"من لم يغتنِ في عهد الرئيس علي عبدالله عمره ما يغتني" جملة أطلقها عبدالقادر باجمال قبل أن يغادر كرسي الحكومة وبما يشبه الدعابة والمزحة مع ندمائه، كلمات قليلة ومؤدبة نسبياً مقارنة مع واقع زاخر بالفساد والعبث وكان يستلزمه القول: من لم يسرق وينهب في عهد فخامته الميمون لا بقي ولا كان.
قبل خمسة أعوام تقريباً كنت قد دعوت المجتمع الدولي إلى إنقاذ شعب اليمن من قراصنة القرار والحكم الذين هم أخطر مليون مرة من جماعة قراصنة صوماليين يجيبون البحر بقواربهم الخشبية وببنادقهم البسيطة التي لا تهدد وتخطف غير الصيادين الباحثين عن رزقهم، أما السفن العملاقة أو البوارج والزوارق الحربية، فلديها من القوة والحماية ما يكفي لتطهير المحيط والسماء من كل عدوان.
فقراصنة البر هم أشر وأخطر بالنسبة لنا؛ بل أجزم أنه ولولاهم لما وجد قراصنة البحر نظاماً – أعتقد مفردة نظام تستدعي مراجعة– عبثياً فوضوياً أحال البلد ومقدراته وثروته ودولته إلى مجرد هبة وعطية يتشاطرها رأس السلطة مع أبنائه وأشقائه وأصهاره ومواليه المقربين من دائرته، جميع هؤلاء وفي حقبة الرئيس صالح صاروا رؤساء شركات ومؤسسات اقتصادية وتجارية وبنكية وعقارية.
نعم في زمن فخامته صار الأولاد والأشقاء والأقرباء والأصدقاء لصوصاً ومافيات نهب منظم وقراصنة رعب وقتل، لم يبقوا ويذروا شيئاً إلا وطالوه بنفوذهم وسطوتهم، حين أرى عسكري الدولة محشوراً كفأر في دشمه تنتابني غصة وحسرة، كون حماة البلاد بهذه المهانة والاحتقار لآدميتهم وإنسانيتهم، فكيف لا أحزن وأتحسر على جنودنا البواسل؟ لا أدري كيف لمن فقد كرامته بمقدوره التضحية من أجل وطنه؟.
قيل أن الجائع لا يكون مخلصاً لوطنه، لكننا لا نشكوا من الجوع والفقر كي نبرر كفرنا، إننا نعاني من جائحة أكبر وأعظم، فاقة شديدة للضمير والشرف والأمانة والكرامة.. أتدرون ما سبب خراب وانحطاط المجتمعات؟ عندما تفقد القدوة الحسنة، من أين سيأتي الخير والازدهار ووطن فريسة تنهشه مخالب اللصوص والفاسدين؟ كيف سننهض ونتطور؟ وكيف سنحارب الإرهاب والفقر والجهل إذا ما كان البلد تقوده عصابة قراصنة لا همّ لها سوى السلب والحرابة؟.. تصوروا اليمن ضمن دول الخليج الغنية تسليحاً فيما تصنيفه معيشياً ضمن عشر دول إفريقية!.
أعجب كيف أن الجيش والأمن يبتلعان ثلث موازنة الدولة أو يزيد، يقابل ذلك جيش مهترئ ضعيف، بلا وظيفة، ألم يقل الرئيس السابق منتشياً: معي جيش بلا عمل، مجرد قوة للاستعراض في المناسبات أو لإخماد أي تمرد يهدد نظام الحكم؟.
في عهد علي عبدالله صالح بات قائد اللواء أهم من وزير الدفاع ومدير عقارات الدولة أهم ألف مرة من منصب رئيس الحكومة، قائد الأمن المركزي فوق وزير الداخلية وقائد الحرس والقوات الخاصة أكبر وأهم من قيادة الوزارة والبرلمان، قادة ألوية ومناطق وكتائب يشيدون قصوراً وتجارة من استقطاعات المرتبات ومن بيع الدواء والغذاء والكساء والوقود .
كيف لا يرفض قائد الجوية تسليم منصبه سوى بعد تدخل الأمم المتحدة؟ وكيف لا يرفض طارق ومهدي وضبعان والحاشدي وقيران؟ أحد هؤلاء القراصنة كان يقبض شهرياً 22 مليوناً فقط من بيعه دجاج الجُند والضباط غير المواظبين، ناهيكم عن مرتبات وغذاء وملابس أكثر من ألفي فرد، قائد أمني مقرب جداً من الرئيس قيل أن ما يستلمه من فارق بيع الوقود خلال الأزمة المنصرمة 23 مليوناً في اليوم الواحد.
لم أحدثكم بعد عن مليارات الضرائب والجمارك والنفط والديزل والعقارات والأسماك التي يعود ريعها لجيوب النافذين الفاسدين، قيادات عسكرية وأمنية تحرس شركات النفط بالدولار وتؤجر الجبال لشركات الهاتف بالدولار، ضباط كبار برتبهم ومناصبهم، لكنهم صغار وأقزام بسلوكهم العبثي المدمر لاقتصاد البلد ولثروته وموارده، أحدهم لم يكتف بحصته من الميناء ومن منافذ الجمارك ونقاط التهريب والقات؛ بل وصل به المقام إلى تأجير هاتف السجن المركزي أو عيادة الطبابة للخلوة الزوجية.
محمد علي محسن
قراصنة ولصوص 2346