المؤكد أن (التقاعد) مرحلة نعيش جوها، إما ببلوغها أو بالعيش مع من بلغها؛ لتمضي سنة الحياة، ضَعفٌ ثم قوة ثم ضعف ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) جيل يعقبه جيل، لتتم سنة الاستخلاف، وعمارة هذه الأرض.
هذا التصنيف الوظيفي (متقاعد، وغير متقاعد) فرضته أنظمة العمل، ليحل موظف بدل موظف آخر، ولكنه ليس حكماً على الإنسان بالموت، ولا منعاً له من العطاء في ميادين أخرى، فهو تصنيف لا يصح أبداً أن يسري إلى بقية حياة المتقاعد.
ربما كانت نظرة المجتمع لهذه الفئة الغالية، وتقبُّل كثير من هذه الفئة واستسلامه لهذه النظرة له أثره في ما يُسمع أو يُرى من معاناة بعض أفراد هذه الفئة التي بذلت وأعطت فترة من الزمن!
والواقع أن النصيب الأكبر يقع على ذات الشخص، وطريقة تعامله مع المتغيرات حوله، وفي طريقة تفكيره ونظرته للحياة ، فالتقاعد ضرورة وظيفية ذلك بأن التطور التكنولوجي السريع، والحيوية الكبيرة التي يتمتع بها الشباب تجعل الاستبدال أمراً مطلوباً مواكبة للتطور المرفوض من قبل غالبية القدامى من جهة وإفساحاً لحيوية الشباب وفكرهم المتجدد من جهة أخرى.
الموظف العام يجب أن يدرك أن مساره الوظيفي سوف ينتهي بالتقاعد، ولكن؛ كما للموت سكراته، فإن للتقاعد سكراته أيضا، وتزداد حدتها كلما إرتفع المستوى الوظيفي للمتقاعد!!، والسؤال: هل يمكن التخفيف من وقع قرار التقاعد على نفسية الموظف، ومن المسؤول عن ذلك؟!.
إن مشكلة التقاعد مشكلة تحتاج لإيجاد حلول على المستوى الفردي وعلى المستوى العام، فعلى المستوى الفردي يجب أن ينظر للتقاعد على أنه جزء من رحلة العمل بدلاً من النظر إليه على أنه الوصول إلى المحطة الأخيرة من رحلة العمل، فهو الفترة الزمنية التي سيتم فيها تقليل النشاط الاحترافي وليس إنهاؤه، وعليه فلابد للموظف من التخطيط لمسار وظيفي موازٍ يضمن له عملاً لائقاً بعد تقاعده، ويجعله مهيئاً في أي وقت لاستقبال قرار إحالته!!.
أما على المستوى العام، فمطلوب من الحكومة تبني سياسة التقاعد اللطيف، بحيث لا تفاجئ كبار موظفيها بقرار إحالتهم على التقاعد، وفي هذا الصدد فقد تتضمن هذه السياسة ترفيع الموظف إلى الدرجة الأعلى لدرجته، أو ترقيته للرتبة الأعلى ولو لحين انتهاء تقبل التهاني والتقاط الصور التذكارية مع الأسرة والأصدقاء ومن ثم يصدر قرار تقاعده.
كما أن الحكومة يقع على عاتقها تهيئة الموظفين لما بعد التقاعد من خلال المساعدة في بناء قدراتهم للاستعانة بخبراتهم ولو جزئياً بعد التقاعد، كما يتطلب منها العمل على تسويق هذه الكفاءات بطريقة مؤسسية لدى الدول الصديقة لما لذلك من أثر إيجابي على معنويات هذه الشريحة الهامة من أبناء الوطن، إضافة إلى العائد المالي على الاقتصاد الوطني .
رائد محمد سيف
سياسة التقاعد اللطيف !! 2207