إبليس الكائن المتواجد طوال الوقت، له من الخطورة ما يجعل الأمور تختلط في ذهنك، فترى الخير شراً والشر خيراً، دءوب بحركته للإيفاء بالعهد الذي قطعه على نفسه "بإغواء اكبر عدد بإمكانه التغلب عليه"، أخرج أبانا آدم من الجنة واستطاع أن يشككه بأمر الله وإغرائه بالخلود.. وهذا تأكيد لتعلقنا بالجسد وخوفنا من الفناء، وعدم اهتمامنا بالروح.
هبط بعدها أبونا آدم وكان في الأرض حينها إبليس واحد أودى بقتل نصف العالم - مجازاً- باقتتال هابيل وقابيل، والآن وقد احتوى عالمنا أباليس "بالهبل" من بني البشر "نزغات ومفحوسين ومشعبين" يبدو أمامهم إبليس -مشكوراً- كائن بريئاً، مهذباً "مسكين يقطع القلب " لو استطعنا رؤيته لوجدناه بثياب ممزقة لم ينهب أرضاً أو يغتصب حقاً، أما هذه الأباليس فقد قطعت على أنفسها عهوداً ومواثيق شيطانية كافية لإحداث دمار يقودنا لتجليات اقتراب الساعة.
أباليس في صعدة تزرع الألغام في الجوار لتحصد البشر، لا لشيء سوى لإفراغ شهوات الحقد الطائفية، وإنهاء لقطب مغاير لهم في هذه الأرض، وأباليس في أبين - مدعومة من كارهي الوطن - تشرد الأهل والصحاب وتقيم شرع الشيطان بذبح حماة الأوطان.
وأباليس تقطع الكهرباء، والطرقات، وأخرى لها "قرون ومخالب وأنياب " تستنزف ثروات البلد، تعبث كيفما نزواتها تملي عليها، تقتل، تشرد، ولا وازع يردعها أو يصرخ في أجوافها المفرغة "كفى عبثاً".
تحيك الدسائس، والفتن والمؤامرات، ضد من؟ ضد الإخوة والأهل من البسطاء والمقهورين من أبناء الوطن، نعم ضد هؤلاء فقط ، أقول فقط ليس لأن الفئة المستهدفة "زغيرة "، بل لأن نحن عامة الناس والسواد الأعظم بسطاء مقهورين، متسامحين حد السذاجة، نقبل بالفتات ونقول "عسنة ولا ماهلش، اتقرص العافية غيرك ما حصلش"، نتنفس الهواء وتداعب أجسادنا الشمس وتهطل الأمطار الموسمية ونظل مأسوري "جمالة" وامتنان لهؤلاء الأباليس الذين لولاهم لعدمنا الحياة كما هو معتقدنا.
ينقصنا الإيمان بالقضاء والقدر ولكن -"ولله في خلقه شؤون وسبحانه مقلب القلوب"- بالنقيض نؤمن بقدرنا فقط في حالة تبريرنا الساذج لمن نهشوا جسد البلد، ونطأطئ رؤوسنا خاضعين لإرادة الله وقدرته التي رسمت هذه الحياة لنا ولو كان لنا في متن الكتاب حياة أفضل لكنا عشناها، "ونعم الإيمان خضوعنا واستسلامنا لمن يسلبنا الحياة".
مسرح الحياة مليء بهذه المخلوقات المشوهة، أمام انقراض الكائنات الملائكية المحلقة بجناحي المحبة والتسامح، وظل السواد الأعظم منا لا يدري، أي الدروب تصل به إلى بر الأمان بعد أن شهوت الفطرة وأصبح الحديث عن الفضيلة والتعامل بها مدعاة للسخرية والاستهزاء، فنظرنا بعين الاستخفاف لمن ذرفت دموعه - حزناً وخوفاً على حال بلد عظيم منجز إلى حافة الانهيار، وما فتئنا نمشي بدرب رسمته لنا الأباليس بخطط خبيثة كمصيدة تغرقنا بالاقتتال والتمزق ومن ثم الفناء.
إلهنا الودود الرحيم، نسألك باسمك الأعظم الذي إذا سألت به أجبت أن تجنب اليمن الانزلاق في مستنقع الاقتتال وأن تقيد الأباليس اجمعها وتعيننا على بناء وطننا والحفاظ عليه من التمزق والخراب، والحمد لله رب العالمين .
أحمد حمود الأثوري
عمود: حقول ملغمة شكر إبليس!! 3075