;
رائد محمد سيف
رائد محمد سيف

هل هي صحوة دينية أم سياسية؟! 2518

2012-07-08 03:07:41


المنظومة الإسلامية متكاملة تتوحد فيها العناصر الدينية والسياسية والاجتماعية كلها في بوتقة واحدة.. ولا يمكن الاقتصار على عنصر أو إغفال عنصر منها.. ثم نقول هذه هي المنظومة الإسلامية أو هذا هو الإسلام، فالنجاحات التي يحققها الإسلاميون في الدول العربية تستدعي البحث والتمحيص والدرس للوصول لتفسير مقنع لتصدرهم المشهد العربي وتسلمهم سدة القرار في أم الدنيا، وقد كان التعامل معهم والقرب منهم شبهة أمنية بالنسبة للأنظمة والانتماء لهم وحمل فكرهم تهمة خيانية يحاسب ويلاحق فاعلها، وعندما كانت تتعامل معهم بعض الأنظمة وتحاول تقريبهم, كان التعامل حذراً وشديد الإحكام لإيصال رسالة مفادها أنهم ليسو ضدهم، ولكنهم يتعاملوا معهم بحدود ما تقتضيه المصلحة السياسية ويستدعيه الظرف الداخلي أمام الشعب والعالم الذي يتخذ من كيفية هذا التعامل مرتكزاً وذريعة للحكم لصالح أو ضد هذه الدول, رافعاً أو خافضاً رصيدها في سجل تقييم الدول فيما يتعلق بمراعاتها لتطبيق حقوق الإنسان. ومفاد الرسالة أيضاً أنهم قادرون على فك الارتباط مع الإسلاميين وبإخراج يعود باللائمة في نهاية المطاف على الإسلاميين في اللحظة التي يرون منهم ما يزعجهم مع إبقاء الباب مفتوحاً للتواصل والتحاور والتشاور عندما تستدعي الحاجة لأي نوع من التعاون.
ومن الثابت أن أمريكا لم تكن ترغب يوماً بصعود الإسلاميين، بل ضيقت الخناق عليهم وخصوصاً بعد زوال الشيوعية واستقلال الدول الاشتراكية وانتخابها لحكامها سيراً على درب الديمقراطية، وفي الحقيقة, أصبح الإسلاميون هاجس أمريكا المقلق الذي يتوجب الاهتمام به وإعداد العدة لكيفية التعامل معه، والهاجس المقلق مرده الإسلام في الحقيقة وليس الحركات الإسلامية بحد ذاتها كمعارضة، ما نتج عن هذا الهاجس المقلق والمزعج لحد الخوف وخصوصاً بعد سقوط الشيوعية كفكر ونظام حكم وحياة, لم يأبه لإنسانية البشر كثيرا, هو النظرة للإسلام كدين حياة وللإسلاميين على أنهم عبء ثقيل بعد أن تم السكوت عنهم لعقود كجبهة ممانعة عقائدية ضد المد الشيوعي وسلاح سياسي قاتل ضد توسع الحركات القومية وتغلغل فكرها وكذلك الأحزاب التقدمية بقناعتها أن الأنظمة هي التي تعيق تحركهم وتضع العراقيل لتحد من تقدمهم وتقدميتهم.
فهنا كان يتم إعطاء الضوء الأخضر للحركة الإسلامية لتقوم بدور الحامي للمجتمع والأنظمة من تلك الأحزاب التقدمية والقومية التي لم تكن تؤمن بوطنية الحكام، بل تدفع بالشعوب للتصفيق لها موهمة إياهم بأن هذه الأحزاب والحركات ما هي إلا جهات خارجية تسعى لخراب الأوطان وتدميرها دينياً وفكرياً، مستغلين تمسك الناس بدينهم والاستعداد للدفاع عنه وليس هناك من هم أكثر أهلية وجدارة من الحركة الإسلامية للقيام بهذا الدور. ومن سوء طالع التقدميين والقوميين والذي أصابهم في مقتل أنهم يؤمنون بامتلاك الحقيقة ومن لم يكن تحت لوائهم تنظيماً وانتساباً وفكراً، فهو رجعي متخلف، لقد كانت نظرتهم للرأي الآخر نظرة دونية لم ترُق لأصحاب الرأي المقابل.
