معجزة الصين الجديدة أنها برأسين اقتصاديين – رأسمالي واشتراكي – كما وأن ما يميز فرنسا الجمهورية هو أنها زاوجت ما بين النظام البرلماني الهندي وبين النظام الرئاسي الأمريكي، فمن هذا الزواج العجيب والغريب ولد النظام الرئاسي البرلماني المزدوج.
وإذا كان الصينيون قد برعوا في مسألة المواءمة بين رأسمالية آدم سميث واشتراكية كارل ماركس وكذا الفرنسيون الذين نجحوا في إدارة جمهوريتهم الخامسة وبطريقة مبتكرة غير محتكرة كاملة بيد رئاسة أو برلمان ؛ فإن أعجب العجاب أن يكون النظام في اليمن وفق الخلطة الفرنسية العجيبة التي لم تفلح بتقليدها الجمهوريات الأوروبية والأمريكية.
الواقع أنه ليست الصين وفرنسا وحدهما برأسين ونظامين، فاليمن أيضاً لديها من النبوغ والحيل ما يجعلها تتفوق على التنين الصيني أو الديك الفرنسي، لديها جيش بثلاثة رؤوس قيادية، ولديها حكومة توافقية مكونة من خلطة عجيبة مازجة بين نظام قديم انتهت صلاحيته واستخدامه ونظام جديد لم يعرف بعد كنهه وماهيته.
قال أحد الساخطين من الدعوة للحوار الوطني: لوحدوا ألوية الحرس الجمهوري وألوية الفرقة الأولى لتكون جميعها تحت سلطة وزارة الدفاع، وحينها فقط أضمن لكم توحيد الجنوب والشمال).. حقيقة ليس الجيش والحكومة ؛ بل أعتقد أن هذه البلاد تتفرد بكثير من الخصائص السياسية والثورية والحزبية والمؤسسية والنخبوية التي تميزها عن سائر الأوطان، فحين نتكلم عن الدولة اليمنية الواحدة ؛ فذاك يعني أننا نتحدث عن دولتين وسلطتين ووحدتين وحكومتين ونظامين وجيشين ؛ بل وعن ثورتين واحدة لإسقاط النظام العائلي العسكري، وأخرى لصيرورته واستمراره وإن اختلفت الوجوه والأدوار.
إنها ثنائية المجلس العسكري وقوى الثورة في مصر وإن بطريقة فظة ووقحة لا يمكن مماثلتها في أية ثورة تدعي أنها من الشعب ومن أجله! فعلى الأقل المشير طنطاوي وجنرالات مجلسه كانوا أكثر تهذيباً وصدقاً حين وقفوا بوجه المد التسونامي الذي لن يبقي أو يذر شيئاً من فلول نظام مبارك إلا واقتلعه وأزاله من جادة التغيير الثوري.
هنا للأسف الثورة الشعبية لم تسقط النظام الفردي العسكري العائلي الفاسد - رئاسة وحكومة وبرلماناً وتنظيماً - بكونه الغاية الملهمة التي ضحى في سبيلها معظم اليمنيين التواقين لرؤية وطنهم ودولتهم ووحدتهم بصورة وهيئة مختلفة كلياً عن سابقها، لكن هذه الثورة ؛ بقدر ما خلعت رأس النظام منهية بذلك مسألتي التمديد والتوريث ؛ بذات القدر كان من تجلياتها العجيبة أنها زاوجت بين النظام القديم والجديد.
ما نشاهده اليوم من عبث وتخريب وإرهاب وانفلات ومراوحة وارتباك ليس إلا نتيجة لهذا المخاض الهجين العجيب الذي يتلبس تارة النظام الجديد وثورته المجتمعية (الأم ) التي حملته وولدته، وتارة أخرى يشبه النظام القديم ( الأب ) الذي أياً كان فعله قبيحاً ومشوهاً سيبقى في نهاية المطاف أباً ينبغي طاعته واقتفاء أثره.
رئيس الدولة ورئيس الحكومة هما في كل الأحوال يمثلان النظام الجديد الذي يجب أن يقوم على أنقاض النظام البائد، أعجب عندما أسمع وأرى النظام السابق وقد باتت كتلته النيابية المنتهية شرعيتها وولايتها معارضة لحكومة نصفها من المؤتمر !.
التوافق ما لم يكن توافقاً لأجل الانتقال والعبور باليمن من نظام استبدادي عائلي عسكري إلى نظام ديمقراطي ؛ فلن يكون هذا التوافق سوى مشكلة كبيرة في طريق انجاز أهداف ومبادئ الثورة.
نعم لقد قِبل اليمنيون بانتخاب مرشح واحد دون منافس ! ونعم قبلوا وعلى مضض بحكومة مناصفة ورئاسة توافقية وبرلمان توافقي ! ونعم توقفت الثورة عند هذه الحد الفاصل ما بين كونها ثورة للتغيير أو ثورة للإصلاح ! ونعم هذه الثورة لم تكن ثورة كاملة كسائر الثورات العربية في ليبيا وتونس ومصر ؛ بل وعلى عكس هذه الثورات لم تنفِ الرئيس السابق أو تقتله أو تسجنه ؛ إنما منحته ورموزه حصانة وسلطة مناصفة !.
لكن هذا التوافق وهذه الحصانة لا تعني رحيل رأس النظام السابق من الواجهة الأمامية ليعود من بوابة فلوله ورموزه، فالتوافق والحصانة هما في الأساس من أجل غاية التغيير المتدرج غير العنيف.. حقيقة لا أعلم لماذا التوافق والحصانة إذا لم يكن الهدف تنحية نظام وإقامة نظام آخر؟، فالحكومة والرئاسة في الحالتين هما سلطة العهد الجديد، وبكونهما يجسدان ضرورة توافقية كي تمضي سفينة البلاد ؛ فإن ذلك لا يعني إعادة إنتاج النظام الفاسد ، فالتوافق السياسي أياً كان شكله وفحواه لا يمكن أن يكون إلا على حساب الماضي وبمصلحة المستقبل وهذا ما يجب أخذه بالحسبان من طرفي معادلة التوافق.
محمد علي محسن
التوافق لا يعني نظاماً هجيناً !! 2321