مع استمرار تأزم الأوضاع الأمنية في وطننا الغالي، تتكالب الانتقادات على الثورة، وتُشهر الأسئلة الانتهازية في وجه مريدي الثورة ودعاة التغيير ويرتكز كل ذلك في سؤال جوهري واحد تتنوع عنه أسئلة فرعية: هل هذا هو التغيير الذي تريدون ؟! هذه الدماء وهذا الخراب وهذه الفوضى... هل هذه ثمار «االثورة» الذي تأملون ؟! هل كان الوطن في عهد صالح أسوأ منه الآن؟ ثم يسوق هؤلاء المتسائلون أمثالاَ، وحكماَ، في تقبيح التغيير حتى لو كان للتصحيح، وتجميل الثبات حتى لو كان على خطأ!.
لنتذكر دوماَ، أن كل حركات التغيير لم تصنع مدناَ فاضلة أو فراديس أرضية، لكنها قامت لتغيير واقع سيء إلى واقع أفضل منه، وأحياناَ، إلى واقع أقل سوءاَ.
ورغم هذا فإنه لا يمكن نفي وقوع بعض حركات التغيير في فخ تغيير الواقع السيء إلى واقع أسوأ، قد يحدث هذا، لكن الأصل في فكرة التغيير هو التحول من سيء إلى حسن، من فساد إلى إصلاح، من دولة عسكرية إلى دولة مدنية حديثة.
«الثورة الشبابية » لن تجلب الملائكة، ولن تطرد الشياطين. ومن يظن ذلك فهذه مشكلته وليست مشكلة الثورة!.. فهنا نجد الغرب الذي مرّ بتحولات وإرهاصات عديدة من أجل الوصول إلى ما هو عليه الآن من آلية منضبطة في إدارة المؤسسات الحكومية والمدنية، لم يتحول إلى مجتمع ملائكي خالِ من الأخطاء والتجاوزات، فالرئيس الفرنسي شيراك، وريث الثورة الفرنسية، قُدمً إلى المحاكمة بتهمة فساد، ثم حكم عليه بالسجن رغم عجزه الصحي لا ليسجن فعلياَ، ولكن لأجل، كما أعلن رئيس المحكمة، إثبات أن الناس متساوون أمام القانون، وبعد صدور الحكم تبكي ابنة شيراك بحرقة على هيبة أبيها، ثم تستدرك بالقول: لكنها العدالة الفرنسية ولا بد منها!.
وقبل شيراك وبعده وقعت وربما ستقع تجاوزات وتحايلات في المجتمع الغربي الديمقراطي «المتقدم»، وهنا السؤال الكبير: ما هو التقدم؟ هل هو تنظيف المجتمع من الفاسدين وأعوانهم وخلّوه من الأخطاء؟
هذا مطلب صعب المنال يتنافى مع الطبيعة البشرية لكنه ليس مستحيلاً إذا وجدت العزيمة والإرادة والقناعة وحب الوطن.
التقدّم: هو الإيمان بديمومة وجود الفساد وأعوانه في المجتمع، وبالتالي وضع القوانين والأنظمة القادرة على محاسبة كل من يقترف سلوكاَ، شيطانياَ مفسداً.. مهما كبر أو صغر لردع كل من تسول له نفسه العبث بأمن واقتصاد هذا الوطن.
التغيير المنشود والمأمول في يمننا الحبيب الآن ليس هو جلب الملائكة ولا طرد الشياطين، بل إنشاء المؤسسات وتطبيق القوانين التي تحاسب تلك الشياطين التي تنشر الفساد في ربوع وطننا وبين أبناء ثورتنا.
ليست المشكلة حالياً هي في فساد من سبق من نظام شيطاني فاسد، فقد يأتي بعده من هو مثله أو أكثر فساداً. المشكلة هي في عدم وجود المؤسسات والقوى التي تستطيع تطبيق أنظمة محاسبة الرئيس وعنتريته ومن على شاكلته من المسئولين، كما حدث للرئيس الفرنسي، وهذا هو ما يجب أن تصنعه الثورة الشبابية.
أيها الشباب الثائرون: لا تنشغلوا بقطع الرأس فقط عن إصلاح الجسد كله.