إن حرية التعبير في مجال الصحافة والحق في الوصول إلى الخبر، وحق المجتمع في أن يصل إليه الخبر هو من أهم الأركان التي تقوم عليها الممارسة الصحفية المعاصرة ، غير أن هذا الحق قد يتعارض أحياناً مع الحق في حماية الحياة الخاصة للشخصيات العامة الذي كفله الدستور والقانون ، مما يجعل الصحفي نفسه والاجتهاد القضائي والفاعلين في المشهد السياسي أمام معادلة صعبة لإقامة توازن بين هذين الحقين المتعارضين ، ويفتح مجالاً واسعاً لنقاش مهني وقانوني وأخلاقي وقضائي ، فبالقدر الذي ينبغي فيه حماية الحرية الصحفية حتى يتسنى للصحفي القيام بدوره كسلطة رقابية ، ينبغي توفير جميع الضمانات أيضاً لحماية الحياة الخاصة للشخصيات العامة التي تكون في كثير من الأحيان إعادة الاعتبار إذا تم إساءتها بكلمة غير مسئولة أو بقذف وبهتان يمارس باسم الحرية وهكذا فإن الضوابط القانونية والأخلاقية هي التي يمكن أن تحمي الحرية في الممارسة الصحفية ، وحمايتها من أن تتحول إلى اعتداء علي حريات وحقوق الآخرين في حماية حياتهم الخاصة من القذف ، وهي ما يطلق عليها الصحافة المسئولة التي تمارس دورها في نطاق القانون وأخلاقيات المهنة . أن هناك حاجة إلى الالتزام بمجموعة المعايير الأخلاقية والتي تعد جزء بارز وهام من المسئولية الاجتماعية وذلك في إطار المنافسة الكبيرة بين الصحف الحكومية والخاصة وكذلك بين الصحف بنوعيها والتليفزيون الأرضي والفضائي حيث أدت هذه المنافسة الشرسة أثناء طرح ومعالجة بعض القضايا إلى إحداث تأثير سلبي على الأمن القومي وقلائل ضد مصلحة البلاد. هناك ضرورة لوجود ضوابط حقيقية في معالجة قضايا الجريمة في الصحافة المصرية بما لا يؤذى سير العدالة القضائية عبر تدخل الرأي العام في توجيه اتهامات وإصدار أحكام جماهيرية على المتهمين قبل إثبات إدانتهم قضائيا لان مثل هذا التعدي يعد خروجا عن ميثاق الشرف الإعلامي، بالإضافة إلى انه يؤدى إلى التشكيك في النظام القضائي الموجود في الدولة، و لعل السبب في حدوث هذه التجاوزات الإطار الأشمل للمجتمع الذي يسمح بحدوث مثل هذه الأخطاء.. إنه رغم تعدد وتنوع الدراسات التي تناولت قضية أخلاقيات العمل والممارسة الصحفية فإنه لا يزال هناك مجموعة من الإشكاليات المتمثلة في مبالغة بعض الصحف في أرقام توزيع الصحف الخاصة بها في إطار التنافس والرغبة في كسب ثقة الجمهور، بالإضافة إلى الخلط بين الإعلان والإعلام وبالتالي وقوع الإعلام المقروء تحت وطأة سلطة رأس المال وتدخل المصالح السياسية والاقتصادية لرجال الأعمال، مما أثر على التغطية الإعلامية بالسلب، لأنها أصبحت أكثر تحيزاً لرجال الإعلام وتعظيماًَ لأدوارهم في جلسات مجلسي الشعب والشورى وإعطاء صورة زائفة عن مستوى أدوارهم الفعلية ،وأنتقد الانتقائية في اختيار المصادر واستخدام العناوين الصحفية التي لا تدل على المضامين والطرح الغير متوازن في عرض القضايا لذا فهناك أهمية بالغة أن تأخذ المؤسسات الصحفية على عاتقها مهمة تنظيم دورات تدريبية لتأهيل الصحفيين العاملين بها وبخاصة الغير دارسين لمجال الإعلام أن انخفاض الأجور والرواتب ليس مبررا لان يغالط واقع الممارسة الإعلامية الموضوعية. انه لا يوجد عمليا معايير أو مقاييس محددة أو مرجعية أساسية يمكن الاستناد عليها في إطار أخلاقيات العمل الصحفي لخلو ميثاق الشرف من مضمون حقيقي يمكن تفعيله على أرض الواقع ولكن رغم ذلك فإن نقابة الصحفيين تقوم بإجراء ضوابط على مستوى أداء الممارسة الصحفية من خلال استخدام أسلوب الجزاء والعقاب المتمثل في تهديد معنوي أو وقف الخدمات. أن يتخلص الإعلام من السيطرة الاقتصادية وإعطاء للجمهور الحق في الشكوى وتوفر الوسائل الإعلامية التي تحقق في الشكاوى الخاصة بهم وتسمح لهم بالتعبير عن أنفسهم وقضاياهم ومصالحهم المباشرة بعيداً عن اقتصاديات المصالح الفردية الرأسمالية الممولة عن طريق جهات خاصة، كما أن فكرة الأخلاقيات المهنية بشكل عام هي أن يقوم مجموعة موثوق بهم من المخلصين الحريصين على تماسك المجتمع والحفاظ على القيم الاجتماعية ولكن ذلك لن يتحقق بصورة لائقة إلا بوجود تفعيل لمؤسسات الضبط الاجتماعي ومؤسسات المجتمع المدني والجهات التشريعية. بعدم التزام القنوات الفضائية الموضوعية في نقدها وبالتالي فإنها كثيراً ما تنال من الدول والحكومات والشعوب التي تعمل في إطارها بما يؤدي إلى إحداث تضليل وتزييف إعلامي لا يستهدف غير الإثارة تحت ستار الحرية الإعلامية مما يؤدى إلى الإضرار بمصالح الدول العربية والتأثير سلبا على علاقاتها ومصالحها بالدول الأخرى وإثارة القلاقل والفتن التي تصنعها الحروب الإعلامية .
إن الحرية مطلب أساسي في التناول الإعلامي والممارسة الإعلامية وانه لابد من إتاحة المعلومات داخل وخارج المجتمع في المنطقة العربية والتخلص في نفس الوقت من سيطرة الحكومات، وظهور بعض الإشكاليات الإعلامية إلى العولمة التي اعتبرها سبباً رئيسياً حيث أدت إلى إحداث تشابكات تمخضت عن كسر الإعلام الفضائي الخاص للتابوهات المتعارف عليها المتمثلة في الدين والسياسة والجنس، لذا نطالب بإحداث وقفة تتعهد بالالتزام الأخلاقي للأداء المهني بما يخدم عادات وتقاليد المجتمع من خلال رفع كفاءة الرقابة الذاتية بعيدا عن رقابة الدولة وضرورة تبنى دعوة أصحاب القنوات الفضائية إلى وضع مقاييس شرف مهني قابل للتنفيذ والتطبيق بواسطة لجنة من الخبراء لوضع آليات حقيقية أكثر تفعيلاً.
أصبح مغترباً في ظل غياب الضوابط والمعايير المهنية والأخلاقية الذي لابد وأن تعمل فيه إطاره القناة التليفزيونية. أن ما نمر به الآن من فوضى البث الفضائي يشبه حال الإذاعات الأهلية في مصر في عشرينيات القرن الماضي وما كانت تمارسه من أعمال خارجة عن أدبيات العمل الإعلامي وأنشطته لذا لابد من تحويلها إلى خدمة حقيقية وتحويل المجتمع إلى سلطة رقابية يعمل وفقها الفضاء الإعلامي مع رؤية مجتمعية اشمل وأعمق للتقريب بين الشعوب العربية. أن عدد القنوات الفضائية العربية ارتفع ليصل الى620 قناة فضائية 80%منها قنوات خاصة،كما أن 70%من المواطنين العرب يملكون أجهزة استقبال منزلية للبث الفضائي ، وان إجمالي الإنفاق السنوي للفضائيات العربية 7 مليار دولار سنويا وأن عدد المشاهدين العرب يقدر ب 200 مليون مشاهد من إجمالي 320 مليون مواطن عربي ،وأن عدد الصحف العربية 5016 صحفية منها 267صحيفة تصدر يوميا، وعدد مواقع الانترنت الإعلامية العربية 2100 موقع منها 1560 موقعا باللغة العربية و438 موقعا بالانجليزية و102 موقعا بلغات أخرى.كما أكد أن وثيقة البث الفضائي كانت وثيقة استرشادية وغير ملزمه للدول العربية، إلا إذا صدقت عليها برلمانات هذه الدول العربية المشاركة في الوثيقة.
إن الإشكالية الحقيقية أن الصوت العربي لا يصل إلى الخارج مما يدل على فشل القنوات العربية في معالجة أهم القضايا المحورية التي يعانى منها العالم العربي وترتبط بواقعه السياسي والاجتماعي كإخفاقنا في تقديم صورتنا ووجهة نظرنا في أحداث غزة وقصورنا الشديد في الإقناع الدولي بقضيتنا وعجزنا عن كسب التعاطف الدولي،حيث لازال يظن 83%من الأمريكيين أن الفلسطينيين إرهابيين في حين أن الأوروبيين قد تعاطفوا مع القضية العربية لوصول ثلاث إشارات بث عربية من خلال اتحاد إذاعات الدول العربية إثناء أحداث غزة في الوصول إلى الجمهور الأوروبي لذا فمن ضمن الإستراتيجية الجديدة التي تنفذها الجامعة تم عرض 6 برامج مدتها نصف ساعة أذيعت على قناة Public T. V وهى اكبر قناة ثقافية في أمريكا وقد تناولت البرامج الست عدة قضايا ومضامين لتقديم الصورة العربية منها برنامج لتقديم الثقافة والفنون في العالم العربي وأخر عن قضية الهوية، المرأة،الجغرافيا والتاريخ العربي وقضايا الإصلاح في المجتمعات العربية وموضوعات وقضايا أخرى و قد عرضت هذه البرامج في أوقات الذروة في الفترة من مايو حتى ديسمبر الماضي ويعاد بثها طول العام ، كما أن هناك موقعاً الكترونياً عالمياً سيتم إصداره تحت اسم "الصوت العربي" لطرح القضايا العربية بعدد من اللغات.
إن الإعلام العربي الجديد لازال في طور النمو إلى أن يصل إلى طور النضج ولكن لابد أن تستطيع هذه المؤسسات الإعلامية كسب ثقة الجماهير وإقناعها بأهدافها، كما يجب تدريب وتأهيل غير الدارسين من الملتحقين بهذه المهنة، بالإضافة إلى حماية المهنة من المتسللين إليها والذين يسيئون إلى العمل الإعلامي ورسالته فضلا عن أهمية أن تؤهل الشعوب لاستقبال المضامين الإعلامية وهو ما يسمى بمفهوم "التربية الإعلامية"والتي يلعب فيها التعليم والأسرة دورا كبيرا. أن النقد الهدام والمعارضة الفجة من أهم أسباب فوضى القنوات الخاصة وأنه لابد من الإصلاح المؤسسي للإعلام الخاص والتي من أهم مقوماته سن التشريعات والقوانين المنظمة بشكل مواكب للتغيرات الجديدة وتشكيل هياكل تنظيمية في المؤسسات الإعلامية وتوفير أجهزة هندسية قوية بالإضافة إلى أهمية العنصر المادي والإمكانيات المادية المتاحة بشكل مستقر.
