رحل صانع الحلوى الحاج/ علي سعيد القباطي عن دنيانا الفانية وعن عمر ناهز قرن من الزمن، مات الرجل الذي قضى 70سنة في صناعة الحلاوة، مات الحلواني في منزله في راهدة تعز دونما ضجيج، ودون برقية عزاء ونفاق ؛ كتلك التي نسمعها عادة في نشرة أخبار قناة اليمن وتنتهي دوماً بـ( قضى فقيد الوطن جل عمره في خدمة الثورة والوط ).
رحل الفقيد الذي خدم وطنه وشعبه وذاته وأهله بكل صدق وإخلاص، مخلفاً وراءه سمعته الطيبة وحلاوة شهيرة اقترن اسمها وماركة شهرتها بمسقط رأسه (القبيطة)، 18محلاً في الراهدة ومثلها أو أكثر تجدها منتشرة وموزعة على محافظات الجمهورية، 70فرداً هم أبناؤه وأحفاده الذين احترفوا صنعته، ناهيك عن مئات القبيطة الذين أخذوا عنه سر المهنة إلى كافة ربوع اليمن ؛ بل إلى الخليج وشرق أسيا وأوروبا وأمريكا.
أسأل : أيهما أجدر بالفخر والاعتزاز صانع الحلاوة أم صانع المرارة؟ رجل بنى شهرته وعائلته وتجارته بكد وعرق وصبر وأمانة أم شخص شيد مجداً وملكاً وتجارة من دم ونهب وسرقة شعبه ووطنه؟!. يا لهذه المقاربة الظالمة! مأساة فادحة حين نعلن كذباً ورياء بحزننا ومواساتنا؛ لمن لطش منا خيرات وطننا، وباع قوتنا، وأزهق أرواحنا، واغتصب أرضنا ومالن !.
أي وطن هذا الذي لا يبكيه رحيل نجبائه المخلصين؟! أي شعب هذا الذي ينعي لصوصه وقتلته وينكص علم بلاده إجلالاً وتوقيراً لرحيلهم؟! القباطي أشرف وأنبل وأهم من كل أولئك الفاسدين الناهبين الذين لم يبقوا شيئاً إلا وطاله عبثهم وجبروتهم، القباطي لم يقطع طريقاً أو يفجر أنبوبا أو برجاً للكهرباء، القباطي لم يتهرب عن دفع الضريبة وفاتورة الماء والكهرباء.
أعجب كيف أننا لا ندرك بفداحة رحيل القباطي وأمثاله ؟ فشعب لا يعرف الوفاء لرجاله المخلصين هو شعب لا يمكنه أن ينهض ويتطور، نحن كذلك سنظل محلك سر ما بقينا لا نقيم وزناً سوى للمخربين والعابثين.
حلواني قضى عمره صانعاً للحلاوة، يقابله زعيم صانع للمرارة، يا الله كم هي المقارنة خرقاء! حلوانيٍ يرسم البهجة في قلوبنا وآخر يزرع الرعب والخراب في حياتنا، راحل التحق بربه راضياً ومطمئنا بأن حلاوته لن تفنى بعده وراحل عن كرسيه مكرهاً ومع ذلك لا يريد أن يبقي لذاته شيئاً من كرامة واحترام بل ويكرس جهده كيما يصير لعنة ووصمة لا تمحى.
القباطي الرائع محمد أبو صابر واحد من صُنَّاع الحلاوة في شفاهنا وأفواهنا إنه واحد من إمبراطورية كبيرة ماركة أصالتها تكمن بـ(حلاوة القباطي)، ما من يوم رأيته عابساً ومتشائماً، في كل مرة ادلف فيها محلاته الواقعة في الشارع العام ؛ تصافحني ابتسامته وتواضعه.
فبرغم الكساد الذي أصاب مدينة الضالع إلا أن محله تجده قبلة لمرتادي السوق وللمسافرين وحتى طابور من النازحين الصوماليين الذين تراهم يستلمون مخصصهم اليومي دون منة أو نخيط ولعن مثلما هو حال صُنَّاع مرارتنا ووجعنا الذين نهبوا مليارات الدولارات، فيما حكومة بلادهم تتسول وتشحت ملايين الدولارات كي توفر للناس الغذاء والدواء والكهرباء والمعاش.
محمد علي محسن
صانع الحلاوة وصانع المرارة!! 2251