عندما اشتعلت الثورات العربية في تونس كان اشتعالها نتيجة طبيعية لإدراك الشباب التونسي أنه قد استبعد وبشكل نهائي من الثروة الوطنية وذلك بسبب استئثار الأسرة الحاكمة بالنصيب الأكبر منها ومصادرة نصيب القطاع الأكبر من الشعب بما في ذلك الشباب.. هذا ما بدا لهم واضحاً من فهمهم لحادثة البوعزيزي، ذلك الشاب الجامعي العاطل الذي وجد نفسه يوماً يبيع على عربة بل واستكثر عليه النظام التونسي البائد وقوفه أمام عربته البسيطة محاولاً الحصول على قوته وقوت أمه ولأن الشعب في هذه الدول يعاني هو أيضاً من الحرمان، فقد ساند هؤلاء الشباب في ثورتهم فكان ذلك سبباً رئيساً لنجاح هذه الثورات.
ولم يكن لهذه الثورات أن تنجح لولا السمات والأخلاقيات والمبادئ الثورية التي تمسك بها هؤلاء الشباب خلال ثورتهم، فأبرزوا حاجاتهم ومطالبهم في إطار متكامل ورصين من هذه الأخلاقيات والمبادئ النبيلة، فكانت ثورتهم ناجحة بكل المقاييس.. ومن أهم هذه المبادئ والأخلاقيات الثورية التي ميزات ثورات الربيع العربي بل شكلت أساساً متيناً لها هو مبدأ "سلمية ثورات الربيع العربي" وهو مبدأ هام وضروري صنع من خلاله الثوار إطاراً قانونياً لثوراتهم وحصدوا به اعترافاً من مختلف فئات الشعوب العربية بل ومن أنظمة دولية لها مكانتها السياسية بين دول العالم، فكان ذلك سبيلاً إلى انتصارهم ووصولهم السريع لأهم أهدافهم.
أما ما حدث من فوضى وشغب في اختبارات بعض كليات جامعة تعز خلال الفترة الماضية، لا تشكل تلك الأفعال المستنكرة والمشينة في حق الجميع ما يدعيه البعض بقوله " هذه هي الثورة وهؤلاء هم الثوار الذين تساندوهم" لأن ما حدث في تلك الاختبارات من فوضى وشغب مخالف تماماً للمبادئ والأخلاق الثورية، مما يجعلنا نجزم وبشكل قاطع أن هؤلاء الفوضويين المشاغبين هم أبعد ما يكونون عن الثورة ومبادئها وأخلاقها .
وإن كنا فيما سبق توضيحه قد أبرزنا أهم هذه الأخلاقيات والمبادئ الثورية على الإطلاق، باعتبارها أساس الفعل الثوري وهو مبدأ" سلمية العمل الثوري" فإن ذلك لا يعني عدم وجود أخلاقيات وقيم ثورية أخرى كانت أيضاً بعيدة كل البعد عن أفعال ثلة الشغب الفوضوية في كليات جامعة تعز، فماذا نسمي هؤلاء وما هي الصفة الحقيقية التي تنطبق على أفعالهم البعيدة كل البعد عن أخلاق الثوار ومصلحة الوطن العليا؟ وما هو التشخيص الحقيقي لحالة الفوضى والشغب في بعض اختبارات جامعة تعز سواء اختبار مادة القانون الإداري أو غيره من الاختبارات التي سبقته وحدث فيها نفس الشغب والفوضى وبنفس الأسلوب؟.
من خلال وجودي في قاعات الاختبار مادة القانون الإداري يوم 7/6/2012 واطلاعي ومشاهداتي لمجريات الأحداث ومحاولة مراجعة بعض الأحداث التي سبقت يوم الاختبار بأسابيع، ندرك إدراكاً يصل إلى درجة اليقين أن هناك نية مبيتة واتفاقاً سابقاً بين بعض الطلاب المشاغبين الذين قد يكون بينهم موظفون وهم في نفس الوقت طلاباً يؤدون الاختبار معهم على إحداث حالة من الشغب والفوضى في بعض الاختبارات التي لا تناسب مستوياتهم وقدراتهم العلمية، نظراً لابتعادهم عن قاعة الدرس وعدم اهتمامهم بمقرر المادة خلال العام وسعيهم الحثيث للحصول على درجات عليا وليس فقط مجرد النجاح وفي ذلك محاولة منهم لاستغلال الأحداث التي يمر بها الوطن وما يسود الجامعة وكلياتها من أوضاع متردية في كافة النواحي الأكاديمية والإدارية والأمنية وذلك من خلال الفرض على أستاذ المادة وضع اختبار في غاية السهولة يحقق لهم مآربهم الشخصية على حساب الأهداف والمصالح العامة التي تسعى المؤسسات الأكاديمية لتحقيقها.
إن الحالة المتردية التي وصلت إليها جامعة تعز هي نتيجة منطقية لأسباب كثيرة سبقتها، منها على سبيل المثال لا الحصر :
أولاً: أسلوب القائمين على شؤون الجامعة وكلياتها الذي طغى فيه التساهل على حساب الحزم والشدة، معتقدين في استخدامهم لهذا الأسلوب - وهم في جانب كبير من الخطأ في ذلك - أنهم يتعاملون مع ثوار وهم على العكس من ذلك يواجهون مشاغبين فوضويين، لأن مثل هذه الأساليب لا علاقة لها بالثوار على الإطلاق.
ثانياً: تردي أسلوب القبول في الجامعة وتزايد التجاوزات منذ قيام الثورة في قبول طلاب من ذوى الدرجات المتدنية بما في ذلك من مخالفة صارخة للأنظمة والقوانين التي تنظم قواعد القبول في الكليات وتترجم سياسة القبول في الجامعة، ذلك أن هؤلاء الطلاب الذين تم قبولهم من خلال هذه التجاوزات شكلوا بعد قبولهم عبئاً ثقيلاً على التعليم الجامعي وأداة من أدوات الفوضى والشغب التي لا نحصد من ورائها سوى الإخلال بنظام سير العملية التعليمية.
ثالثاً: تجاهل الوزير الذي قام بزيارة الجامعة لأكثر من مرة إيجاد حل نهائي لمشاكل الجامعة يحقق الاستئصال الجذري للفساد في الجامعة.
رابعاً: سياسة حكومة الائتلاف التي لا نجد أي آثار لها في الواقع المعاش، رغم طول الفترة التي انقضت على تشكيل هذه الحكومة، ذلك أن السياسة التي لا يستطيع من خلال تنفيذها وزير التعليم العالي تغيير رؤساء الجامعات وإنعاش الحياة الأكاديمية فيها، هي سياسة فاشلة بكل ما تعني الكلمة من معنى.
خامساً: أسلوب المحافظ في التعامل مع مشاكل الجامعة والتي كان آخرها نقص أعضاء هيئة التدريس في كلية الهندسة بسبب نهب مستحقاتهم المالية واقتراح المحافظ تغطية نصف التكاليف المالية لأعضاء هيئة التدريس في هذه الكلية بدلاً من اعتماده لأسلوب الثواب والعقاب وتحويل الفاسدين إلى التحقيق.
سادساً: توقف النقابة عن القيام بدورها وتراجع دورها النقابي من أعلى مستوياته (النضال الثوري) إلى درجة الانعدام بما في ذلك تقاعسها عن تحويل ملفات الفاسدين إلى القضاء.
أستاذ القانون العام المساعد بكلية الحقوق - جامعة تعز
د. ضياء العبسي
سلمية الثورة وبلاطجة الجامعة 2222