على الرئاسة والحكومة ضبط بوصلتهما وتحديد موضعهما من العهد السابق، وعندما نقول العهد الماضوي؛ فلا نعني بذلك فقط النظام العائلي العصبوي العسكري وإنما ينسحب الأمر على كل ما له صلة وعلاقة بحقبة سياسية وتاريخية زخرت بالفوضى والعبث والتمييز والفساد والإفساد والاحتكار والهيمنة وووالخ.
اليمنيون تواقون لرؤية رئاسة جديدة وحكومة جديدة وكلاهما في مسار واحد ووجهة واضحة، تصوروا مثلاً أنكم منقادون في طريق تجهلونه تماماً، ثم يأتي من يريد منكم العودة خلفه دونما قبس ينير عتمة دربكم المظلم أو لديه دراية ومعرفة بعلم الأثر أو قراءة نجوم الفلك ! في كلا الحالتين أنتم قوم تائهون ضائعون مبددون وقتكم وذهنكم في المسعى الخطأ ووراء القيادة الخطأ.
ثنائية المرحلة الانتقالية بعد التوحد كانت كارثية ومدمرة للدولة الموحدة، كما ويحسب لها تمزيق نسيج مجتمع واحد لطالما استعصى هتكه وخرقه إبان التجزئة السياسية، اليوم يستلزم اليمنيون معجزة كي يستردوا عافيتهم ويلتئم نسيجهم الممزق، مؤسف أن يكون أقصى ما يتمناه الواحد منا هو استعادة روحه المنهكة إلى ما قبل التوحد.
وإذا كان حالنا مازال يعاني من تبعات التوافق الثنائي على اقتسام كعكة السلطان والهيلمان؛ فإن مرحلة التوافق والتقاسم القائمة الآن لا يبدو أنها ستكون مختلفة عن سابقتها التي أعقبت التوحد وأفضت مشكلاتها وأزماتها إلى حرب مدمرة لم تبقِ على شيء إلا وطاله الخراب والفساد والعبث والتشوه.
ربما قد يصح القول بأن وجه الاختلاف كبير وشاسع بالنظر إلى طبيعة الفرقاء المتشاطرين للرئاسة والحكومة والبرلمان والقوة، ففي الأمس كان الصراع باعثه خلاف نظامين وإيديولوجيتين ووجهتين متقاطعتين كلياً؛ فكان ولابد من حسم الخلاف المحتدم حول إدارة الدولة الموحدة بقوة السلاح لا بمنطق الحكمة والإيثار.
نعم قد يكون مثل هذا الكلام قريباً للمنطق لو أن التوافق الحالي يوجد فيه ما يشير إلى أن الصراع لم يعد بين القوى ذاتها القبلية والدينية والجهوية، فجميع الأطراف المتصارعة في الحاضر هي نفسها المقوضة للمرحلة الانتقالية ولتوافقها الثنائي ومن ثم الثلاثي، وهي ذاتها المهددة اليوم لضرب المرحلة التوافقية القائمة.
إننا إزاء صراع جديد قديم، صراع يبدو من ظاهره وكأنه صراع بين سلطة ومعارضة، نظام سابق ونظام يتشكل، أما إذا ما نظرنا إلى أعماق هذا الصراع المحتدم؛ فسنجد أنه صراع الأقطاب المتعددة والجهات المختلفة فيما النظام الجديد بين الجميع فتارة في الوسط وتارة أخرى على طرفي نقيض، إذ الحكومة بوادي الثورة والتغيير، فيما الرئاسة في ناحية النظام العائلي المقاوم للثورة والتغيير.
الفارق بين الأمس واليوم هو أن القوى التقليدية المهيمنة على مقاليد الحاضر لم تعد قوة مجتمعة محتشدة في مكان واحد وخلف قيادة واحدة مثلما كانت عليه قبل عقدين من الزمن؛ بل هذه القوى باتت منقسمة إلى قوتين متصارعتين ومشكلتين لضلعي المعادلة التوافقية القائمة.
الواقع المشاهد ربما يشبه كثيراً حقبة ما بعد التوحد، خاصة فيما يتعلق بتوظيف الدين والإرهاب والاغتيالات وافتعال الأزمات وغيرها من الممارسات التي سادت خلال المرحلة الانتقالية، ومع وجه الشبه بين الماضي والحاضر لدى الحكومة والرئاسة اليوم مزية واحدة تجعلهما في مساق واحد وعلى مسافة قريبة، هذه المزية تمنح الرئاسة والحكومة للعب دور إيجابي، فكلاهما أولاً يمثلان ضرورة حتمية لغالبية اليمنيين المتطلعين لعملية تغييريه شاملة لا تقتصر فقط على إزالة نظام عائلي عسكري، وتالياً هما يجسدان توافق سياسي يتكئ في الأساس على ثورة شعبية وليس على اتفاق سياسي بين شخصين أو نظامين، ناهيك عن أنهما مسنودان بدعم وإشراف إقليمي ودولي وعربي وهذا وحده كفيل بتحررهما الاثنين من قيود وأسر القوتين المتحاربتين.
ومع كل ما تملكه الحكومة والرئاسة من مزية الحركة إلى الأمام؛ لا يبدو من أداء الاثنين أنهما في موضع واحد ومهمتهما واحدة؛ بل وكأن الحكومة والرئاسة يمثلان القوى الحزبية والدينية والعسكرية والجهوية والقبلية التي يحسب لها تدمير التوحد ووئد مشروعه النهضوي الحداثي، إنها القوة الممانعة الرافضة للتمدن والتحضر والتوحد، وهي ذاتها المتخندقة الآن وباستماتة؛ كي لا تكون الرئاسة والحكومة في نظام واحد يتقاطع كلياً مع نظام الماضي، وفي وجهة واحدة غايتها المستقبل لا العكس.
محمد علي محسن
ما أشبه التوافق بالتوحد !! 2433