المثل القائل "آخر المُحَنِّش للحنش"؛ يكاد خير تجسيد وعبرة لمن لا يعتبر، فالرئيس السابق يذوق مرارة الكأس التي كان قد جرعها معارضيه بل وكل حلفائه وأتباعه المقربين من كرسيه وقراره.
فعلى مستوى إدارة الدولة كان الرئيس قد نجح في تفصيل هذه الدولة وفقاً ومقاس سلطته الفردية، إذ وطوال سنوات حكمه والرجل لا يفقه شيئاً عن معنى إدارة وطن وشعب، فكل ما أفلح فيه هو إدارة حكم وسلطة لا يتعدى فكرها وهدفها حفظ واستمرار الرئيس في قصر الستين.
الناظر في الدستور الحالي سيجد مواده مانحة الرئيس عبد ربه منصور صلاحيات مفتوحة ومطلقة تمكنه من حل البرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة ومن إقالة الحكومة وعزل وتعيين قيادات المحافظات والقضاء والجيش والأمن وغيرها من الوظائف والسلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، فجميع هذه المسميات كلها رهن قرار أو توجيه يصدره فخامة الرئيس حفظه الله وأبقاه.
من كان منا يتخيل بأن الرئيس الذي قضى سنوات حكمه (درزي ) يخيط ويرقع دستور وقوانين البلاد ؛ سيأتي عليه يوم يتذوق مرارة العلقم الذي هو صانعه لخصومه وبيديه وتفكيره ؟ يلوح بسحب وزراء المؤتمر من حكومة الوفاق كي تفشل في مهمتها الوطنية الاستثنائية ؛ فيأتيه الرد سريعاً من الرئيس المنتخب لتوه بإقالة الحكومة وتشكيل حكومة وحدة وطنية من دون اعتماد مبدأ المناصفة الحزبية، يهدد الرئيس السابق بسحب الثقة من حكومة باسندوه ومن خلال أغلبية المؤتمر الكاسحة في البرلمان؛ فتأتيه الإجابة من الرئيس الجالس في كرسيه بحل البرلمان والدعوة لانتخابات نيابية مبكرة.
هذا من ناحية الرئاسة وسلطتها وصلاحيتها الدستورية أما وحين ننتقل إلى المؤتمر الشعبي العام الذي يستخدمه الرئيس صالح كشماعة وفزاعة لمواجهة السلطة القائمة، فهذا الكيان الهش والمفكك الذي اعتبره الملجأ والوسيلة لقهر أنداده وخصومه لم يخل من عبثه وأنانيته المدمرة لهيكله ومكونه ونظامه الداخلي ولعقيدته الفكرية.. فبعد أن ظن أن المؤتمر هو ملاذه الأخير الذي سيمكنه من الرئيس المنتخب ومن غالبية البرلمان ونصف الحكومة ؛ ها هو الوزير بن دغر يأتيه بنبأ من النظام الأساسي للمؤتمر، إذ أن هذا النظام الذي أتقن صياغته وفق رغبته ومقاسه كرئيس للجمهورية سيحرمه من رئاسة المؤتمر، حيث يوجد نص صريح يقضي بأن يكون رئيس الجمهورية هو رئيس المؤتمر.
لا أحدثكم هنا عن المؤتمر ككيان مثقل بالبيروقراطية والانتهازية والشمولية، فهل هناك ما هو أسوأ من تضليل وتزييف وعي الناس ؟ وهل يوجد في نواميس وقواميس الديمقراطية والتعددية السياسية حزب سياسي يضم في مكوناته كافة العقائد الفكرية والقبلية والعسكرية والدينية؟.. دعكم من مسألة الأفكار والآراء المختلفة في إطار التنظيم الواحد ! لكنني أحدثكم عن عقائد مختلفة وعن كيان حزبي يعاني من جملة علل مزمنة جميعها ناتجة عن علة واحدة، هذه العلة مكمنها رأس هرم الدولة الذي يجب أن يكون رئيساً للمؤتمر، فالرئيس هنا هو الذي يعين ويوافق على ثلث اللجنة الدائمة أو ربعها وهو وحده من يختار حكومة المؤتمر وهو من يحدد موعد ومكان انعقاد مؤتمراته واجتماعاته وهو أيضا من يتحدث ويقود ويوجه وووالخ.
المسألة الثالثة بعد الرئاسة وقيادة المؤتمر ونظامه تتعلق ببنيوية وهيكلية المؤتمر الشمولية والبيروقراطية،فإذا كان رئيس الدولة هو رئيس المؤتمر كقاعدة ثابتة تعزز وتأصل الاستبداد السياسي في شخص صاحب القرار الذي هو الرئيس الفرد ؛ فإن واقع الحال لم يكتف بمسخ النظام السياسي الديمقراطي ومن خلال رئيس البلاد، إذ كان الرئيس قد وصل عبثه إلى كافة محافظات الجمهورية، فبرغم أن السلطة المحلية المحدودة السلطة والصلاحية كانت واحدة من ابتكارات النظام، ومع هذا التفويض الضئيل للمحافظات ومديرياتها كان النظام العائلي القبلي العسكري قد قام بهيكلة المؤتمر ليس كحزب وتنظيم وإنما كسلطة محلية يجب أن تخضع لتنظيم الحزب.
حين فازت المعارضة بأغلب مقاعد المجالس المحلية في الضالع – (8من 9)مديريات، إضافة إلى مجلس المحافظة – برزت هذه الثنائية المزاوجة بين السلطة والمؤتمر،إنها الشمولية في أقبح صورة لها، فهيكلة المؤتمر تمت على أساس هيكلة السلطة المحلية لا على أساس إعادة هيكلة المؤتمر كتنظيم سياسي.
تصوروا حجم الكارثة فبعد أن كان المؤتمر مستقلاً شكلياً بقيادته المنتخبة أو مقره ومكوناته صار المؤتمر كائناًً مسخاً إذا لم نقل هجيناً من تزاوج السلطة المحلية بالتنظيم! فمنذ إعادة هيكلته والمحافظون ومدراء المديريات هم رؤساء هيئات المؤتمر التنفيذية، بمعنى آخر إن المحافظ أو مدير المديرية هما فوق قيادة المؤتمر المنتخبة وهما أيضاً مثل رئيس الدولة والحكومة والجامعة والمدرسة رؤساء للمؤتمر وبحكم وظيفتهما لا انتمائهما.
ولأن المؤتمر بهذه البنيوية الشمولية والبيروقراطية والغوغائية؛ فلقد كان لزاماً أن يكبر ويشيخ ويترهل لدرجة فقدانه لزمام حركته وأدائه، لا أدري كيف سيواجه الرئيس مشكلة كونه لم يعد رئيساً للمؤتمر؟ يا الله ما هذه النهاية التراجيدية التي لم تكن يوماً ببال رئيس عد كل شيء خاصيته وملكه الدولة والحزب والبرلمان والقضاء والجيش ووووو.
محمد علي محسن
صالح لم يعد رئيساً للمؤتمر !! 2538