لم أكن قد زرت أي مقابر من قبل، فكل علاقتي بها هي السلام على الموتى عندما أمر بجانبها، اليوم أنا أزورها للسلام على والدي رحمة الله عليه، مكان يشعرك بالرهبة والخوف، كيف لا تصاب بالرهبة والخوف وأنت في أرض مهجورة يسكنها الصمت، قبور قديمة وقبور جديدة.
أخبرني أحدهم بأن زيارة القبور لا يجوز، استغربت كثيراً مما قاله ولم أرد عليه فربما لم يمت له أحد لذلك هو يتحدث بهذا المنطق، إن من يفقد عزيزاً يجب أن يكون دائماً إلى جواره، فكل من وجدوا تركوا أحبائهم رغماً عنهم بأمر من الخالق عز وجل لك، لا نستطيع أن نمنع أحداً من زيارة من يجب في قبره.. لا أعلم ما هو الصواب ولكني أراه الصواب في وجهه نظري ونظر من فقد عزيزاً.
صدقوني عندنا أذهب إلى هناك أظل أتأمل وأفكر، كانوا يسكنون في بيوت والآن في حفرة مظلمة ينامون لوحدهم دون ونيس أو جليس وأعود.. وأقول إنه الموت فهل نستطيع الاعتراض عليه والقبر هو البيت الحقيقي الذي سيسكنه جميعاً، بيت ليس به نوافذ ولا مراتب ولا أبواب ولا زخارف البيت، علينا أن نتذكره جميعاً ولا ننسى أننا لا بد وأن نكون من سكانه شئنا أم أبينا، فالمسألة مسألة وقت لا أقل ولا أكثر، فعندما تحين ساعتنا سنكون حينها أحد سكان القبور.
وإليكم هذه الحكاية، هي ليست بحكاية وإنما واقعة حدثت وكل سكان مديرية التواهي يعرفونها، كانا شيخان زوج وزوجة يعيشان وحدهما بعد أن رحل أولادهما كلاً في حال سبيله يشق طريقه في الحياة وصادف أن مرضت الزوجة وبعد صراع مع المرض ماتت، لم تدفن بسرعة ظلت جثتها تنتظر يوماً حتى يصل أولادها في سفرهم فقد أخبروهم بأن والدتهم قد فارقت الحياة، عادوا في اليوم التالي على وفاتها فوجدوا جثتان بدلاً من واحدة.
تساءلوا عن الجثة الأخرى وقبل أن يكملوا تساءلهم لا حظوا غياب والدهم، فعرفوا أن من يرقد إلى جوار أمهم هو والدهم، فلم يحتمل الفراق فبدلاً من أن يكون أحد زوار القبور أصبح أحد ساكنيها.