وبعد سقوط الشيوعية تولدت قناعة عند الكثيرين بأن الأحزاب والحركات ذات التوجه القومي والتقدمي لم يعد لها حاجة وقد ضعفت في الواقع بسبب نقصان الدعم المادي من الدول الشرقية أو انقطاعه حيث الأنظمة الداعمة قد ولت الأدبار وكذلك انقطاع الدعم المعنوي والثوري ولم تعد دول ذلك الدعم ملجأ أمينا للذين يؤمنون وينادون بالفكر القومي والتقدمي، فنتج عن ذلك نوع من الاستسلام والرضا بالأمر الواقع والمر وتهدئة اللعب والعدول عن مناكفة الأنظمة والتزام الصمت والمراقبة عن بُعد دون الاهتمام بالمشاركة، وقولنا هذا ليس استهانة أو تصغيراً لفكر التقدميين والقوميين، بل قراءة تاريخية تحليلية ورأي يخضع للخطأ والصواب, فلتعذروني.
نضيف لسقوط الاشتراكية الشيوعية, قصم ظهر البعثيين أصحاب القاعدة العريضة في الدول العربية باحتلال العراق وقتل رمزهم بشكل مباشر وغير العراق بشكل غير مباشر, وتقليم أظافر القاعدة عالمياً بقتل زعيمها ورموزها والإطاحة بالمتعاونين معها مثل طالبان الأفغانية.. وبالتالي تم التخلص من كل المناوئين والمعارضين ولم يبق سوى الحركات الإسلامية, فالحل كان أحد أمرين.. أولهما: القضاء عليها وهذا حرب على الإسلام والمسلمين ستقف الشعوب بجانب إسلامييها قطعاً وأميركا تدرك ذلك جيداً والأنظمة العربية لن تستطيع فعل شيء تجاه الثوران البركاني الذي كان سيأتيها من كل الجهات.. وثاني الأمرين: التعاون والتعامل معهم على أنهم قوى سياسية فاعلة لها حضورها في غياب التقدميين والقوميين لا يمكن تجاهلها والقفز عنها.
وقبل التفرد بالساحة كمعارضة كان قد سُمح لحركة الإخوان المسلمين بالتشكل والتوسع والتمترس شعبياً وفكرياً كجبهة ممانعة للمد الشيوعي بالدرجة الأولى وللتقدميين والقوميين بالدرجة الثانية وظلت كذلك حتى نمت وترعرعت وكبرت حتى فرضت وجودها على الواقع السياسي العربي وأصبح لها تأثيرها ويحسب لها ألف حساب في النهج العام لسياسات الدول العربية وأنظمتها.
فإذا الساحة خلت للإسلاميين بكافة مسمياتهم من إخوان وسلفيين وغيرها،ولن ننسى بروز وانتفاخ الجانب الشيعي بعد استشهاد الرئيس الراحل صدام حسين الذي كان صادماً لهم ولاجماً لأفواههم التي لا تنطق إلا بالحقد والخرافات والدسائس على ديننا الحنيف، وهذا البروز كان بمثابة أداة إلهاء للمسلمين فيما بينهم وهذا إن جاز تسميتهم بمسلمين مع استثنائنا للمتعقلين منهم، وبروزهم مرهون بحاجة أميركا لتحريكهم ضد أهل الكتاب والسنة كلما شعرت أميركا بدنو وقت إملاء ما تريد إملاؤه على الدول العربية من شرق أوسط جديد وتوطين للفلسطينيين ورسم خارطة جديدة للمنطقة وها هي بدأتها بالسودان, وكذلك ابتزازها للدول العربية النفطية لبيعهم الأسلحة وتكديسها بحجة التجهيز لإيران والحركات المناوئة للأنظمة.
