لم تكن الفرحة بفوز الدكتور/ محمد مرسي في انتخابات الرئاسة المصرية مقتصرة على حزب الحرية والعدالة الذي يتزعمه مرسي ولا على جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها ولا حتى على المصريين ممن انتخبوا مرسي، بل تجاوزت الفرحة بهذا الفوز مصر لتنتقل إلى قلوب الملايين في العالم كله وعلى الخصوص أعضاء وأنصار جماعة الإخوان المسلمين وغيرهم وكل أحرار ثورات الربيع العربي، لقد شاهدنا مدى اهتمامات الكثير من الناس خارج مصر ومن غير المصريين بالانتخابات المصرية وكأنها انتخابات تجري في بلدانهم !وربما جاء هذا الاهتمام الكبير بانتخابات مصر تأكيداً على أهمية دور مصر وتأثيرها سلباً أو إيجاباً في المنطقة كلها، كما أن فوز مرسي والذي يعد مرشحاً للثورة هو فوز لثورات الربيع العربي وخسارته بلا شك كانت ستمثل خسارة لثورات الربيع العربي كلها.. لقد عمت الفرحة قلوب الملايين في هذا الفوز الذي صنعته ثورة 25 يناير السلمية وأوصلت مرسي لرئاسة جمهورية مصر العربية كأول رئيس مدني في البلاد التي حكمها العسكر منذ 1952م وفي هذا الفوز ازدادت الفرحة في خسارة بقايا النظام أومن يسمونهم في مصر بـ(الفلول) وهي خسارة فادحة للأنظمة المستبدة والحاكمة كلها ولكل الأطراف التي دعمت مرشح الفلول أحمد شفيق ظاهراً وباطناً بالمال وساندته بمواقفها السياسية ودعمها اللوجستي ضد الإسلاميين فزعاً من وصول الإخوان إلى سدة الحكم ،كما تلاشت بهذا الفوز آمال الفلول في مصر وفي غيرها في العودة إلى كراسي الحكم من جديد.. وبرغم ما أصدره المجلس العسكري من قرارات واتخذه من إجراءات لعرقلة فوز الإسلاميين في مصر، إلا أن كل محاولاته باءت بالفشل واستطاع المصريون بوعيهم الحضاري ونهجهم الديمقراطي السلمي أن يقهروا الفلول من خلال صندوق الانتخابات لاسواه.
لقد صنع الشعب المصري هذا الفوز وأوصل مرسي إلى سدة الحكم وهو ما زاد من ألق ثورات الربيع العربي وجدد جذوتها التي ربما خفتت لأسباب عديدة، ولقد كان الخطاب الأول لمرسي بعد الفوز يصنع فرحة مستقبلية أخرى لا تقل عن فرحة الفوز وتتمثل الفرحة بذلك الخطاب المغاير لخطابات الزعماء من خلال اعتراف الرجل بفضل الله عليه وتوفيقه له بهذا الفوز وكذا تضحيات الشهداء والجرحى ، وأنه من الشعب وإلى الشعب وأنه لن يفرط بدماء الشهداء ولن ينسى الجرحى، ولعله أول رئيس يعترف- صادقاً- بفضل الشعب عليه بإيصاله إلى الحكم، بل ويدعوهم لتقييمه ويقول لهم (وليت عليكم ولست بخيركم أعينوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيته فيكم ولم ألتزم بما تعهدت به لكم فلا طاعة لي عليكم )، وأعتقد أنه كهذا خطاب لم نعد نسمعه اليوم ولم يسمع في العصور المتأخرة من الزعماء والملوك، إنه خطاب مسؤول يذكرنا بأسلافنا الصالحين في قرون الإسلام الأولى لرجل لم يقله نفاقاً، بل إنه يعي ما يقول ويعلم ماذا سيعمل، إن كل أملنا أن يوفق مرسي في تسيير دفة الحكم في مصر وأن يكون حكمه مميزاً ومغايراً لحكم أسلافه العسكر الذين استلبوا مكانة مصر ورهنوا القرار السياسي فيها لدول وأطراف كل همها حماية أمن اليهود وحماية مصالحها، مصر بحاجة إلى من يوصلها لأن تتبوأ مركز الصدارة في حل قضايانا العربية والإسلامية وعلى الخصوص قضية فلسطين وأن لا يغيب دور مصر الأزهر مطلقاً .
غالب السميعي
الفوز الذي جدد ثورات الربيع العربي! 1936