بدا واضحاً في الآونة الأخيرة بروز مؤشرات تحول المزاج العام في نظرته لأداء الرئيس/ عبد ربه بعد أربعة أشهر ونصف من توخي الحذر في نقده، وإتاحة مزيد الوقت والفرص، مستندين إلى الأمل في أن يثبت الرجل قدرته على المهمة الكبرى التي فوضه الشعب لانجازها" التغيير وبناء اليمن الجديد ".. الرجل الذي وجد نفسه في موقع قطب الرحى من زاوية المبادرة وآليتها، ومن زاوية التفويض الشعبي الكبير الذي صوت له في ٢١ فبراير، غير أن الرئيس لم يستوعب بعد حتى الآن المهمة التي فوضه الشعب بإنجازها، ولم يستطع أن يضع نفسه في مسارها "التغيير وبناء اليمن الجديد" مع أن الجملة التي تلخص العقد بينه وبين الشعب كانت شعاره الانتخابي.
لقد خرج اليمنيون في ثورتهم السلمية بالملايين وقدموا آلاف الشهداء وأضعافهم من الجرحى، ومئات الآلاف من الشعب رابطوا واعتصموا في الميادين والساحات وخرج الملايين بتواتر منتظم طوال عام ٢٠١١؛ ولم يكن عبد ربه منصور هادي ليأتي إلى موقع الرجل الأول لولا هذه الشرعية الثورية، المعززة بالشرعية الشعبية التي ترجمها ما يقارب سبعة ملايين صوت كتبوا اسمه في خانة الرئيس وراهنوا على شخصيته ودوره لإنجاز مهمة التغيير التي ثار الشعب من أجلها..
غير أن الرئيس/ عبد ربه لا يبدو حتى الآن أنه قد اعترف بوجود ثورة في اليمن، ومن دون هذا الاعتراف بدور الشعب لن يكون بمقدوره أن يفعل شيئاً، وسيبقى ضعيفاً أمام رئيسه السابق الذي يخيم ظله المثير للإرباك في كل زاوية من القصر إلى مواقع السلطة المختلفة ، ويستهلك كل مجهوده ووقته في حسبة مصالح مراكز القوى والأحزاب، لأنه لم يستوعب أنه أصبح رئيساً، غدى معنياً بإنجاز مهمة التغيير والاعتراف بالشعب وثورته كمرجعية أولى لأدائه وقراراته وتوجهاته.
في لقاءه بالمجلس الوطني قيل أن الرئيس لا زال يشكو، بعد ما يقرب من خمسة أشهر، من عدم قدرته على إدارة البلاد من دار الرئاسة، وأن منزله يتعرض لإطلاق النار بشكل مستمر، ولو صح أن الرئيس صدرت منه هذه الشكوى، فالوضع مقلق، لأن المسؤول الأول بالبلد ومن بيده إمكانية إصدار القرارات يتعاطى مع الحال بسلبية تثير الريبة.
الشعب لا يعرف الآن علي صالح وبقاياه، ولا حتى الحكومة التي أدمن رئيسها البكاء وأشاع جواً من عدم الثقة بشخصه وحكومته، الشارع اليمني لا يعرف سوى المسؤول الأول الذي فوضه وخرج بالملايين للتصويت له حتى لا يتعلل بالمبادرة ويظل وكأنه أمين سر لآليتها، وعليه أن يتصرف كرئيس ويصدر القرارات، ويصارح شعبه بالصعوبات التي تواجهه بشفافية ووضوح.
عبد ربه منصور هادي هو رئيس كامل الصلاحيات على جميع المستويات وقد منحته الآلية سلطات إستثنائية إضافية، فإذا اختلف الفرقاء في حكومة الوفاق كان هو المرجعية ورأيه مرجحاً وحاسماً، وإذا تعذر الوصول إلى توافق في البرلمان المزمن رفع الأمر إليه وكان رأيه حاسماً، هذا فوق الصلاحيات الدستورية الممنوحة له كرئيس.
ومع ذلك كله مضى الآن ما يقارب ربع المرحلة الانتقالية دون أن يشكل الرئيس فريق عمله ومساعديه ومعاونيه في مؤسسة الرئاسة، وقد فسر فقيه القانون الأستاذ/ نبيل المحمدي ذلك بأنه من المتعذر على رئيس لم يستطع بعد تشخيص الحالة والوضع العام وتحديد مهمته والملفات الرئيسية التي تنتظر عمله وجهده ـ من المتعذر عليه تشكيل فريق عمل ومساعدين، لأن طبيعة المهمة المنوطة به لو وضحت في ذهنه هي من سيحدد نوعية الفريق الرئاسي المعاون ومن يتولى المؤسسات التابعة للرئاسة والتي يعتبر عملها جزئاً من سلطة الرئيس نفسه وبرنامجه، ومن دون وضوح المهمة التي ثار اليمنيون من أجل تحقيقها سيعاد إنتاج مراكز القوى في أسوأ صورها، وسيؤدي ضعف مركز السلطة الأول " مؤسسة الرئاسة " إلى فتح باب الاحتمالات السيئة كلها، بما فيها الانهيار والحرب الأهلية التي قيل لنا أن التسوية جنبت اليمن ويلاتها.
الوفاء للشهداء الذين ضحوا من أجل التغيير واستعادة هيبة الدولة، وآخرهم الشهيد البطل/ سالم قطن، يقتضي تحقيق أهداف الثورة السلمية، وعدم الرضوخ والاستسلام للأمر الواقع وإعادة إنتاجه بمبررات التوافق والحسابات السياسية، ومن دون هذا الانتماء للشعب ومصلحته العامة وأهداف ثورته ستكون الحال أسوأ من النظام السابق، كما أن البطء في التعاطي مع مقتضيات القضية الجنوبية، وتجاهل شركاء دولة الوحدة الذين طردوا من أعمالهم ونهبت أراضيهم وممتلكاتهم لا يعني سوى تشجيع تيار فك الارتباط بما يتوفر له من مبررات في ظل هذا التجاهل؛ وفي ظل معطيات ضعف سلطة الدولة، وبقاء الوضع معلقاً في حالة " بين البين " والأهم والأكثر فداحة أن يفقد الشارع الثقة برئيسه وقدرته على استعادة الدولة ومؤسساتها السيادية لتكون تحت إمرة الإرادة الوطنية الجامعة التي يمثل الرئيس رأس حربتها الأول.
مصطفى راجح
حيرة الرئيس!! ... 2027