كل يوم يركب مئات الأشخاص الحافلات العامة ذهاباً وإياباً.. كل يغدو لوجهته.. أمضي نصف ساعة في الحافلة في رحلة الذهاب والإياب من وإلى منزلي معظم أيام الأسبوع في متابعة أعمالي.. الحافلة تشبه صندوق الدنيا, مسرح صغير يختزل المجتمع.
في خضم الثورة كان يحلو للبعض تحويلها لصالون نقاش بين المؤيد والمعارض, وأحياناً كانت الأصوات تعلو بالألفاظ النابية وتوشك أن تمتد الأيادي.. وهنا يرتفع صوت لبعض العقلاء يدعو الجميع للتروي والكف ..
ويحسم أحدهم الموقف فينزل ويترك الحافلة مغضباً، فيتبعه من أزعجوه بنقاشاتهم وألفاظهم القاسية بسيل من الاعتذارات!!.
تلطف البسطاء من شعبنا الرقيق اللين..
وتصل الحافلة بسلام إلى الموقف ونغادر جميعنا، كل يؤدي دوره في صناعة الحياة.
وهناك في القمة على هذه الأرض الطيبة لم يكن يختلف المشهد لعقود من الزمن , صراع الفرقاء كانت تطبعه هذه الفطرة اليمنية بشيء من المرونة والتعقل والصبر الطويل , والتسامح والتنازل ووو...إلخ.
حتى ضاعت الكرامة واستبيحت سماء وأرض وبحار الوطن , وضاعت أشياء غالية، وقامت الثورة على غفلة من البعداء.. ولم يتغير شيء, بل ازدادت الأوضاع سوءً.. مازالت أصوات الطائرات (بدون طيار) تنشر الشؤم والخراب والموت على المدن والقرى التي تمر بها كما كانت تفعل قبل الثورة ..ومازالت تقتل الأبرياء بحجج واهية ليس لها مكان سوى على أجندة العملاء والدخلاء والطامعين في هذه الأرض البكر المتفردة بشعبها الفتي وكنوزها الخبيئة , وبموقعها الاستراتيجي.
كثير منا لا يفهم من ألاعيب الساسة إلا النزر القليل، غير أن الجميع يعرف أن أنفاس الكثير قد تقطعت في هذه الدوائر من الصراعات, والخطط التي تبدو عشوائية غير واضحة النتائج، الضرب وصل للعظم ..
أيها الساسة الكرام.. أيها الثائرون الأحرار: العالم الفوقي ليس حافلة للفرقاء البسطاء, ولن ينزل أحدهم باختياره وعن طيب خاطر ويترك الركاب يصلون بسلام.