إن حالة الانفلات الإعلامي الحادثة تحتاج الآن إلى درجة كبيرة من الانضباط الذاتي والالتزام الأدبي من قبل الممارسين والأكاديميين على حد سواء والحاجة إلى حل تكاملي يضم أطراف المجتمع بفئاته ومؤسساته... إذا كانت الفضائيات العربية الخاصة لاينتظر منها – ولايمكن أن نطلب منها – أن تقوم بدور كبير في مجال الحفاظ على قيم وأخلاقيات المجتمع والحفاظ على هويته العربية والإسلامية وزيادة أواصر التعاون العربي بسبب طبيعتها الاستثمارية القائمة على مزيد من الأرباح ، فإن الأمانة تقتضى أن نذكر أنها لعبت أدواراً قومية تفوق ماقامت به الفضائيات العربية الحكومية فيحسب لها أنها حركت المياه الراكدة في مجال العمل التليفزيوني الحكومي التي استشعرت خطر انصراف الجماهير العربية عنها ، فراحت تخفف من سيطرتها الرقابية وتسمح بهامش من حرية التعبير رغبة في الحفاظ على مشاهديها وأن تواجدها ومنافستها الشديدة مع الفضائيات الحكومية أنعش صناعة السينما والتليفزيون مما انعكس إيجابياً على مستوى الإنتاج البرامجى وأنها حققت ماعجزت عنه الحكومات والمنظمات عندما أطلقت شبكة ART عام 1998 قناة أقرأ لتكون أول قناة دينية إسلامية تبث عبر الأقمار الصناعية . وهكذا نجد الفضائيات العربية الخاصة قد تعددت وتنوعت مابين الإخبارية والدينية والتبشيرية والغنائية والثقافية والاقتصادية والتعليمية والعلمية والتاريخية والدراما التليفزيونية والأفلام السينمائية والإعلانات والأزياء والموضة والسحر والدجل والدردشة والحوار ولكنها في مجملها تمثل إضافة غير محددة الأهداف والسياسات والأخلاق لايوجد لها فلسفة محددة تحكم طبيعة عملها ولاتجد أهدافاً إستراتيجية تسعى لتحقيقها باستثناء الهدف التجاري الأوحد ، بل تقدم مضامين هابطة وعبارات جارحة وأسلوب فج وكلمات خارجة عن حدود الذوق واللياقة وعادات وتقاليد المجتمع العربي ولاسيما الفضائيات المتخصصة في (الأخبار ، الغناء ، الإعلانات والتسوق ، الدردشة والحوار ، السحر والدجل والشعوذة ).. فبين فكي الكماشة ، أصبح المشاهد العربي محاصراً مع تزايد هوجة الفضائيات مابين فضائيات إباحية ومبتذلة تتاجر بالأجساد والغرائز ، وفضائيات أخرى مشعوذة تشوه دينه وعقله وثقافته الدينية وقيمه الحضارية وتقدم له ثقافة السحر، ووجدنا الفضائيات الغنائية تقدم لنا كل سبل الفسق والفجور وإلهاب المشاعر والانحلال الخلقي وشيوع الفاحشة بين الآخرين ، ووجدنا الفضائيات الإخبارية على الرغم مما تقدمه من معلومات وأنباء وتحليلات وتعليقات تحيطنا علماً بما يجرى على أرض الواقع من حولنا، إلا أنها تعكس لنا صورة سلبية محبطة للعالم العربي لحظة بلحظة، مما أفقـد الجماهير العربية توازنها ودعاها إلى الضعف والتحلل والاستكانة.
وفي هذا الصدد تشير المقولات العلمية لنظرية المسئولية الاجتماعية إلى أن وسائل الإعلام تمارس دوراً مهماً في المجتمع يتمثل في حمايتها للنسيج الإجتماعى والتعبير الحر عن مطالب الجماهير ورغباتهم ، ومن ثم لابد أن تلتزم هذه الوسائل أخلاقياً بطرح ومناقشة القضايا الملحة والبارزة في المجتمع وفى ضوء ذلك تقتضى المسئولية الاجتماعية أن تقوم وسائل الإعلام بمراعاة عادات المجتمع وتقاليده وأعرافه ، بالإضافة إلى الحفاظ على سلامة المجتمع وصيانة مقـدراته الفكرية والثقافية.
