ما من شك بأن فعل التغيير حدث تاريخي كبير وإن شابه قصور، وإن مسألة التوريث انتهت تماماً ولم يعد لها ولا للنظام السابق قدرة على الصمود في وجه قوى التغيير وعلى وجه الخصوص الساحات التي شكلت مستوى من المناهضة للقديم غير مسبوق في التاريخ المعاصر على الأقل بالنسبة لليمن، وأن هذه الساحات أنتجت متغيراً مهماً يتسع نطاقه ليكون في حضوره بحجم التطلعات اليمنية وهي تتجه صوب المستقبل بإرادة باسلة سجلت في تموضعها تضحيات جسيمة لا يمكن ولا يقدر أحد إنكارها مهما تحايل أو ذهب يميناً أو يساراً، فالتضحيات تبقى ملهمة لكثير من القوى الشبابية المناضلة لمزيد من فعل التغيير، والبقاء في الساحات حتى استكمال الثورة وما خرج من أجله المناضلون، ولا يستطيع أحد أ ن يثني هذه الإرادة الشابة عن المضي إلى حيث تريد وهو الخروج من قوقعة الماضي وأجندته المتخلفة إلى حيث الديمقراطية وممارسة وعي ناضج غير قابل لتزوير وتزييف إرادة الجماهير بأساليب الترهيب والترغيب التي تعطلت تماماً اليوم وصارت تاريخاً من السلبي الذي يجب تجاوزه عبر الإرادة والتصميم والعمل الحي المناهض لكل (عداد) يريد أن يبدأ من جديد على حساب شعب وتطلعات وطن، وهو أمر بات اليوم غير قابل بأي حال من الأحوال لأن يتحقق وثمة قوى نضالية قدمت ما عجز عنه الآخرون وأذهل النظام السابق وجعله يعيش أزمات حقيقية في البحث عن خلاص من إرث من الطغيان الكبير الذي أزداد إبتداءً من جمعة الكرامة وما بعدها، ليبقى ذلك الذي وقع في فخ العنف والإرهاب في حالة خبل عقلي وبحث عن مخارج ربما لم تغنه بالمستوى المطلوب المبادرة الخليجية، ورأى فيها بعد طول تأمل متواليات لم تكن تخطر على باله،وربما هذه المتواليات قادته إلى إنفعالات أوقعته في مزيد من العثرات والهنات التي تدينه لما يسمى بعد المبادرة، حيث أثبت عدم قدرته على فهم التحولات والتطبيع معها بحيث يخرج وهو في مأمن ولعل ذلك قد استفادت منه القوى التغييرية المناضلة وفي المقدمة من انحاز للشعب وقضاياه العادلة الجيش اليمني الحر بقيادة المناضل البطل اللواء (علي محسن صالح الأحمر) الذي استطاع بنفاذ بصيرة ورؤية منهجية وقدرة عالية من الذكاء والمناورة أن يجر النظام السابق بكل قواه إلى حالات إنفعالية خالصة استفاد منها بقوة الجيش اليمني الحر، ففي كل حالة إنفعالية وقع فيها النظام السابق كان ثمة نصر يتحقق بتمهل وتبصر وحكمة عجز الآخرون عن التعامل معها ليبقى النصر هنا، حرب قيم أولاً، وصبر ودربة على إقتناص مساحة العجز لدى الآخر وإحضاره إنفعالياً إلى مواقع يفقد من خلالها صوابه وبالتالي يحدث الإضافة من النصر..
وهكذا نجد أننا إزاء خبرة عسكرية واعية ومتمكنة تمثلت في قيادة الجيش الحر رغم فارق الإمكانيات التقنية والعسكرية لصالح النظام،إلا أن ذلك لم يستطع أن يحدث تقدماً ولو بسيطاً، لتغدو المسألة هنا تكمن في الإيمان القوي بعدالة التغيير ورفض الظلم والفساد والاستبداد، وهو ما برز لدى الجيش الحر وغاب عن النظام السابق، والأمر الثاني المرتكز الأهم المتمثل: في الساحات الشبابية التي صمدت في وجه آلة العنف وعنجهية النظام وغرور المصطفين معه والذين قادتهم لحظات الغرور إلى مستويات العجز عن التفكير.. وإذاً ثمة قوى نضالية تمثلت في الساحات الشبابية، شكلت قوة جبارة من الصعب اقتلاعها وناهضت الظلم حد كشفه وجعله يعيش أزمة البحث عن مخرج يقيه المساءلة.
وفي ذات السياق الجيش اليمني الحر وقيادته المجربة وذات الخبرة العسكرية المتقدمة على آلات الدمار والتي ساندت ودعمت وحمت ساحات التغيير وقبلت بالمواجهة،بصبر وبسالة نادرين، من أجل أن تبقى للثورة جذوتها وتحقق انتصاراتها، وعلينا هنا أن نعترف بأهمية إنحياز الجيش الحر وقيادته للثورة وفعل التغيير وأثر ذلك في تعطيل ملك كان عضوداً وقابلاً للتوريث، وفي حماية الشباب من آلة الغطرسة والجبروت لتبقى الساحات تعج بالأناشيد الثورية والمواقف البطولية والانتماء المتوالي إلى الثورة،وتشهد بذلك زخماً أكسبها عنفواناً لا نظير له بفعل تآزر الساحات والجيش اليمني الحر ولا يمكن لأحد كان أن ينكر هذا التعاضد وهذه الرفاقية النضالية وهذا التوجه الحكيم في قلب الموازين لصالح التغيير والقوى التحررية ..ومن يذهب إلى محاولة التشكيك في هذا التلاحم إنما هو ينحاز إلى الزيف وإلى من يرغبون في تشويه القوى النضالية الحية ويغطون عين الشمس بغربال، فالتاريخ اليوم لايقبل التزوير وثمة مواقف بطولية ونضالية فاعلة وثمة استعداد كان وما يزال للتضحية من أجل أن ينتصر الشعب لإرادته وثمة نصر مؤزر تحقق بفعل هذا التعاضد الكبير والقوي بين الساحات الشبابية والجيش اليمني الحر وقيادته البطلة اللذين شكلا مواقف شرف لا نظير لها في مسار التحولات اليمنية المعاصرة وقدما أنموذجاً مهماً في كيفية الانتماء بشرف ورجولة وإيمان إلى الثورة وأهدافها الخالدة بعيداً عن العصبوية أو عن المناطقية.
وتفخر الثورة إنها هكذا إيمان ونضال وعمل وقوة في مواجهة الطغيان وإرادة مصيرية حققت وتحقق ما كان ينظر إليه أنه معجزة بفعل أدوات الغرور التي وصلت في إحدى مراحلها إلى تحدي وطن بأسره،في أن (العداد) سيتم قلعه، في إشارة كبيرة إلى الإنقلاب على الثورة والجمهورية وإلى التحول بهما إلى الوراثة، فيما الجماهير تئن من جور وظلم ومن قوى طاب لها المقام في تجاهل متطلبات شعب وعملت من أجل مصالحها الذاتية ومن باب الإنصاف للتاريخ لقد كان للجيش اليمني الحر وقيادته البطلة دور غير عادي في الانتصار لإرادة الإنسان.. وفخر هذه الثورة ومن ناضل في الإنتصار لها وعمل من أجل التغيير الجذري بوعي ومنهجية، أنها ضمت بين دفتيها هذا التنوع الكبير من القوى الشبابية والسياسية والعسكرية،وكانت في تناغمها وقناعاتها تمثل مفخرة اليمن اليوم، لأنها أكسبت الثورة صلابة وقوة لتمحو أولاً- وإلى الأبد ـ أي تطلع للتوريث سابق أو لاحق.. وثانياً: أعادت للثورة اليمنية (سبتمبر وأكتوبر)حيويتها ومركزية أهدافها وتمثل هذه الأهداف على الصعيد العملي: وثالثاً: أنها أكدت على الحقوق والحريات بقوة وليس ادعاء ونادت وبقوة في الانتصار للقضية الجنوبية بصدق وشرف مسؤولية وعمل وبلا اشتراطات أو مناورات أو تكتيكات.. ورابعا: إنها تدعو وتعمل وبقوة أيضاً من أجل حوار وطني يعمل على حل كافة القضايا الراهنة ويعالج مظالم سابقة وتحولات مستقبلية وبما تفرضه الضرورة والحاجة ومن منطلق شراكة ومواطنة متساوية واعتراف بالآخر.
ولعل هذه الأمور تشكل قفزة حقيقية في تاريخ النضال الوطني، وتشكل أيضاً رهاناً على أن القادم أفضل وعلى أن الغد يقبل بالجميع ويتيح تكافؤ الفرص دونما تمييز عصبوي أو مناطقي أو طائفي.. وفي كل هذا تكون الثورة والقوى النضالية قد حققت متواليات لا يمكن بأي حال من الأحوال الإستهانة بها وعملت على إضفاء شرعية وطنية ودولية للفعل الديمقراطي الأرادوي الناهض.. وهنا يغدو الانتصار المهم في انتخاب الرئيس (عبد ربه هادي منصور) رئيساً لجمهورية وبأصوات لم يسبق أن حققها نظام في تاريخ اليمن وهو ما يعني أن الرئاسة هنا وشخصية الرئيس تمثل المفهوم العميق لوحدة الوطن وللخروج به من حالة الفوضى إلى النظام، ومن الدكتاتورية وصورية الانتخابات، إلى ديمقرطية حقيقية جسدت إرادة شعب وعبرت عن طموحات الجماهير وثقتها في الرئيس (عبد ربه منصور هادي)..
وإذاً فإن مخرجات الثورة تكون في دلالاتها تعميقاً لوعي الشعب ومتطلبات ساحات التغيير، وتعبيراً عن إرادة النضال الوطني.. وهنا لا نستطيع أن نفهم إملاءات أي طرف باسم التوافق وما يذهب إليه البعض من اشتراطات لا تعبر مطلقاً عن إرادة ناخبين، وما يجب فهمه لهذه القوى التي تنطلق في رهاناتها الخاسرة من قولة: (التوافقى) أن رئيس الجمهورية اليوم يلتزم فقط بما من أجله انتخبته الجماهير وعليه وفي ذمته بيعة للشعب لابد أن يكون وفياً له وليس لمن يريدون التوافق غنيمة ومحاصصة وتقسيم وزارات ومناصب ومسؤوليات، إن هذا يخالف المعنى الحقيقي والكبير لإرادة الجماهير ولا يعبر عن مطالب الشعب، ولا ينبني في جوهره على تمثل كل تلك الأصوات.
وهنا ندرك أن رئيس الجمهورية (عبد ربه منصور) يعي جيداً المسؤولية التي تقع على عاتقه كرئيس للوطن اليمني من أقصاه إلى أقصاه بثقة يفخربها الوطن قبل رئيس الجمهورية، هذه الثقة التي تزيده يقيناً بعظمة التحولات الوطنية واستحضار التضحيات الجسيمة التي قدمها الشعب اليمني على مر تاريخه المعاصر والتي كان آخرها التضحية من أجل إزالة نظام أراد الإنعطاف بالثورة والجمهورية إلى مستوى آخر يحقق مطامع ومطامح التوريث التي عصفت بها وبقوة قوى النضال الوطني، أبطال الساحات والجيش اليمني الحر وقيادته الواثقة بالغد وبحتمية انتصار الشعب لثورته ووطنه، وهو الأمر الذي أوصلنا اليوم إلى مستوى متقدم معه تحققت إرادة وطن ..
وفي كل الأحوال مازال على الدرب ثمة ما هو مهم ويستدعي المزيد من المضي إلى الأمام وتعاضد كافة القوى الوطنية وتوطيد الثقة لمزيد من خلق مناخات نصر مؤزر، حتى تستكمل ما خرج من أجله شباب الساحات وسقط في سبيله العديد من الشهداء وآمن به الشرفاء والمناضلون الصابرون الواثقون بنصر الله وفي مقدمتهم الأخ المناضل الرئيس (عبد ربه منصور هادي) الذي استطاع أن يفتح عناوين تاريخية فشل في تحقيقها الآخرون، ليقف هو على ذرى هذا النصر ببيرق الوطن ووحدته قادراً على السير في اتجاه الحرية والعدالة وتحقيق طموحات كل أبناء الوطن في البناء والتقدم..
محمد اللوزي
انتهى التوريث 1875