ظلت أبين طوال العام المنصرم وشهور العام الحالي الجرح النازف في جسد الوطن اليمني,والدموع السائحة من أحداقها والأنات الموجعة التي تطلقها أحشائها على أمل أن يشعر باقي الجسد بمعاناة الجزء الهام فيها وعلى أمل أن يتداعى له بالسهر والحمى والتخفيف من آلامه التي نأت منها دواخله, إلا أن الجرح ظل ينزف والأنين والصراخ سمعه العالم الفاني ولم يحرك ساكناً في وطن مترامي الأطراف وشعب ظنناه سيثور حينما يسمع أنينه وصراخه, ليتسع هذا الجرح ويزداد النزف ويشتد الألم ويطال باقي الجسد ويحط رحاله وجحافله في "لودر" في دلالات واضحة تخبر أن جرح أبين لن يلتئم وأن نزيفها لن يتوق وأن عناءها في ظل صمت أولي الأمر سيطول وأن المعاناة لن تتوقف عند النزوح والتدمير والترهيب والجوع والدموع,بل سيتعدى ذلك إلى أن يصل إلى طمس الهوية "الأبينية" التي ظلت عصية رغم كل شيء..فهي أبين الكلام الذي تنطقه ألسنتكم والدماء التي تجري في أوردتكم والأنفاس التي تصعد من أحشائكم حتى وإن أنكرتم هذا وقلتم غير ذلك,وتخاذلكم وتجاهلكم لها ولأهلها وصمة عار ستظل مطبوعة على جباهكم ولعنة تظل تلاحقكم أينما ذهبتم.
أبين الجرح الذي ينزف أمام أعينكم وأبيتم تضميده, والأنين الذي سمعه موتاكم ,والدموع التي شاب منها أطفالكم, والآهات التي ذابت منها جبال الدنيا وهاجت منها أنهار العالم..أبين الأمانة التي ستسألون عنها يوم الحشر ويوم يختم على أفواهكم وتتكلم أيديكم وتشهد على أفعالكم وتواطئكم وتخاذلكم أرجلكم,يومها ستسود وجوهكم وسيبلغ بكم الخوف مبلغه وستتمنون لو تردون إلى الحياة لتنصروا أبين وتؤازروا أهلها..أبين اليوم تحتضر والكل يترقب لحظات موتها لينقض عليها وهي عصية على الموت وشامخة في وجه إنسكار والخضوع ولن تستجدي منكم رأفة أو شفقة أو رحمة، لأنه لا خير فيكم, فمن يخون أرضه وعرضه لأجل عرض من الدنيا قليل فلن ينفعك في شيء.. أبين اليوم رغم ما تعانيه وتمر به إلا أنها عزيزة وعصية وشامخة بكبريائها وكرامتها وصمودها وكفاحها وصبرها على النوائب وتحملها للشدائد ومواجهتها للأعاصير دون ضعف أو وهن أو انكسار، تواجه كل شيء بمفردها وتواسي مصابها بأملها في انفراج ضائقتها والخلاص من مصيبتها..
اليوم أبين تنظر إليكم بازدراء وشفقة وتقول في صمت أبلغ من الكلام لا يكاد يفهمه سوى الشرفاء من أهلها: أتظنون أنكم قتلتموني وأنكم قضيتم على عزتي وعذريتي, أتظنون أنني رضختم لكم وأنكم استطعتم كسر شوكتي, خانتكم ظنونكم وخابت آمالكم, والله إنني أشفق عليكم لأنكم بدوتم كالأقزام حينما وليتم الأدبار وخنتم أمانة الجبار,ولكن فلتعلموا أنني مهما تكالبت عليّ الهموم وفتكت بي الأسقام, واستبدت بي الآلام سأظل أبين التي يعرفها الكل حتى وإن امتلأت أدوية الدنيا من دمائي وأيقظت العالم الفاني صرخاتي وكثرت أطماع أعدائي..وجل ما أرجوه أن تقول للعالم أجمع أنني شوكة في حناجركم ولن أكون لقمة سائغة في أفواهكم, وأعلموا أنني أرض المدد.
فهد علي البرشاء
أبين الجرح النازف في جسد الوطن!! 1787