و في ضوء كل ما سبق يمكن صياغة المشكلة البحثية بشكل أكثر تحديداً في الإجابة على السؤال الرئيسي التالي : ماملامح رؤية الجمهور المصري لأخلاقيات الإعلام في الفضائيات العربية الخاصة ( الإخبارية، الغنائية، الإعلانية، الحوار والدردشة، السحر والدجل والشعوذة )؟ ما هذه الفوضى في الأرقام؟ هل الإعلام المصري في حاجة لمصحح أرقام مثلما يحدث في تصحيح اللغة العربية وإذا كان الذين يتصدرون للأرقام لا يعرفون ما هي وما دلالتها.. فلماذا يتصدون لكتابة أرقام مبالغ فيها ؟ ! .. وهي أرقام غير حقيقية ومفبركة مثال ذلك ما أوردته بعض الصحف والمجلات من أن الصناديق الخاصة بها تريليون و 272 مليار جنيه وهذا رقم كاذب ومضلل في الواقع أن البنوك المصرية بالكامل لم تصل بعد إلى تريليون جنيه شاملة جميع أموال المواطنين والشركات وغيرها فإجمالي الموجود في الصناديق الخاصة لا يتجاوز 36 مليار جنيه وقد أعلن ذلك أكثر من مرة .. وأعلنه د.فاروق العقدة محافظ للبنك المركزي وأعلن نفس الرقم رئيس مجلس الوزراء د.كمال الجنزوري نفس الشئ للأسف ونفس رقم التريليونان أعلن عن الأموال المهربة للخارج هذه الأرقام المفبركة عن الأموال المهربة تجعل المواطنين يعيشون أحلام اليقظة ويتوقفون عن العمل والإنتاج فالأموال قادمة .. ولماذا نعمل إذن .. لذلك فإن الاقتصاد المصري في أسوأ حالاته .. لا يتم ضخ أي أموال جديدة للاحتياطي النقدي الذي تآكل بشدة. إن فوضى الأرقام جعلت العالم ينظر إلينا بسلبية شديدة لأننا لا نعترف بواقعنا المر ونبث رسائل تحبط المواطنين وتجعلهم لا يعيشون الواقع وبالتالي لا يشاركون في عملية الإنتاج والتنمية. إنها مأساة فعلاً ليس للحكومة الحالية فقط بل أيضاً للحكومات القادمة وللرئيس القادم وللأجيال القادمة التي يجب أن تقطف ثمار الثورة.. وهذا لا يتم إلا بتحقيق ثورة أخرى في التنمية والبناء والنهضة تعيد لمصر قوتها وهيبتها.
لا شك أن مرحلتي الإصلاح اللتين تمتا في الجهاز المصرفي المصري خلال السنوات الماضية واللتين أشرف على تنفيذهما البنك المركزي المصري والمحافظ الممتاز د.فاروق العقدة الذي تم بسببه اختيار البنك المركزي المصري الأفضل على مستوى البنوك المركزية في العالم هذه المراحل من الإصلاح وضعت بنوكنا التجارية في مصاف البنوك العالمية وساعدتها في مواجهة كافة التحديات والصعوبات المحلية والعالمية خلال الفترة الماضية واستطاعت أن تنفذ تسويات لـ 90% من 30 مليار جنيه ديوناً متعثرة وأصبح بالبنوك مخصصات تواجه أي تعثر مهما كان هذه القوة التي أصبحت عليها بنوكنا التجارية تجعلنا واثقين في جهازنا المصرفي وفي إمكانية توفير قاعدة قوية من التمويل لمشروعاتنا التنموية إن الدور المنوط بالإعلاميين لا يقف عند حدود تقديم المعلومة والخبر، بل يتعدى ذلك ليصل إلى حدود المسئولية الاجتماعية والوطنية، وما يتوجب على وسائل الإعلام تقديمه تجاه المجتمع وقضاياه، وتمنح المواطن درعا يدافع به عن موروثة الثقافي والحضاري. تلك هي رسالتنا، وهذا ما يتوجب إن نضعه إمام أعيننا طوال الوقت مع الإيمان بضرورة الانخراط في بوتقة التكنولوجيا الحديثة والعمل على استثمارها بشكل ايجابي".
إن المسئولية الملقاة على عاتق الإعلاميين العرب اليوم هي مسئولية كبيرة وخطيرة، فقد أصبح الإعلام هو الرافد المسيطر على المعرفة والمعلومة، وهو الوسيلة الأكثر انتشارا والأسرع تأثيرا. لهذا لا بد إن يحرص الإعلاميون على إن تكون رسالتهم الإعلامية خالية من أي ضرر قد يلحق بأمتنا وأوطاننا وشعوبنا، وان تكون الرسالة الإعلامية ايجابية تقرب ولا تبعد، تبني ولا تهدم، تفيد ولا تضر".
إن سماء الحرية المفتوحة الآن في الإعلام في ظل الثورة التكنولوجية، تضعنا نحن أصحاب المهنة والحرفة في مأزق كبير، فكلما ارتفع سقف الحرية، ضاق قيد المسئولية، لذلك لا بد أن ندرك أن ما خلقته التكنولوجيا لنا الآن من انفتاح سيكون عبئاً مستقبلياً إن لم نحسن التعامل معه واستخدام أدواته بشكل سليم وآمن". إن الإعلاميين جميعا هم بطبيعة الحال من أنصار حرية الإعلام. لكن في نفس الوقت يجب الإقرار بأن الحرية لا تعني التحرر من كل الضوابط المهنية والأخلاقية والابتعاد عن الرسالة التربوية النبيلة لوسائل الإعلام. ودعا محمد بن عيسى إلى وضع ما اسماه بـ" خارطة طريق" في هذا المجال، أي تحدد ضوابط الحريات الإعلامية. إن وفرة الفضائيات العربية لا يوازيها تطور لافت في الممارسة الإعلامية.. الوفرة هنا في رأيه هي تعددية خادعة، والبعض من تلك القنوات خرج عن أصول المهنة وتحول إلى بوق قبيلة أو مروج لأفكار وإيديولوجية غامضة الأهداف والمقاصدة. انه اعتبر أن احد المهام الأساسية لرئيس التحرير، واحد أكبر المعايير لنجاحه من عدمه، هو مدى قدرته على أن يضمن نجاح الصحيفة وتحقيقه أرباحا، وذلك على اعتبار أن الاستقلال المالي للصحيفة هو احد اكبر الضمانات لحريتها ولممارستها للحرية، لا يجوز أن يطلب شيئاً لنفسه من السلطات المسئولية، وان هذا احد متطلبات ممارسة الحرية، فالأمر هنا ببساطة أن رئيس التحرير لو فعل هذا، فلن يكون بمقدوره أن يسائل مسؤولاً أو يحاسبه في صحيفته، ولن يكون لصحيفته مصداقية أصلاً، من هذا المنطلق أيضاً، فإن الرقابة الاقتصادية والمالية، كما أسماها، أحياناً تكون اشد قسوة من الرقابة السياسية المباشرة، أنا مثلاً استطيع أن انتقد رئيس الوزراء، ولكن ربما لا أستطيع انتقاد رئيس شركة، فقد تكون هذه الشركة من أكبر مصادر الإعلانات للصحيفة، وبالتالي يكون دورها هاماً في تحقيق الاستقلال الاقتصادي للصحيفة.. إنه أحياناً تكون ضغوط المجتمع وقوى مختلفة فيه اكبر من الضغوط الرسمية المباشرة.. وقال هنا، إن من مهامي الرئيسية كرئيس للتحرير أن اذهب إلى النيابة العامة كل يوم ثلاثاء. إننا أصبحنا أمام خطوط حمراء كثيرة، بحيث أصبح حتى الفساد خط احمر.. وأشار إلى أن التكنولوجيا الحديثة خففت من جبروت الخطوط الحمراء المفروضة على أجهزة الإعلام، بحيث " انك إن منعتني، فلن تستطيع منع غيري"، وقال إن الصحفي أصبح حبيساً لتشريعات تضعها الحكومات مما يؤدي إلى تضييع دوره في نقل المعلومة وإرشاد الناس. وتحدث عن معاناة الصحافة المستقلة في اليمن حيث المنطق السائد هو " انك إن لم تكن معي، فأنت بالضرورة ضدي"، وأشار إلى أن العقوبات المفروضة على الصحفيين في اليمن قد تصل إلى عقوبة قاطع الطريق، فهي ليست محددة يلتزم بها القاضي، انه لا يمكن الحديث عن الحرية من دون مسئولية، ذلك أن الحديث عن الحرية الإعلامية من دون ضوابط مقننة يمكن في رأيه أن يتحول إلى فوضى، غير أن هذا لا يعني في رأيه التقليل من قيمة الحرية وضرورتها للإعلام في عصرنا الحاضر، فالحرية الإعلامية بمثابة المرآة التي تعكس درجة تقدم المجتمع بصفة عامة. وفي نفس الوقت، فان الحكم على نجاح أي وسيلة إعلامية لا بد أن يكون نابعاً من معيار مدى الحرية التي تتمتع بها هذه الوسيلة الإعلامية.. إن العالم كله يتجه نحو تكريس قيمة الحريات الإعلامية، والدليل على ذلك ما تشهده الوسائل الإعلامية في وقتنا الحاضر من منافسات