كلما رأيت استعراضاً عسكرياً أو انتشاراً كثيفاً للجند والمصفحات استذكر قصيدة الشاعر احمد مطر الساخرة من عباس وسيفه وشاربه المتبختر بهما دوماً، فتارة يستل سيفه وأخرى يفتل شاربه، سرق عدوه نعجته وانتهك داره وهمَّ بمراودة امرأته، إلا أن عباس بقي في حاله يشحذ سلاحه ويهذب شنبه، سأله جاره عن دواعي احتفاظه بمهنده فأجاب: إلى وقت الشِّدة.
الحال أننا نشاهد نقاطاً وجنداً وأطقماً وأسلحة بكثافة ولكن وعندما تستدعي المصلحة الوطنية حفظ النظام العام كحماية الطريق أو الكهرباء أو حياة إنسان، فإن هذه الترسانة العسكرية والأمنية صعبة المنال، كأن مهمتها فقط قمع التظاهرات أو اعتقال السياسيين والصحافيين أو ضرب المساكن وترويع الأطفال والنساء في الريف والحضر.
جماعة تقطع خط عام بين عاصمتين وأخرى تسبب في فصل التيار العمومي عن محافظات الجمهورية ولأيام وأسابيع وأشهر، فيما قوات الجيش والأمن كأن مهمتها قتل المحتجين في الساحات والميادين أو ضرب قرى بني جرموز أو الحصبة وحدة في صنعاء أو إحراق المعاقين وقتل النساء في تعز، إن لم نقل حماية دار الرئاسة من ثعابين المعارضة، فلا قدرة لهاتين المؤسستين على تأمين طريق أو تيار كهرباء أو خدمة عامة، فعلى الرغم من انتشار هذه الترسانة الحربية على طول وعرض البلاد إلا أن آخر مهمة تناط بها هي حفظ النظام والسكينة العامة والممتلكات والخدمات.
محافظات البلاد وعاصمتها السياسية تعاني من قطع التيار العمومي المتكرر يومياً وأسبوعياً منذ سنة تقريباً ومع ذلك كأن مهمة هذه القوات والعتاد ليس حماية وسلامة الإنسان والطرقات والمنشآت والنظام والقانون وإنما مواجهة التظاهرات الاحتجاجية واستفزاز المواطن العادي وإهانته في بيته وحياته ! أسأل كم هم قتلى وجرحى التظاهرات مقارنة بقتلى وجرحى الخارجين والعابثين بالنظام؟.
ما حدث في الضالع من قتل وقصف للمنازل بدبابات ومدفعية متوسطة في يونيو 2010م ؛ كان شرارتها علم الدولة الجنوبية، نعم خرجت مدرعة من ثكنتها لنزع علم شطري من على ساريته الموضوعة خصيصاً لتظاهرة مناوئة للنظام القائم ؛ فكان ذاك اليوم المشئوم نتاجاً لهذه الحماسة والغيرة التي لا أعلم لماذا خفت وهبطت عندما تعلق الأمر بحماية أبراج الكهرباء وأنبوب النفط من التخريب المتعمد والهمجي الذي كبد الكهرباء 36مليار ريال وقرابة مليار دولار للنفط؟.
في إحدى المرات طلب مسئول في كهرباء الضالع من قائد عسكري حماية فريقه الفني كيما يقوم بإعادة الأسلاك التالفة جراء رصاص جنوده وقواته، فكان رد هذا القائد الهمام : احملوا البنادق واذهبوا لفك الطريق وإطلاق التيار، كيف وجه هذا القائد ترسانته الحربية إلى قرى ردفان وأحياء مدينة الضالع؟ وكيف امتنع ولمرات متعددة حين اقتضى واجبه فك طريق عام أو إصلاح تيار كهرباء؟.
تصوروا هذه القوات لا تستطيع تأمين طريق أو كهرباء ! فما جدوى انتشارها ووجودها على طول الطريق وعلى مسافة لا تتعدى عشرات الأمتار من أبراج الضغط العالي؟ ليت المسألة اقتصرت على قائد عسكري أو أمني! بل وصلت إلى كونها ثقافة تم ترسيخها في عهد النظام الفاسد - إلا من رحم ربي - فجند الدولة غير مكترثين بواجبهم إزاء التقطع والتهريب والتخريب وووالخ من الجرائم الجسيمة المقترفة جهاراً نهاراً.
فالحاصل أن عسكري الدولة يصوب سلاحه إلى فتيل الأزمة، فكما هو معلوم بأن لا قيمة له سوى في الأزمات، فمصائب قوم عند قوم فوائد، هكذا إذن فالعسكري ليست مهمته الطريق أو الكهرباء أو حياة الإنسان وحقوقه وإنما كم طلقة وكم مصيبة وكم نقطة وكم فائدة؟.
لا تسألوا.. لا تتعجبوا، فثقافة الجندي من ثقافة قائده الذي بكل تأكيد ثقافته تماثل ثقافة قائده الأعلى الذي نسي واجبه وذهب يفسد ويختلق الأزمات لشعبه كي لا ينازعه يوماً على كرسيه، فالبيضة الرديئة من الغراب الرديء والقائد الذي ينهب الأرض ويستولي على المعاش والغذاء والدواء ويبيع الديزل أو يهربه في ظرفية عصيبة كهذه ؛لا يأتي منه إلا جنوداً لا يفقهون واجباً أو فعلاً جميلاً.
اليوم وبعد هذه الثورة نتطلع إلى رؤية جيش وطني يحمي السيادة والشعب ومكتسباته من التخريب والعبث، نتطلع إلى أمن عام وظيفته حماية القانون والنظام العام من الفوضى والانتهاك والجريمة وغيرها من الأعمال الخارجة على النظام والقانون.
أستغرب كثيراً حين يصل التخريب والعبث إلى قطع إمدادات النفط والغاز والكهرباء والهاتف، فبرغم أن هذه الأفعال كبدت الدولة خسائر طائلة؛ إلا أن حماة الوطن والمواطن وكذا العيون الساهرة عن أمنهما واستقرارهما ربما لا تعني لهما هذه الخسائر شيئاً، فكما يقال الطبع غلب التطبع، فوظيفتهما وعقيدتهما وسلاحهما وقيادتهما خارج سياق الزمن الحاضر وخارج سياق المهمة والغاية الوطنية النبيلة.
محمد علي محسن
البيضة الرديئة من الغراب الرديء ! 2582