قالت صحيفة "الكويتية " إن مفتي الأزهر د علي جمعة أفتى بجواز الإفطار للاعبي ولاعبات المنتخب المصري المشاركين في دورة الألعاب الاولمبية المزمع تنظيمها في لندن بدءاً من 27يوليو ، وقال الدكتور جمعة في لقائه بالبعثة الرياضية ؛ بأن الله منح رخصة الإفطار في حال السفر أو المرض وفقاً للنص القرآني " فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أُخر" ..
صحيفة أخبار الخليج بالمقابل نشرت فتوى للشيخ/ علي الربيعي – شيخ يمني لم أسمع باسمه إلا من قناة العربية - الذي كان قد نشرها في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي " تويتر " وأفتى فيها بحرمة زيارات الأهرامات في مصر باعتبارها حراماً شرعاً ، مرجعاً الربيعي ذلك الى أنها من البدع الشركية وقال بان زيارتها يعد تشبهاً بالصوفية وبعض المرتدين الذين يزورون قبور الصحابة ..
أتأمل وأقارن بين فتوى الأزهر وفتوى الشيخ الربيعي ، فلا أجد سوى هوة سحيقة عمرها قروناً من الزمن ، فشيخ يمثل الإسلام الوسطي المعتدل العصري المؤسسي الذي طالما كان الأزهر الشريف منارة ومرجعية ومركز إشعاع وتصدير له الى مختلف الأمصار خلال القرون الماضية .
وشيخ يمثل الإسلام المتزمت الجامد الرافض المنغلق على ذاته في صحار وقفار وجبال جزيرة العرب ومع هذا الضيق يراد توسعة رقعته ليس إلى البلدان الفقيرة مثل أفغانستان ومصر واليمن وكشمير والسودان والعراق والصومال فحسب ؛ وإنما إلى كافة الأوطان المتحضرة التي انتهك استقرارها المجتمعي بأفكار متنطعة رافضة للتعايش والتمدن .
وبفتاوى ومناهج دينية متطرفة شوهت الإسلام والمسلمين، كما ورسخت في تأويلها وقراءتها لآيات القرآن ولأحاديث الرسول الكريم ؛ انطباعاً سلبياً لدى تلكم المجتمعات الأوروبية والأمريكية .
اليمن وعلى مدى التاريخ لم تعرف ثقافة التكفير والتحريم كهذه السائدة اليوم ؛ بل لقد ذاق وتجرع مجتمعها ويلات ونكبات كثيرة تارة باسم الردة والخروج عن الملة - مع أنها في الأغلب ليست إلا خروجاً على الحكام الظالمين- وتارة أخرى بداعي الانتهاك السافر إما لحاكم ثيوقراطي مستبد أو لكلام عالم دين وضع ذاته موضع المقدس المنزه عن اقتراف الخطأ .
نعم، فلكم كان الدين سلاحاً فتاكاً في حروب النظم السياسية المتعاقبة على حكم هذه البلاد ، ومع كل التواريخ السوداء الملطخة لنقاء وسمو علاقة الإنسان بربه ؛ فإن المجتمع اليمني ظل مجتمعاً منفتحاً على بقية الشعوب والأديان الأخرى التي تعايشت على هذه البقعة بسلام ومحبة وأمان . فاليهودي والمجوسي والهندوسي والمسيحي والمسلم ، الشافعي والزيدي ، الإسماعيلي والصوفي ، كل هؤلاء عاشوا هنا ، مرواً من هنا ، ماتوا هنا ، دفنوا هنا قبل أن يأتي طوفان التكفير والإرهاب والقتل .
من أين جاءت فتوى الربيعي ؟ ومن أية مدرسة نهلت وشربت ؟ فالشيخ الربيعي في فتواه هذه كشف وبجلاء حقيقة الفوضى والعبث والاستهتار أيضاً ، فهل هنالك إنسان عاقل يمكنه قبول فتوى كهذه ؟.. أسأل الشيخ الفقيه : هل السياح القاصدون أهرامات الجيزة يتبركون بأموات الفراعنة أسوة بالزائرين لمقامات الصالحين والأولياء ، وكيف صارت أهرامات وتوابيت وآثار خوفو ومنقرع وحتشبسوت وغيرهم ؛ تضاهي قباب وقبور وأضرحة الصحابة ؟ لا يوجد ثمة ما يشير الى طقوس دينية أو مكرمات أو معتقدات إيمانية يمارسها السياح ، فمن أين استقيت فتواك ؟ ومن أي نص أو حديث استنبطت وبنيت رأيك.
ختاماً ينبغي القول بأن اليمن بات أرضاً خصبة لمثل هذه الأفكار الوافدة والدخيلة على ثقافة شعبه ، جماعات القاعدة لم تأت من الصين ؛ بل ولدت من خضم الفراغ الذي تركه تراجع الأزهر خلال العقود الماضية، فحين غاب المرجع الوسطي المعتدل المتحضر؛ برز حاضراً وبقوة المال المرجع المتخلف المتزمت ، ومن وقتها واليمن واليمنيون غارقون في الدم والقتل والجهل والخوف والرفض للآخر ؛ بل ولكل جديد وعصري ومتوائم مع روح الإسلام وتسامحه وجوهره وسموه .
محمد علي محسن
خوفو ومنقرع وبن علوان 2314