شديدة سواء بين القنوات الفضائية أو الأرضية أو الصحف وغيرها من وسائل الإعلام، وانه كلما تمتعت الوسائل الإعلامية بقدر أكبر من الحرية لاقت نجاحاً والعكس صحيح، انه في الواقع العملي لا يوجد إعلام حر بشكل مطلق، ولا توجد حرية إعلامية مطلقة بلا أي قيود، ففي أي مكان توجد فيه وسائل إعلام، تتمتع بقدر من الحرية، يوجد في نفس الوقت ما يقابلها من قيود مفروضة، إن الإعلام في السابق كان بوقاً تفرضه الحكومات على الناس، واليوم أصبح نجاح أي إعلام يعتمد على نسبة المشاهدة والقراءة والاطلاع، لذلك لم يعد هناك جدوى من القيود التي تفرضها الحكومات، واعتبر انه لا يوجد سبب لمنع الناس عن التعبير عما يجول في خاطرهم، وان إغلاق القنوات الفضائية مثلاً ليس هو الحل السليم، والمطلوب هو وجود مرجعية قانونية تمكن المتضرر من اللجوء إلى القضاء، كما هو الحال مع الإعلام في الغرب مثلاً الذي يخضع للمقاضاة في حال أي تجاوز.
إن الحرية يجب أن تكون مطبقة على الجميع بحيث توضع فوانيين منظمة لممارسة الحرية تكون في الحدود الدنيا، إن الحديث الذي يثار باستمرار عن مسألة الخطوط الحمراء في العمل الإعلامي، وقال إن المشكلة هي من يقرر ما هي هذه الخطوط الحمراء؟ إن جميع الأنظمة العربية هي من وجهة نظره أنظمة قمعية لا تسمح بممارسة الحرية، والدليل على ذلك أن الدول العربية تتذيل باستمرار قائمة الدول في مجال الحريات الإعلامية. وأضاف انه على الرغم من ذلك، فان هناك تطوراً وتحسناً بعض الشيء هنا وهناك، لكن المشكلة إن هذا التحسن لم يأت نتاجاً للإحساس أو الاقتناع بأن الحرية ضرورية، وإنما فرضته ظروف التطور التكنولوجي في المجال الإعلامي، إن هذه كلها أفكار جيدة بالطبع ولا غبار عليها، إلا أنها في حقيقة الأمر لاتتقدم بنا خطوة إلى الأمام فيما يتعلق بالمعضلة التي يواجهها الإعلام العربي اليوم من زاوية ضرورات المؤاءمة بين الحرية والمسئولية، أعني انه من الجيد إن يؤكد الإعلاميون العرب باستمرار وفي أي من اجتماعاتهم على ضرورة توفير الحريات لوسائل الإعلام المختلفة، ولم يعد جدياً القول بأن ممارسة الإعلام والإعلاميين للحرية يجب أن يكون مقروناً بالمسئولية، لكن هذا كله لا ينطوي على أي اقتراحات أو تصورات بناء لمعالجة المعضلة التي نواجهها في العالم العربي اليوم. الحادث انه في السنوات القليلة الماضية، أتيحت بالفعل حريات كثيرة لوسائل الإعلام العربية، بعض هذه الحريات منحتها دول عربية اختيارا، أي إيماناً بها. وبعض هذه الحريات أصبحت مفروضة فرضا بحكم التطورات الحديثة في مجال الإعلام، واستحالة السيطرة على أجهزة الإعلام كالفضائيات أو الانترنت، والحادث، انه سواء كانت حريات الإعلام العربي هي بالاختبار أو بالفرض، انه في كل الأحوال ترافق مع ممارسة هذه الحريات أدوارا شديدة السلبية، بل أحياناً مدمرة بمعنى الكلمة لعبتها وتلعبها كثير من أجهزة الإعلام العربية، الأمثلة هنا كثيرة جداً، لكن يكفي فقط إن نشير إلى ما يلي:
أولاً: الدور المدمر الذي أصبحت تلعبه أجهزة الإعلام الطائفية، سواء كانت فضائيات طائفية أو صحف أو مجلات أو عبر الانترنت. هذا الإعلام الطائفي دوره مدمر بكل معنى الكلمة، هو يدمر دوراً تخريبياً للنسيج الاجتماعي في دولنا، ويشعل فتناً طائفية بكل ما يترتب على ذلك، ولا أحسب أننا بحاجة إلى تقديم أمثلة على ما يجره هذا الإعلام الطائفي في دولنا ومجتمعاتنا العربية.
