استطعنا أن نختلق الأزمات وبجدارة.. أتقنا تنفيذها كما لم يستطع أحد.. وأتينا بما لم يستطعه الأوائل .. أعدمنا البترول والديزل .. رفعنا أسعارها حد الموت وأضفنا إلى ذلك النمو المتسارع للجريمة حتى تشكل لدينا قانون الغاب وبدى جلياً وبسبب هذه الأزمات تمكنا من التخلص من اليهود والمسيحيين والبوذيين الأجانب المتواجدين في بلدنا .. الله أكبر، تخلصنا منهم جميعاً وبدأنا نركض نحو الدولة المدنية الحديثة حيث الأمن والاستقرار والديمقراطية وحق المواطنة و..و..الخ .
توحدنا كعرب .. زرعنا أراضي السودان .. جعلنا لبنان ثكنة سياحية .. السعودية اختزلناها كقبلة فقط .. أقصينا العملاء وخائني الشعوب والعابثين بالأموال العامة والخاصة لتنفيذ سياسيات لعينة في حق الأفراد والمجتمعات .. ألغيت الممالك والجمهوريات وصار لنا اسم " الأمم العربية السعيدة " استشهاداً بالعربية السعيدة لما لليمن فضل وتواجد العرب العاربة فيه ومهد العروبة .. حررت أيضاً فلسطين وطرد آخر صعلوك إسرائيلي وانضمت للأمم العربية الحديثة صادرات الأمم العربية غزونا قارات العالم، تم اكتشاف كواكب جديدة في مجرتنا وأطلق عليهم باسم هذه الأمة .. استطعنا أن نوحد ثقافتنا وسلوكنا ابتداءً وارتكازاً من اللغة العربية الفصحى التي أصبحت مستخدمة في شتى بقاع الأمة العربية السعيدة وانتهاءً بالإصغاء لمدة ساعتين يومياً في أول الصباح لصوت فيروز كواجب أممي مقدس..
أمة صار الشبان والشابات -إخوة وأصدقاء وأحباب- يتقابلون في الطرقات والمقاهي العامة دون أن يلتفت إليهم أحد أو ينبس ببنت شفة للتعليق عليهم بخبث أو تكفيرهم.. أصبحت شرفات بيوتنا مشرعة للريح طوال اليوم ولا هنالك من يسترق النظر أو يتلصص على أحد ..
إن أزهقت حياة بشر واحد بأي حادث عارض، فبالطبع تهتز أركان الأمة من أقصاها إلى أقصاها غاضبة ومنزلة الوعيد بمن تسبب في هذا ..
أمة تشترط على أبناءها من أجل الحصول على الهوية أن تكون هناك شجرة يزرعها في هذا البلد وأن يعتني بها وتسحب منه الهوية فيما إذا "يبست" نتيجة إهماله .. إضافة لاشتراط الجامعات والمدارس على كل فرد من منتسبيها من الهيئة التعليمية والإدارية والطلاب زرع شجرة أخرى.
أمة أصبحت تمتلك في مدارسها ملاعب وقسماً للفنون والمسرح وعيادات داخلية وصيدليات ..
أمة نبذت من أبناءها من حاول العبث بها أو كذب أو سرق أو من تلصص على شباك جاره أو رمى بكيس الشوكولاتة خارج برميل القمامة، أمة أصبحت المناصب السياسية والسيادية أمانة في عنق حامليها وتسخر كل الإمكانيات لخدمة الإنسان كفرد وكمجتمع .
وبعد هذا انتفضت الأمم الغربية على حكامها وأنظمتها نتيجة الظلم المغدق والفساد وانتشار الرشوة... إلخ.
وانتظرت هذه الأمم من أمتنا العربية السعيدة أن تحدد موقفها وتندد بجرائم حكامها ودعوتها لتصدير الديمقراطية إلى شعوبها -أي إلى الغرب- وبهذا صرنا نتطلع إلى تلك الشعوب الغربية النائية بعين الرحمة لما يحصل في بلدانهم من انهيار وإرهاب واستبداد، استقبلت أمتنا بعض اللاجئين السياسيين والإنسانيين، حاربنا الإرهاب ودعمنا الشعوب الغربية من أجل الحصول على حقوقها .
في أمتنا يحصل الجندي والمدرس على رواتب مغرية مع تأمينات عامة وشاملة، أضف إلى ذلك الاحترام والتقدير من قبل عامة الشعب.. انتشرت في شتى بقاع الأمة العربية السعيدة مراكز أبحاث مسخرة لكل الشباب مؤهلة بكوادر علمية مؤهلة للإشراف على الأبحاث والمخترعات.. ذابت في أمتنا القبيلة واختفى الشيخ والوصي الديني وحرم امتلاك قطعة سلاح، وخلت البلد من صوت أي طلقة "قح بوووم" وهكذا أصبحنا خير أمة أخرجت للناس.
أحمد حمود الأثوري
اختفاء الأمم الغربية وبروز الأمة العربية السعيدة 1903