;
د. ضياء العبسي
د. ضياء العبسي

دور العمل النقابي في ثورات الربيع العربي 3248

2012-04-09 03:05:18


اعترف القضاء الإداري الفرنسي من خلال أحكامه الصادرة في 13/حزيران/1938م وحكم منبور (monpeur) في 3/تموز/1942، باعتبار أن التنظيم النقابي مرفق عام وحكم (بوجان) الصادر من مجلس الدولة الفرنسي في العام 1943، الذي اعتبر النقابات المهنية مرافق عامة وذلك وفق الاتجاه الحديث للفقه الإداري الذي اخذ به كبار فقهاء الفقه الإداري أمثال "دوجي" و"جيز" الذي عرف المرفق العام أنه "نشاط" وأفضل التعريفات التي قال بها الفقه الإداري الفرنسي للمرفق العام هو تعريف الفقيه الفرنسي المعروف "فيدل"، حيث عرف المرفق العام أنه "نشاط يستهدف إشباع الحاجات العامة".
ذلك أن النقابات هي "المرافق التي تتخصص في الإشراف على نشاط مهنة معينة ويخولها القانون بعض امتيازات السلطة ويعهد بإدارتها إلى أعضاء منتخبين من أبناء هذه المهنة ويلزم من يمارسها بالانضمام إليها وتتمثل هذه المرافق المهنية في النقابات والغرف المهنية كنقابة المحامين والغرفة التجارية".
  وتتولى النقابة تمثيل المهنة أمام الغير وتقوم بالإشراف على التنظيم الداخلي للمهنة وإصدار اللوائح والقرارات اللازمة لذلك وتراقب القيد في جداولها الزمنية بالنسبة للأعضاء الجدد الذين يرغبون في ممارسة المهنة بعد التأكد من توافر الشروط المطلوبة فيهم وتخضع في ذلك لنوع من الوصاية الإدارية تمارسها السلطة التنفيذية ضماناً للصالح العام وللنقابة حق تأديب أعضائها الذين يرتكبون جرائم وظيفية وتخضع القرارات التي تصدرها النقابة لرقابة القضاء الإداري.
أما من حيث القانون الذي يحكم شؤون النقابات، فإن كافة المسائل المتصلة بتنظيم المهنة تخضع لأحكام القانون العام وما عدا ذلك من أعمال النقابات كالمتصلة بالعاملين فيها ومعاشات أعضائها وأموالهم الخاصة وعقودهم فتحكمها قواعد القانون الخاص وبذلك فإن النقابات تخضع في أعمالها وممارستها لنشاطها النقابي لحالة من "الازدواج القانوني"، حيث تخضع في بعض أعمالها القانونية للقانون الإداري بينما تخضع في أعمال قانونية أخرى تصدر عنها للقانون المدني.
 ومن الوسائل الأساسية التي تستخدمها النقابات في الوصول إلي حقوق أعضائها "الإضراب" وهو حق قانوني مشروع تجيزه العديد من الدساتير والقوانين في مختلف دول العالم وتحرمه البعض الآخر منها ومن الدساتير والقوانين التي تجيز للنقابة استخدام هذا الحق في سبيل الوصول إلى حقوق أعضائها الدستور والقانون اليمني وإن كانت بعض الدساتير والقوانين تحرم اللجوء لهذا الأسلوب واستخدامه في العمل النقابي -منها بعض الدساتير الفرنسية- فهي تسند في تحريمها هذا على مبدأ أساسي وهام من مبادئ المرفق العام هو مبدأ "انتظام سير المرفق العام".
    والسؤال الذي نحاول الإجابة عليه من خلال هذا المقال هو: هل يجوز للنقابات استخدام "الإضراب " في الواقع الثوري وفي ظل "شرعيه ثورية" وبالتالي تعطيل سير المرافق العامة خلافاً للمبدأ الأساسي الذي سبق الإشارة إليه وهو مبدأ"انتظام سير المرفق العام" أم لا يجوز ذلك؟.
من ناحية أخرى: هل طورت النقابات من عملها النقابي خلال فترة الثورة اليمنية؟ وما مدى دور العمل النقابي في صنع ثورات الربيع العربي؟.
وأخيراً: ما هو الفرق بين "الإضراب " و" العصيان المدني"، خلط البعض خلال أحداث الربيع العربي بين "الإضراب " و"العصيان المدني " رغم أن لكل منهما نظاماً قانونياً خاصاً به يميزه عن الآخر يحدد وقت اللجوء إليه ويتلاءم مع طبيعته الخاصة به.
