جريمة السبعين بقدر ما كشفت لنا وللعالم هشاشة وضعف وتفكك وانقسام المؤسسة الأمنية ؛ بذات القدر كانت الجريمة الإرهابية البشعة قد أماطت اللثام كليا عن سوءات كُثر تعتري مؤسسات وسلطات الدولة، فبعيد شهرين تقريبا على تلكم المجزرة الشنيعة ