يزداد حزننا عليك صباح مساء، ولا نملك سوى صلوات نجيد أدائها في الثلث الأخير من الليل نبعثها لرب بصير سميع، يتفنن الجلاد في تحريك سوطه نحو روحي المتعبة، "طريق الشام" الذي أرهقته وقع أقدامي، أصبح ملاذاً آمناً للأشباح ومصاصي الدماء، "الدبلان" الذي اصطدت به ألف ابتسامة صبية حمصية، يراود باشتهاء "الغوطة" أن تمده بقبس حياة، الوعر بغابته الذي احتميت بها دهراً ضجرت من اختفاء الموت خلف كل جذع وساق، الحميدية وحوانيتها وروائح التوابل ما فارقتني، رغم انتشار روائح البارود في كل دار، البياضة وأشعة محبة آل البيت التي تملأ المنازل، الزهراء والأرمن وهما تتوسدان الصليب، بابا عمرو والصحاب هناك جميعاً يسهرون على لعب الورق، يشربون نخب "المتة" ويدخنون "الإركيلة" حتى صلاة الفجر.
 الإنشاءات، المحطة، الأوراس، تدمر، النزهة، كرم الزيتون، كرم الشامي، كرم اللوز، دير بعلبة، طريق حماه، ومنطقة الخالدية: وفيها مسجد خالد بن الوليد (ومقامه).. كل شيء تبدل منذ عام، واختفت رايات فريق الكرامة التي علت كل منزل، واختفى اسم ديك الجن، وبوح عمر الفراء.
حمص الوليد، تنام وتصحو على وقع القذائف، فتهتز "تدمر" التي تشهد آثارها بأنها عصية على التطويع، حاكمها الشاب فضل أن يكون -الكولونيل " كويتو"- في المكان الخاطئ، فسمح لمواليه وبعض معارضيه النهش بجسد عرين العروبة والعبث بتلك الطبيعة العذراء وتلك النفوس الغالية، وانتهزت الدول الخارجية الفرصة لتحقيق مآربها ومخططاتها المقيتة لتدمير العربية السورية وإشعال جذوة الطائفية، حناجر الشباب والصبايا مازالت تصدح في الفضاء الرحب برحيل النظام والمطالبة بحرية خنقت منذ عصور بأيدي نظام ديكتاتوري استخباري بحت.
حمص أخذت نصيب "الأسد" من الدمار وفقدان الأنفس الغالية، أطفال وشبان وصبايا في عمر الزهور، أريد لها أن تتحول إلى مقبرة وصولاً إلى قتل من وصلوها لرصد الأحداث من صحفيين ومراسلين .
حمص كمدينة منكوبة وسوريا كألم جامع تأمل أن يرى الجنرال النرويجي روبرت مود وبعثة الثلاثمائة مراقب ما حل بها وما تعانيه جراء الانفلات الأمني والتفجيرات التي تحدث بين لحظة وأخرى.
أصبح "الأربعاء" - وقد عيد الحماصنة- عزاءً دائماً، يدخل الموت إليها من باب عمرو ويغلق في وجهها "باب الدريب"، "وباب السباع"، وحشة الدبلان وشارع القوتلي تبعث في الروح مليون غصة.
أحقاً هذه حمص ؟! العين ترفض أن تصدق ما ترى، والعقل مرتبك على عتبات المدينة، حمص خذلناها بمواقف عربية ودولية هزيلة إن لم تكن حقيقتها تآمرية على إنهاك القطر العربي السوري، سوريا على حافة الدمار الشامل ومازال النظام السوري يرى أن لا مكان لسواه في هذه البلدة.. "الله، سوريا، الحرية، الكرامة".