    وقد أشار الأستاذ القدير والنقابي البارز الدكتور/ عبدالله العزعزي في إحدى المقابلات التلفزيونية على قناة سهيل إلى عدم جواز تعطيل العملية التعليمية باستخدام وسيلة الإضراب لما في ذلك من أضرار بالغة بالعملية التعليمية تلحق بأبنائنا الطلاب أمل المستقبل وبناة الغد.
 وقد برر رأيه السابق بأنه لم يسبق وأن قامت إحدى الثورات خلال تاريخ دول العالم أجمع بتعطيل العملية التعليمية في إطار أسلوب ثوري يهدف إلي تحقيق أهداف الثورة رغم ما تضمنته أهداف الثورة من مبادئ سامية.
 وقد دعاني ذلك إلى مناقشة كل من "الإضراب" و"العصيان المدني" مناقشة قانونية ومحاولة التمييز بينهما لنستطيع من خلال ذلك الوصول إلي إدراك مدى الجهد النقابي في صناعة ثورات الربيع العربي ومن ناحية أخرى مدى التطور الذي أصاب وسائل العمل النقابي من جراء تأثير هذه الثورات؟.
كما سبق وأن وضحنا أن "الإضراب" هو وسيلة قانونية تجيزها عدد من الدساتير والقوانين للنقابات لاستخدامها في عملها النقابي من أجل الدفاع عن حقوق أعضائها واستيفائها كاملة وهي تستند في ذلك على أساس "المشروعية الدستورية والقانونية " التي تحدد أساس الدولة القانونية وتحكمها.
وهي بذلك تكون أمراً مختلفاً تماماً عن "العصيان المدني" الذي يعود في تاريخ نشأته إلى "مهتاما غاندي" ومبادئه السلمية في مقاومة الظلم والذي صاغ من خلاله أسلوب "العصيان المدني".. وبالتالي فهو عمل سياسي ونظرية سياسية ترسم وسيلة سياسية وليست قانونية كما هو شأن الإضراب.
وفي ظل هذا الإطار القانوني الخاص بوسيلة "الإضراب" كوسيلة قانونية ليست سياسية، فمن السهل أن تذهب بعض الدساتير والقوانين إلي تحريم الإضراب وهي تستند في ذلك إلي أهم مبادئ المرفق العام التي يقرها القانون الإداري وهو مبدأ "انتظام سير المرفق العام"، حتى لا يتوقف سير المرفق العام وتتوقف خدماته التي يقدمها للجمهور ويتعطل الهدف الذي من أجله أنشئ وهو "خدمة الجمهور" وذلك باعتبار أن "المرفق العام" هو صورة من صور النشاط الإداري للإدارة العامة.
وفي ضوء ما سبق توضيحه فإن "الإضراب" كوسيلة قانونية تختلف عن "العصيان المدني" الذي يمكننا تحديده "بالوسيلة السياسية" وفق التوضيح السابق يمكن للنقابات الاعتماد عليه في ممارسة العمل النقابي في ظل الظروف الغير عادية "الثورية" استناداً إلى "الشرعية الثورية" وهي أساس مختلف تماماً عن الأساس الذي تم الاستناد إليه في إجازة الإضراب أو منعه وذلك لاختلاف كل وسيلة في الطبيعة الخاص بها، فالأولى ذات طبيعة قانونية والأخرى ذات طبيعة سياسية.
 ولابد هنا من الإشارة إلي أهمية "العصيان المدني" ودورها كوسيلة هامة ومؤثرة لتحقيق أهداف الثورة في أطار مظاهر السلمية التي تناسب متطلبات العصر وتتفق وأساليبه المبتكرة البسيطة القادرة على إفناء الظلم بأقل التكاليف الممكنة من خلال استخدامه في ثورات الربيع العربي.
وقد حققت هذه الوسيلة تطوير جهود العمل النقابي ومشاركاته في صنع ثورات الربيع العربي كما ساهم الواقع الثوري في تطوير هذه الوسيلة، حيث رئيناً صوراً جديدة لأسلوب العصيان المدني باعتباره الوسيلة الثورية الأساسية للعمل النقابي في كل من اليمن وسوريا.
* أستاذ القانون العام المساعد بكلية الحقوق - جامعة تعز.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد