مجتمع عشوائي فقير افتقد لأبسط احتياجاته الأساسية، ومحاصر بالثالوث اللعين.. «الفقر والجهل والمرض» وفى الوقت ذاته يوجد أفراد ينعمون بخيرات البلد، والنتيجة إفراز أفراد غير أسوياء، لديهم شعور دائم بالظلم والقهر ولعل السنوات القليلة الماضية أوضحت الترابط والتشابك العميق بين المناطق العشوائية والإرهاب، التي باتت مفرخة للمجرمين. الإحصائيات تؤكد أن مصر بها حوالي 1034 منطقة عشوائية، منها 81 منطقة تجب إزالتها تمامًا وفورًا، «تمت إزالة 3 مناطق منها بالفعل لبيعها» و 953 منطقة قابلة للتطوير بشرط توفر مبلغ 3.4 مليار جنيه، ويقيم بهذه المناطق العشوائية حوالي 12 مليون نسمة أي ما يعادل 18% من سكان مصر.
وأرجعت الدراسات المختلفة أسباب ظهور المناطق العشوائية إلى البطالة والفقر وتزايد السكان، وتفاقم أزمة الإسكان وانهيار المباني القديمة والهجرة من الريف إلى الحضر، والارتفاع الكبير في أسعار المساكن الصالحة لذوى الدخول المحدودة، مما أدى إلى استيطان السكان في بعض المناطق الخارجة عن كردون المدينة وذلك لانخفاض قيمة الأرض فيها والبعد عن سيطرة الحكومة.
إن هذه الأسباب جعلت العشوائيات تنتشر بشكل سرطاني، وهي 6 أنماط للعشوائيات هي السكن في المقابر والسكن في أماكن غير معدة للسكن، مثل سكن المناطق الأثرية والدكاكين والجراجات والفراغات تحت السلم، والسكن في العشش الصفيح أو الخشب أو الصاج أو الخيام، والسكن في أماكن تجميع القمامة، والسكن المشترك، حيث يقيم عدد كبير من العائلات في غرف منفصلة داخل شقة واحدة، وتتشارك الأسر في دورات المياه، وأخيرًا العشوائيات المقامة بطريقة غير سليمة عمرانيًا، كالمناطق المقامة فيها عمارات شاهقة دون تخطيط أو بدون مرافق، ويطلق المتخصصون على هذه المناطق العشوائية، أحزمة البؤس، أو مصيدة الفقر والحرمان.
إن هذه الحوادث تعتبر جريمة اجتماعية اقتصادية نفسية قبل أن تكون دينية.. فمن خلال تحليل ملابسات معيشة المتهم يتضح أنه من مستويات اجتماعية دنيا، ويعانى من معيشة صعبة وحرمان أسري، وقد انعكس ذلك عليه في حالة من الانطوائية والاهتمام بالمذاكرة لتغيير هذا الموقع، إلا أنه لم ينجح في تجاوزه مما أدى لشعوره بحالة من فقدان الإحساس بالقيمة، فانتهى به الأمر إلى الهروب من هذا الواقع الأليم. والافتقار إلى احتياجات المعيشة الأساسية في الكثير من المناطق العشوائية هي التي تدفع أصحابها إلى القيام بأعمال انتقامية ضد المجتمع، بل قد يلجأون إلى الانتقام من أنفسهم زعمًا منهم أن هذه الطريقة هي وسيلة للخلاص مما يعانون منه، والانتقام من النفس يكون بالإدمان مثلاً، أما الانتقام من المجتمع فيكون تجاه كل من يتميز عنه في الإمكانيات والقدرات..
