كلما اتسم المجتمع بقدر أكبر من الديمقراطية الاجتماعية ازدادت كمية الأفكار المفصح عنها والمتصفة بتلك الأوصاف.
والشعب الذي لا يخاف من نتائج الإفصاح عن أفكاره شعب يتمتع بقدر أكبر من الحرية، شعب لديه قدر أكبر من الإباء والشموخ، لأنه شعب ليس معتاداً على كبت فكره وقمع شخصيته وقهرها.
سبق وأن أشرنا في مقال سابق إلى ما أورده الأستاذ/ محمد الحمّار من أن للعقل البشري تاريخيته ولا يمكن أن تستقيم دراسة عقول البشر والشعوب إلا من منطلق تاريخية الظواهر، بما في ذلك ظاهرة السلوك العقلي.
والفكر العربي في الوقت الحاضر من أنواع: فكر منقطع عن تراث الماضي وفكر يدخل فيه تراث الماضي وفكر خليط من الحاضر والماضي وفكر يحاول التوفيق بينهما وفكر غربي وفكر يحاول التوفيق بين الفكر العربي الحاضر والفكر الغربي، وهناك فكر عربي له أصالته وفكر عربي مستمد من الفكر الغربي وفكر يتفاعل مع الفكر غير العربي وفكر يتمثل هذا الفكر.
ولعل القاسم المشترك بين جميع وجوه الفكر العربي هو أنه يبعد على تفاوت عن الواقع العربي وعن المستجدات على هذا الواقع.
وحدث خطاب النهضة في واقع عربي متخلف منذ بداية القرن التاسع عشر، وكان الشاغل الأكبر لهذا الخطاب مواجهة صدمة الحداثة الأوروبية على نحو خاص، وهي الصدمة التي حدثت في العالم العربي وأجزاء أخرى من العالم الإسلامي، وقد سبّب هذه الصدمةَ الوافد الغازي الأوروبي في البداية، ثم الغربي، ذو الطبيعة الملتبسة الذي جمع بين التقدم العلمي والتكنولوجي والاجتماعي والسياسي والثقافي، من ناحية، والنزعة الاستعمارية والاستغلالية والعدوانية والسياسية والاستعلائية، من ناحية أخرى، وكانت إحدى سمات هذه المواجهة أن حاول السكان استيعاب هذه الصدمة بثنائية ملتبسة سعت إلى التلفيق بين التجديد والتقليد، وبين الوافد والموروث، والتأصيل والتحديث.
ولعل من الضروري دراسة الفكر العربي ذاته ولا يزال هناك تأثير متبادل بين ذلك الواقع والفكر.. إن لذلك الفكر دوراً أكبر في تفسير الواقع العربي والتطورات والأحداث التي شهدتها ولا تزال تشهدها الساحة العربية في مختلف المجالات وقدراً أكبر من التخلف العربي في المجال العلمي والاجتماعي وانعدام الديمقراطية أو ضعفها.
إيمان سهيل
حين يرفض الشعب كبت فكره وقمع شخصيته 1689