فواقع الحال بمؤثراته الإسلامية التي انفردت على الساحة فرض على أمريكا قبول التعامل علناً مع هذه المؤثرات كقوى ذات قواعد شعبية عريضة لها الكثير من المؤيدين والمتعاطفين والأنصار.
سؤالنا الذي يُسقط نفسه على ألسنتنا بإلحاح: هل أمريكا تبارك صعود الحركات الإسلامية كأمر واقع لا يمكن تجاهله؟ أم أن هناك تطمينات كبيرة سعت إليها أمريكا وضمنت تحقيقها جعلتها تبارك صعودهم وتصدرهم للمشهد وتسلمهم لسدة الحكم؟.
ما هو معلن وثابت من ثوابت الإخوان هو وجوب إزالة إسرائيل، فكيف بأمريكا تقبل بهم حكاماً بيدهم الحل والربط وشركاء بالحل وهي تعلم مدى خطورتهم على ابنتها المدللة إسرائيل ووجودها كدولة صهيونية عنصرية ومحتلة للأرض العربية وتذيق الفلسطينيين الأمرين صباح مساء؟ وإسرائيل ما زالت جاثمة وقائمة وسياستها ثابتة وخططها واضحة وتطلعاتها جلية ومطالبها يعلمها الجميع؟.   
أما السؤال الأهم: هل هي صحوة إسلامية لم تستطع أمريكا بجبروتها منعها ومقاومتها؟ وما تسلم الإخوان الحكم في أكبر دولة عربية مؤثرة في المنطقة والقضية العربية وفي رسم الملامح العامة للسياسات العربية سوى مؤشر يستدعي السؤال؟ لكن الإجابة عليه ليست بالسهلة.
وما يدور بالأذهان من قبل الكثيرين من متابعين ومثقفين ومهتمين فيما إذا كان هناك تناغم يرقى لمستوى الإنفاق والتعهد من قبل الإخوان لأمريكا بتنازلات وقبولات مسبقة تندرج تحت مسميات جديدة تفرض على المنطقة مقابل الحكم؟ نترك الإجابة للزمن حيث التقادم الزمني كفيل بكشف ما يُستر الآن كما كشف الكثير من قبل مع تمنياتنا أن تكون الإجابة قاطعة بالنفي.
ومن ثوابت الإخوان التي نعرفها ويرددونها على الدوام "لا تعامل مع إسرائيل"، لكننا سمعنا والعالم سمع الرئيس المصري المنتخب يعلن احترامه واعترافه بالاتفاقيات المبرمة مع بلاده ولم يستثن الاتفاقيات مع إسرائيل بما فيها معاهدة كامب ديفيد المرفوضة من الإخوان رفضاً تاماً قبل غيرهم، ترى هل هذه بداية تنفيذ اتفاق غير معلن؟ وهل بات من حقنا القول إن ذلك بداية التنازل عن الثوابت؟ وهل بات من حقنا القول إن ذلك ما دفع أمريكا للقبول بصعودهم وتوليهم الأمور في أكثر من دولة عربية؟.
أسئلة سيجيب عنها القادم من الأيام، وللحقيقة خوفنا من القادم يزداد وتوجسنا مما يحدث يتفاعل لدرجة الرعب حيث المواقف تتبدل بين ليلة وضحاها والقناعات تتغير والمبادئ والمثل والثوابت أصبحت متغيرات ولم تعد بذات الأهمية التي اعتدنا عليها من المنادين بها وقد كانت مرتكزات جعلت الملايين من الناس تؤيد وتناصر وتدعم، آملين أن تقودهم تلك المبادئ والثوابت لتحقيق ما يصبون إليه.
وأخيراً نقول: إن كان ما يحدث صحوة دينية أو سياسية، فمرحبا بها وإن لم تكن كذلك فنسأل من الله السلامة واللطف بوطننا العربي والإسلامي عامة وبيمننا الغالي خاصة.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد