أمام تطلعات أبناء الوطن نحو تشييد دولة مدنية تحتكم من أقصاها إلى أقصاها لقانون لا يحيد عنه أحد، تقف أمام هذه الآمال القبيلة بوعيها وثقافتها، القبيلة بمقوماتها التي تضع نفسها كدويلة مستقلة وتحتكم للغة السلاح كقوة فاصلة في حصولها على ما تريد وتحتكم أيضاً لعادات وتقاليد بربرية محكومة بولاء مطلق لشيخ القبيلة الذي عادة ما يكون جاهلاً مستبداً، سنحت له الفرصة عبر سلسلة من الآباء والأجداد أن يكون في صدارة القوم، وعلى الرغم من أن هناك أخطاء في القبيلة تخلص منها ظاهراً بالاتجاه نحو العلم والتسلح به وهناك من استطاع القفز نحو بلدان أخرى والعيش وسط بيئة أخرى تختلف بثقافتها عن بلد المنشأ والمجتمع القبلي، لكن يبقى هذا التسلح بالعلم ضعيفاً ما إن تستدعي الأمور لعودة المتعلم للقبيلة، أو صدح نداء القبيلة في الأرجاء، فالثقافة الجديدة لم تستطع طمر الثقافة القبلية " ثقافة السلاح والفيد والاحتكام لتقاليد القبيلة وأعرافها المنافية للفطرة الإنسانية".
ينجو القليل من هؤلاء بتخلصهم شبه كلياً من القبيلة، ولكن ثمن هذا التحرر قد يصل إلى النبذ والإرهاب والإقصاء من قبل أفراد القبيلة، لذا ومن وجهة نظر متجردة وشخصية أرى أن يتم معالجة هذه القبيلة، بحيث تصبح عبر مدى زمني قابلة للتمدن "ما لم ستظل تراوح وتناور كعقبات أمام عملية الدولة المدنية الحديثة ككل".
القبيلة في اليمن تضع رأسها في رأس الدولة بعد أن أسس النظام السابق لجعلها قوية، حيث اعتادت -أي القبيلة- لممارسات حقيرة كالفيد والتقطع والخطف وضرب المصالح العامة وغالباً ما تساومها الدولة وتخضع لشروطها وتهبها السلاح كإجراء روتيني لأي صلح، حتى أصبحت ترى أن الدولة بقرة حلوبة تستطيع حلبها بأي وقت كلما رغب شيخها في استجلاب مصلحة مادية له ولقبيلته، وصولاً لعسكرة أفراد القبيلة وحصولهم على رواتب حكومية وتفريغهم للعمل كأتباع لشيخ القبيلة، وكان من عوامل قوتها إلى جانب دعم النظام السابق، دعم الأنظمة الخارجية لتنفيذ سياسة هذه البلدان وتحريك هذه القبائل بالاتجاه المرغوب بدافع وحافز الأموال التي تضخ لهذه القبيلة أو تلك، فتقاسمت البلدان المتآمرة على اليمن ورؤوس الأموال ولاء هذه القبائل وعمدت على غرس مفهوم: "القبيلة هي الدولة" من أجل إقلاق السلم والأمن العام وإرباك الدولة ودخولها في صراعات مستمرة مع القبائل.
ثم يأتي دور التطرف الديني وتوظيف الدين لتسويق الخرافة وتعزيز ثقافة الاستسلام لها في ظل المجتمعات القبلية المتخلفة، وتتعزز قداسة الشيخ الديني والذي بدوره يوظف هذا الدين في مجتمع عاطفي لتحقيق مآرب شيخ القبيلة، والدعوة للولاء والانقياد والخضوع.
وساعد على ذلك انتشار الجهل والأمية بهذه المجتمعات ما من شأنه تأصيل خرافات تصبح لها قداسة روحية، حقيقة قد تتعارض مسألة ما بين الدين والعرف لتنتصر الأعراف التي تعتبر قانون حياة القبيلة .
أهم المشاكل التي يواجهها المجتمع تتمثل في استمرارية سياسة البلد تحت إدارة الوعي القبلي وثقافة الغنيمة، مهما بدت لنا الخطابات السياسية منفتحة ومهما ارتفعت شعارات المؤسساتية البراقة .
عراقيل تقف أمام تطلعات الطاقات الشابة والنخب التي تحاول بناء دولة مدنية في ظل صراع قائم على إدارة الدولة وغنائمها وفي مناخ أتاح بقاء الدولة بهذا الشكل مدخلاً لإشباع رغبات الطامحين، أضف إلى هذا وذاك تحالف التاجر مع السياسي لإنتاج منظومة الفساد، مما مكن السياسي من التحول إلى تاجر، لتصبح الدولة فريسة لقوى انتهازية أمام دخول الشيخ ساحة السياسة والتجارة واستغلالهما معاً كوسيلة لتراكم الثروة لينتج عن هذا تحول سياسي مادي يصب في مجرى إنهاك الدولة ووصول القبيلة إلى سدة الحكم بطريقة أو بأخرى .
أمام هذه العوامل التي تقف كشوكة في حلق أي عملية تمدن يجب سحب البساط من النفوذ القبلي وإدراج قوى متمدنة تشمل الطيف اليمني وإعادة إنتاج التحالفات في مواجهة عراقيل القبيلة، وبعدها لا خوف من بقاء القبيلة كما هي، شرط احتكامها للقانون اليمني وليس لأعراف وقوانين خاصة بهذه القبيلة.
alnawras85@hotmail.com
أحمد حمود الأثوري
حقول ملغمة الوعي القبلي شوكة في حلق التمدن!! 3521