الحوادث الأخيرة إنذار للمجتمع والدولة كي تدرك حجم المعاناة التي يعيشها الشباب بشكل خاص والمجتمع بشكل عام، خاصة المناطق العشوائية المحرومة من الخدمات والمرافق.. العشوائيات مفرخة الجريمة المنظمة الجديدة والنظام السابق كان يستخدم عناصر منها لإرهاب معارضيه.. والأطفال يعانون من الحرمان والقتل.. والاغتصاب جريمة يومية إن عدد المناطق العشوائية بمحافظتي القاهرة والجيزة يصل إلى 51%، وتأتى بعدهما محافظات الصعيد بنسبة 38%، كما أنها تقل كثيراً بمحافظات الدلتا التى لم يزد نسبة العشوائيات بها عن 6.7%.. أن هذه المناطق تعد مفارخ للجريمة، وأوكار يلجأ إليها الخارجون على القانون، كما أنها تعد وسيلة أساسية لإفراز الجريمة المنظمة، زيادة التشاجرات اليومية بين النساء أثناء تحضير الطعام وغسل الملابس، بالإضافة إلى ارتفاع حالات الاغتصاب والقتل، وأن هناك أمراض تنتشر في هذه المناطق تختفي تماماً من الدول المتقدمة، مثل النزلات المعوية القاتلة والحمى الروماتيزمية وأمراض الكلى.. أن 62% منهم يلجأون لطبيب خاص داخل الحي زهيد الثمن، ونسبة 28% يذهبون إلى الوحدة الصحية، و9% يفضلون الذهاب إلى المستوصف و8% إلى الصيدلية، وأرجعت السبب في انتشار الأمراض إلى نقص النظافة في المسكن والاعتماد على الطب البديل. تعتمد الأسر في المناطق العشوائية في دخلها الاقتصادى على أكثر من فرد، فيقوم رب الأسرة بأكثر من عمل اغلبها أعمال هامشية غير رسمية، ويعتمد أفراد الأسرة على التسول في الشارع والهروب من التعليم نتيجة الفقر ويزيد لدى الفتيات بصورة كبيرة. تتسم بالفقر، وأغلب سكان العشوائيات يعتمدون على الفول والبدائل رخيصة الثمن، ولا يعتمدون على تغيير الملابس، فملابس المنزل هي ملابس الخروج، ويذهب بها لزيارة أقاربه، بل يرتديها أثناء النوم، كما أنهم لا يهتمون بالنظافة، مما يؤدي لسرعة انتقال الأمراض إليهم، وتفتقد مساكن العشوائيات إلى الخصوصية، مما يؤثر سلباً على الأطفال الذين يشاهدون العلاقات الخاصة بين آبائهم، العلاقات الاجتماعية التي تتسم بالتفكك، كما أن الزوج أحياناً يتعامل مع زوجته بصورة من البلطجة، فيجبرها وأبناءها على ممارسة التسول، وتنتشر حالات الوفاة بين سكان العشش الذين تجاوزوا سن الخمسين.
ومن أهم الأمراض الاجتماعية التي تناولتها الدراسة تعاطي المخدرات والسرقة المنظمة وتناول المسكرات بأنواعها والبلطجة والعنف المتبادل وزنا المحارم، كما أن العشوائيات تمثل مصدراً هاماً لتوريد البلطجية لمرشحي الانتخابات في العهد السابق لإرهاب منافسيهم والتعدى عليهم وعلى مندوبيهم. معاناة أطفال العشوائيات من الحرمان، الناتج عن تدني الحالة الاقتصادية والصحية والتعليمية والحرمان الأسري والعاطفي، حيث يربى الطفل بعيداً عن الحب وينعكس هذا في صورة اضطرابات سلوكية ووجدانية لديه، تشمل التبول اللاإرادي وضعف المهارات الاجتماعية في التعامل مع الآخرين واضطرابات التواصل اللفظي.
ضرورة إشراك سكان العشوائيات أنفسهم والمنظمات الأهلية في دراسة وضع خطط تطوير المناطق العشوائية وصياغة البدائل والحلول الملائمة لكل منطقة على حدة، بهدف تحقيق علاج اجتماعي تنموي متكامل لكل منها، والعمل على وضع حلول لمشاكل الأمية، ووضع برامج تدريبية تعمل على إكساب سكان العشوائيات القدرات والمهارات الفنية اللازمة لرفع مستواهم اجتماعيًا وماديًا وتوفير الخدمات التعليمية والثقافية والصحية الرياضية بهذه المناطق لتحسين أحوالها.. إنذار للمجتمع.
كاتب مصري ودكتور في الحقوق وخبير في القانون العام
د. عادل عامر
العشوائيات مفرخة الجريمة 2797