يمر "يمننا" التعيس بمرحلة فاصلة في تاريخه السياسي الحديث، يرى المراقبون أنها مرحلة تشبه مهمة المارون إجباراً على أرض ملغومة، هرباً من الموت، فإما أن يصلون برعاية الخالق ومشيئة أقداره وإما أن يلحقهم الموت قبل ولوجهم تلك الأرض الملغومة بوباء تلك العقلية المسطحة بالغباء وداء الغرور والاستعلاء والاعتقاد بأن الوطن الذي منحهم فرصة الترزق عشرات السنين على حساب أمعاء شعبه الخاوية على عروشها واجبر على الصمت وهو مكلوم مظلوم مقهور من غيهم وطغيانهم الذي استمر طيلة عقود من الزمن كانوا فيها يكنزون أموال الشعب باسم النظام ويسرقون قوته تحت يافظة النظام ويصادرون أحلام أجياله المحبطة بفعل حكمهم الميمون بدعاوى القومية الوهمية، ويودعون مال المسلمين إلى خزائنهم الخاصة تحت طائلة الجهوية والعنصرية العمياء التي لو باستطاعتها هي أن تتكلم لعرتهم وأظهرت حقيقة واقعهم اللصوصي الفاضح، ولنشرت وقائع "عهرهم السياسي" الهمجي على الملأ.
ولكن ولأنهم بهذا المستوى فقد كان لزاماً على شعبهم أن يخاطبهم بهيهات هيهات أن تستمروا وهيهات هيهات أن تمروا بفعل نعيكم أو مناكم وهيهات أن تجدي تهديداتكم وتوسلاتكم الأنانية الضيقة، لأن الشعب قد ولد من جديد وأصر على المضي قدما في طريق ثورته المباركة وما مصير المنبوذين منه إلى البوار والخسران المبين، الكقيل بإيصالهم إلى تلك النهاية المهينة التي لم ولن يقبل أحد من سفهاء ساسة العالم أن يصل إليها، لأنها تمثل حالة فريدة وغير مسبوقة من الإفلاس السياسي والغباء الوطني وتشكل خطوة انتحارية كفيلة بالقضاء على كل تلك الادعاءات الوطنية الهوجاء التي طالما تداعى بها ساسة الأرض ورجال الحكم العسكر في وطننا العربي الموبوء بحيوانية تلك العقليات المتطفلة بكثرة على قيعان كراسي الحكم العربي..ولذلك فقد كان الأحرى بتلك العقليات أن تحتفظ لنفسها بقليل من بريق تلك الادعاءات ولو على أمل أن تساعدها ذات يوم في البقاء في ذلك الوطن الذي طالما تفاخرت زوراً وبهتاناً بحرصها عليه قبل أن يصدمهم الشعب بثورته عليهم في ذات صحوة عربية فريدة أيقظته منها خواء أمعائه المثقلة بأوجاع وهموم سكرة طويلة قادمة من عهد الوليد بن المغيرة على ما يبدو..
وهنا كان عليهم أن يقفوا عند حدهم ليسمعوا للملايين والملايين من شعوبهم وهي تزأر كالأسود الجائعة مطالبة برحيلهم ومهددة باقتلاعهم وعروشهم والاستعاضة بأجسادهم عن جوع عشرات السنين من طغيان حكمهم السياسي الفريد.. والغريب أن كل طغاة العرب فهموا لغة الزئير الثوري، إلا أنهم عاندوا وأصروا واستكبروا، وفي النهاية منهم من خاف فهرب ومنهم من تعالى فسجن ومنهم من أخذته العزة بالإثم فقتل شر قتلة ومنهم من فهم جزء من رسالة جوع وقهر شعبه فاستسلم لإرادته التحررية، غير أنه ترك لأفراد عائلته مواصلة لعبته السياسية القذرة بعد أن رسم لهم أقبح سيناريوهات الضياع وحبك لهم أغبى ذروات النهايات الأخلاقية والوطنية والسياسية المفترضة في عالم الوطن الذي طالما حرصوا على تمثيل دور البطولات الوطنية فيه، فكان حصار مطار صنعاء الدولي ومنع الرحلات منه وإليه واحدة من صور ذلك الانتحار العسكري، وأحد تلك المشاهد المسرحية القذرة التي رأينا نهايتها يوم أمس بعد أن تعرى ممثلوها أمام العالم وأدانتهم قيم السماء وذمتهم نسمات الهواء التي حاولوا دون جدوى إيقافها قبل أن تطالبهم دول العالم باحترام قرارات رئيس دولة أجمع عليه الداخل والخارج وأيدته العرب والعجم، وتعود شركات الطيران العربية العالمية لمطالبتهم بالتعويض عن خسائرها الإجبارية بعد غيهم السياسي المقيت، ويصبحون اليوم في رحمة الشعب وسماحة الرجل الذي رفضوا بكل بجاحة ووقاحة تنفيذ قراراته الرئاسية ويصيرون أمام عدالة قانون ينتظرهم بمكرمة حجمها "الإعدام" طالما صحت بطولتهم في تمثيل تلك المسرحية الهزلية المسيئة لليمن قيادة وشعباً وأرضاً وحضارة.. وربنا يستر علينا وعلى بلدنا من بقية مشاهد المسرحية الصالحية المقبلة، وعند لحظة انقشاع الأصنام الوطنية المتبقية وحتى ساعتها تصبحون على وطن لا تحاصره سوى نسمات الهدوء ولا تحيط به إلا أزاهير ربيع وطني مبشر بالخير والأمن والتطور والنماء.
aldaare2000@gmail.com
ماجد الداعري
اليمن يدخل مرحلة المرور الإجباري على واقعه الملغوم! 2038