الاشتراكي العتيق عضو البرلمان الأسبق المناضل محمد ناجي سعيد حين سألته عن رأيه في هذه الثورة الشعبية أجاب: قيامها واستمرارها في الساحات ثورة، أما نجاحها وتحقيق أهدافها فيمثل ثورتين لا ثورة واحدة فحسب.
حقيقة الرجل أدهشني بإجابته المقتضبة التي قد تبدو للبعض غريبة كمفهوم ودلالة فلسفية، لكنها وما إذا تأملنا واقعياً وموضوعياً، سنجد أن ما حدث في محافظات الشمال على وجه التحديد يمكن وصفه بثورة كاملة على الخوف واليأس والجمود والموروث الثقيل وغيرها من الأشياء.
أما وفي حال بقاء واستمرار هذه الثورة حتى تنجز بقية أهدافها المتمثلة بصياغة وبناء دولة ديمقراطية حديثة عمادها الأساس المواطنة المتساوية والعدالة المجتمعية فهذا يعني أننا إزاء ثورتين متلازمتين يصعب فصل البداية عن النهاية.
وعلى عكس الكثير من قيادات الحراك الشابة الحاملة لراية استعادة الدولة الجنوبية السابقة إلى حدود ما قبل التوحد ؛ لم يخف الرجل إعجابه وقلقه بكون هذه الثورة الشعبية أسقطت رأس النظام كما وخلقت ظروفاً ومناخات جديدة يمكن التأسيس عليها لمجتمع مدني متطور، خاصة إذا ما عرفنا أن نواة هذه الثورة هم شباب الجامعات والفئات المثقفة بدرجة أولى قبل أن تتسع دائرتها لتضم كافة الأطياف والفئات القبلية والعسكرية.
أما قلقه وخوفه فمن تكرار ما وقع لدولة الوحدة التي لم تستطع بسط سلطتها وسيادتها على كامل البلاد والمؤسسات نتيجة لذات الأسباب والقوى القبلية والعسكرية والدينية التي قدر لها إحباط وإفشال كل محاولات توحيد التعليم والجيش وتنظيم حيازة السلاح ومحاربة الإرهاب وتجفيف منابعه الفكرية وغيرها من القضايا الوطنية التي نجدها مازالت ماثلة حتى اللحظة الراهنة.
المهم أنني خلصت من كلام اليساري القديم -الذي مهما اختلفت معه نظرياً وجدلياً ليس بوسعك إلا أن تحترم نضاله وتاريخه ونزاهته وقبل ذا وذاك كبريائه واعتزازه بمبادئه وأفكاره التي أيا كان اختلافناً معه حولها، إلا أنها بالنسبة له لا تقبل المساومة – هو أن مشكلة هذه الثورة تكمن بالتفاصيل المؤجلة.
فكما قيل بان الشيطان يوجد في النوايا الحسنة أو قولوا التفاصيل؛ فإن هذه الثورة يخشى عليها من تكرار ما جرى لثورة سبتمبر ولحركة 13يونيو الإصلاحية عام 74م ولدولة الوحدة التي مازلنا نعاني من تبعات فشلها منذ صيف 94م.
فإذا كان ما وقع يعد ثورة شعبية ليس لها في التاريخ قرينا؛ فهل سيكون نجاحها يضاهي ثورتين؟ شخصياً أعتبر ما يجري في الجنوب ما كان سيبلغ منتهاه للمطالبة بفك الارتباط لولا حالة اليأس والقنوط الناتجة في المقام الأول من تبدد وانسداد أفق لكل محاولات التغيير والإصلاح .
ما أخشاه هو أن هذه الثورة ستكتفي بما أنجزته حتى الآن، فما هو مؤكد ومأمول من هذه الثورة الشعبية هو أن لا تقتصر على مسألة إسقاط الرئيس وانتخاب رئيس وإنما المضي لأبعد بعد من ذلك، لتكن المهمة التالية إعادة هيكلة الجيش باعتبارها القضية الجوهرية التي للأسف كان من نتائجها كارثة حرب 94م وحروب صعده وما وقع لهذه الثورة والبلاد من خراب ودمار وانقسام وتشظي وقتل وإرهاب وليس سقوط أبين بين يدي القاعدة ببعيد.
نعم أصدقك أيها اليساري العتيق، فالرئيس ونظامه العائلي المتخلف مازالا يقفا بوجه هذه الثورة، ومثلما حالا الجمهورية والوحدة إلى مجرد شعار للمتاجرة والمزايدة وقهر الرجال والأفكار؛ فإن الثورة اليوم تقف أمام اختبار شاق وعملي وعليها اجتيازه كي لا تقع في نفس الخطأ.
يوم السبت الفائت كان الرئيس السابق قد وصف ثورة اليمنيين بثورة (البلاطجة)، فبعد كل ما فعله بثورتي سبتمبر وأكتوبر والوحدة والدولة والشعب يأتي علينا فيحدثنا عن مؤامرة وخيانة وعمالة بالدولار والريال،فإذا كان المستهل ثورة أفقدت الرئيس السابق صوابه ولياقته الكلامية فحتماً سيكون لنجاحها الأثر الايجابي على اليمنيين.
محمد علي محسن
قيامها ثورة ونجاحها ثورتان 2235