الفساد خلل اجتماعي كبير يجب التنبه له ومعالجته بكل حزم وبحكمة وبدون إبطاء، أي بشكل سريع.. ولكن لا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بتكاتف الحكومات مع شعوبها لمعرفة مكمن الخلل ومكمن العلة، ومتى ما عرف ذلك فإن عملية الإصلاح سهلة وميسرة وقد لا تستغرق وقتاً طويلاً..
ولابد من استئصال الجرثومة التي تسبب الفاسد سواءً كانت على شكل مسؤول أو صاحب نفوذ أو غيرهم أو كان نظاماً فاسداً أو قانوناً أكل عليه الدهر وشرب أو غيرها من معوقات التنمية في المجتمعات، فمستقبل دولتنا واستقراره وتنميته مرهون بقدرتنا الجادة والجماعية على استئصال وباء الفساد وجراثيم الفاسدين.
ولعل ضعف الرقابة، المشكلة التي تعاني منها المجتمعات النامية بشكل عام أو ما يطلق عليها دول العالم الثالث تكمن في غياب الرقابة والتقييم والقوانين الصارمة، بعبارة أخرى عدم وجود المشرعين الذين يقومون بحماية حقوق الأفراد وحقوق المجتمع، فالغياب الكامل لهؤلاء المشرعين، إضافة إلى مركزية الأعمال في جميع مؤسسات المجتمعات وبخاصة الحكومية منها أدى إلى بروز ظواهر مرضية منحرفة، كالرشاوى والغش والتزييف والتزوير وعدم انتقاء الكفاءات المؤهلة الجديرة بإصلاح وخدمة المجتمع وغياب العدالة الاجتماعية وعدم وجود محاسبة فاعلة للمقصرين المؤتمنين على المال العام إلى جانب انتشار الوساطات في جميع مناحي الحياة وهي بعض من مظاهر الفساد التي تعاني منها الدول النامية بدون استثناء.
أما ما يجري اليوم من هدر كبير للمال العام وعدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، لم يعد فساداً بالمفهوم المتعارف عليه اقتصادياً واجتماعياً وتربوياً، بل صار حالة تجاوز فيها كل حدود الفساد وأبعاده، ليدخل فضاء خطيراً يمكن أن يقضي على الدولة كمؤسسة سياسية وسلطة عمومية جامعة في المجتمع الحديث وعلى المنظومة الاجتماعية كأداة لردع المسيئين، كما يهدد الحياة العامة ووحدة البلاد، إذ يتضح أكثر فأكثر أن الحياة الوطنية (وطناً ومواطنين) مرتبطة أشد الارتباط بالدولة ومكانتها وحصانتها وأطرها الشرعية وسلطتها القانونية التي تفرض سيادة القانون على جميع مكونات الشعب أفراداً وجماعات بالعدل والتساوي، وتصبح بهذا المعنى دولة الكل لترسيخ عوامل القوة والتماسك والارتقاء.
إيمان سهيل
كيف نقضي على وباء الفساد؟! 2476