نتاج الثورات الحقيقية لا يأتي بعقول مفرغة، بل يتمخض عنها جيل متفتح مؤمن بالعقل وبتحريره من الرواسب العتيقة والبالية التي تعيق تحرره واستخدامه لخدمة البشرية.
ظلت أجيال مأسورة بعقول كل ما فيها "خواء " نعتنق العادات والتقاليد ونحتكم إليها أياً كانت مع أو ضد العقل.. ناهيك عن مدارسنا وجامعاتنا التي تواصل هذه المسيرة العظيمة نحو استبعاد العقول وتفريغها إلا من انهزامها وتركها أسيرة لثقافة حيوانية بربرية طائشة وتعمق لمبادئ الغش المقدسة.
عندما تجد فرصة للجلوس مع " رجل طاعن في السن " وتستمع لأحداث وذكريات الماضي لا تجد سوى أن تزفر الحسرات وتبرز حقائق كم وددنا خنقها وبجهد جهيد نحاول إخفاءها كي لا تكون عقبة أمام تطلعالتنا.
تسمع إلى هذا الكهل وهو يسرد حكايات لا تدع مجالاً للشك سوى أننا نتقدم للخلف بخطوات متسارعة.
نتمنى عودة الماضي العتيق، لكم كانت الدنيا أجمل وقلوب الناس أصفى وانقي!.. إحدى الحكاوي تعرضه للسجن لأنه أقدم على دفع رشوة كي يعجل بانجاز معاملته.. وحكاية أخرى عن تعاون الناس جميعاً لتشييد مدرسة واهتمام المجتمع بأسره بمسألة التعليم وجودته.. وتستمر الحكايات وتستمر بزفر ما تبقى لديك من أمل ..
من الظلم أن نصبح نغني على الأطلال ونتمنى عودة الماضي العتيق، بعد أن كان اليمانيون صناع حضارات وتم نشر العلم والدين بواسطتهم إلى بقاع عدة وصولاً إلى أقصى شرق آسيا، لم تعد مؤسساتنا التعليمية محراباً للعلم كما كانت واتكلنا على ما يؤتى إلينا من خارج مجتمعاتنا وتلهفنا عليه ليصبح مع الزمن ثقافتنا التي نؤمن بها وندافع عنها كيفما كانت، وهذه ما جعل أوراقنا الدينية تختلط مع العادات والتقاليد، فثمة نحتكم للدين وثمة أخرى لا صوت يعلو فوق العرف تبعا لأهوائنا وما يصب في مصالحنا.. لماذا؟ لأننا خربنا العملية التعليمية برمتها وأنشأنا أجيالاً لا ترتقي بالوطن بل تصبح عالة عليه وإضافة ثقيلة ترهق هذا البلد..
قبل حوالي شهر يبرز طفل من مدينة إب في الحادية عشر من عمره باحثاً عمن يساعده بتطبيق اختراعه بتوليد الطاقة الكهربائية عن طريق الحركة " ولكم نحن بحاجة ماسة للكهرباء " فكم من الأيدي امتدت إليه؟! سؤال يحرجنا جميعاً.. كم من الأطفال والشباب والرجال والنساء في اليمن كهذا الطفل المبدع؟! كم عقول دمرت وخربت وأحبطت ولديها من التفكير الإبداعي وإمكانيات الابتكار ما يجعلنا في غنى عن النظر إلى أي أمة أخرى؟.
إذن ببساطة القول العلم هو الطريق لنصرة هذه البلدة وإعادة الاعتبار للأجيال وللمناهج التعليمية وأساليب وطرق التدريس في المدارس والجامعات، فالجيل المتعلم الواعي الذي أعطي نصيبه من العلم هو من سيحمي نفسه ووطنه ولا يحتاج لأي شيء آخر، وسوف تسير أموره وفق معطيات العلم الذي نهله، فهو احتياجنا الأول في مرحلة بناء وطن شامخ..
في التاريخ السابق والمظلم لليمن كانت تبذر المليارات على أشياء فارغة كالدعايات الانتخابية والحملات الساذجة لخدمة حزب أو فئة ولم تصرف جزء منها لإنشاء مراكز بحوث علمية أو رفد معامل الكليات والمعاهد التطبيقية بما تحتاجه لبناء جيل قادر على إنعاش الدولة وإخراجها مما هي فيه..
الأمل معقود بحكومة الوفاق الوطنية لرد الاعتبار لهذه المؤسسة – كمهمة مقدسة - وبناء جيل متسلح بالعلم منذ الصغر وإنهاء ما يعيق حصول اليمني على حقه من العلم بالطرق التي تمكنه من بناء الوطن لا بطريقة الحصول على شهادة بأي طريقة كانت !.. ونتمنى أن تكون ثورة التغيير وصلت كل فرد في المجتمع كي يدرك خطورة الغش والتعامل به أو المساعدة عليه وإدراك ماهية الأجيال الضعيفة المستسلمة والخانعة التي يصنعها الغش..
غصة وطن :
يا رفاق العمر أخطأنا الطريق
الدروب الشائكات
لم يعد في آخر الدرب الطويل سوانا في زمن سحيق
كانت خطوب الدهر تعصينا
وتستبيح من الليالي ضوءنا
ويغيب في ظلماتنا ذاك البريق
أحمد حمود الأثوري
حقول ملغمة أولى مهام الثورة 1943