ثانياً: بدلاً من أن يكون الإعلام العربي في عصر الحريات هذا داعماً للقضايا العربية، وعوناً لجهود أو محاولات إزالة الفرقة بين الدول العربية والخلافات بينها، وجدنا بعض أجهزة الإعلام العربية تلعب دوراً غاية في السلبية، أي تزيد الفرقة وتشعلها بين الدول والشعوب العربية. وقد تابعنا جميعاً مثلاً الدور المدمر الذي لعبته أجهزة إعلامية أثناء الأزمة الكروية الشهيرة بين مصر والجزائر.
ثالثاً: أيضاً، وكما كتبنا في أكثر من مقال من قبل، فإنه في إطار ممارسة هذه الحريات، أصبحت بعض أجهزة الإعلام العربية تلعب دوراً مدمراً لقيم وأخلاقيات عامة بأشكال وصور شتى، هذه ليست سوى أمثلة بسيطة لإساءة استخدام الحريات، ولأدوار مدمرة تلعبها أجهزة إعلام في ظل هذه الحريات، ونستطيع بالطبع أن نقدم أمثلة كثيرة أخرى.
أعني إذا كان الإعلاميون العرب يرفضون القيود الرسمية على ممارسة الحرية، فكيف لنا إذن أن نضمن تحقق هذا الذي يتفق عليه الجميع من ضرورات المواءمة بين الحرية والمسئولية؟ بعبارة أدق، كيف يمكن لنا أن نرتب ضمانات تحتوي هذه الآثار المدمرة التي تترتب على إساءة كثير من أجهزة الإعلام العربية للحريات المتاحة لها؟.. الفكرة الجوهرية التي طرحتها هنا هو أن الإعلاميين العرب هم الذين يجب أن يأخذوا زمام المبادرة، أعني أن الإعلاميين العرب هم الذين يجب أن يطرحوا مبادرة أو مبادرات لحل هذه المعضلة. كيف؟.. وما هو المطلوب هنا بالضبط؟.. وأي نوع من المبادرة يمكن أن يطرحه الإعلاميون العرب؟
كاتب مصري وخبير في القانون العام
عناوين
إن الحرية مطلب أساسي في التناول الإعلامي والممارسة الإعلامية وانه لابد من إتاحة المعلومات داخل وخارج المجتمع في المنطقة العربية والتخلص في نفس الوقت من سيطرة الحكومات
حالة الانفلات الإعلامي الحادثة تحتاج الآن إلى درجة كبيرة من الانضباط الذاتي والالتزام الأدبي من قبل الممارسين والأكاديميين على حد سواء والحاجة إلى حل تكاملي يضم أطراف المجتمع بفئاته ومؤسساته
أصبحت بعض أجهزة الإعلام العربية تلعب دوراً مدمراً لقيم وأخلاقيات عامة بأشكال وصور شتى
د. عادل عامر
الإعلام المصري بين المسئولية والفوضى 2586