ثم نظرت إلى مربعات الكلمات المتقاطعة فلم أجدها ووجدت شيء أفضل منها بكثير, لقد وضعت مكان المربعات صورة للقرآن الكريم ,جمعت قواي واسترجعت أحاسيسي ووجهتها نحو هذه البقعة العطرة, إن كانت وضعت الصورة بالخطأ أو غير ذلك فكلاهما محمود، هذا لا يهمنا والذي يهمنا ماذا استفدنا من هذه الصورة صوبت نظري إلى الصورة بصمت وتركيز, فخالجني شعور رهيب وإحساس لا يوصف ,ازدادت ضربات قلبي وانفجرت سواقي العرق من كل جسمي, ليس لشيء غريب ولكن لشيء هجرناه وابتعدنا عنه, إنه القرآن الكريم تلك الصورة ترسل رسالات شتى لكل مسلم,لقد غصنا في متاهات الحياة وبحارها المضطربة وأمواجها المتلاطمة دون أن نذكر أن لدينا منهج حياة ودستور رباني ينظم حياتنا كلها، بعيداً عن القوانين الوضعية المختلفة والمتخلفة,وما زاد انتباهي أن الصورة وضعت في مكان الكلمات المتقاطعة وليس في مكان آخر ,فالكلمات المتقاطعة تحتاج إلى التركيز والتفكير في الكلمات ومعانيها وتحريك العقل لفهم العبارات, إذاً اكتشفت لنا حقيقة واضحة تقول :أما آن لكم أن تعودوا للقرآن وتتفكروا في كلماته وعباراته وآياته وسوره؟، لماذا وصلت حالة العرب والمسلمين إلى حالة الضعف والهوان وتكالب الأعداء عليها إلا لهجرها القرآن (إلا من رحم ربي)وعدم العمل بما جاء به؟، فالقرآن الكريم فيه جميع القوانين والتشريعات الربانية التي ستخلق حياة كريمة وسعيدة لبنيا البشر ,فكم قرأنا من آيات وكم حفظنا من سور وكم مرات ختمنا القرآن؟ هل نعمل بما جاء به القرآن ؟نعمل ما أمر به وننتهي عما نهانا عنه؟ لا بد أن نراجع حساباتنا اليوم حيث العمل وبلا حساب لننجح يوم الحساب وبلا عمل,لقد شغلتنا وألهتنا الحياة عن كتاب الله وضللنا طريق الصلاح ومصباح الهداية, اليهود والنصارى يقرأون القرآن ويبحثون فيه ليكتشفوا الحقائق العلمية والمعرفية وأسرار القرآن التي لا تنتهي,نعم لقد أصبحوا يقرأون القرآن وليسوا مسلمين فكيف بنا نحن وقد أنزل على نبينا عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم وبلغتنا العربية , أمر عجيب ,تحتاج حياتنا لتجديد وتعميق تعاليم القرآن الكريم وهديه الذي سيضيء لنل الدروب إلى النجاح في الدارين,لقد ضاقت هذه الأيام المستشفيات والعيادات والصيدليات وبيوت المشعوذين بزوارها دون فائدة تذكر ونسوا أن هناك دواءً إليهاً مجاني ومضموناً, هو دواء لجميع الإمراض والعلل ,والهموم والغموم والضيق والضجر والكدر والفقر وكل آلا م الحياة,لقد أعجبني ما قاله الداعية والشاعر المسلم محمد إقبال - رحمه الله - في آخر عمره وهو يحث المسلمين على الاعتناء بالقرآن أقول لكم ما أؤمن به وأدين:( إنه ليس بكتاب فحسب، إنه أكثر من ذلك؛ إذا دخل في القلب تغير الإنسان، وإذا تغير الإنسان تغير العالم، إنه كتاب حي خالد ناطق، إنه يحتوي على حدود الشعوب والأمم ومصير الإنسانية),وكذلك ما قالها الدكتور مصطفى السباعي - رحمه الله - في كتابه(هكذا علمتني الحياة): (لم يكن عدد المصاحف عند المسلمين في القرن الأول للهجرة يبلغ عشر معشار عددها عندهم اليوم، وهي الآن لا يتلى منها عشر معشار ما كان يتلى حينذاك, وما يتلى بتفهم وتدبر لا يبلغ عشر معشار ما يتلى بغير تفهم وتدبر، فلا تعجبن إذا لم يفعل القرآن في نفوس المسلمين في الحاضر عشر معشار ما كان يفعله في نفوسهم، في الماضي القرآن في أيدي المسلمين كالسلاح في أيدي الجاهلين، سلاح معطل لا يستعملونه للدفاع ولا للهجوم، ولا للهدم ولا للبناء، ولا للأخذ ولا للعطاء، وهو صالح لذلك كله وأكثر لو كانوا يعلمون),وكذلك الحسن البصري رحمه الله انه قال:( إن من كانوا قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم، فكانوا يتدبرونها بالليل، وينفذونها في النهار)لنعود إلى القرآن لكي ننتصر ونفوز في الدنيا والآخرة.
ومضة
(المسلمون يمكنهم أن ينشروا حضارتهم في العالم الآن بنفس السرعة التي نشروها بها سابقا..بشرط أن يرجعوا إلى الأخلاق التي كانوا عليها حين قاموا بدورهم الأول، لأن هذا العالم الخاوى لا يستطيع الصمود أمام روح حضارتهم)مرماديوك باكتول، دكتور غربي.
S_ayyash66@yahoo.com
سليمان عياش
الدواء المهجور 2285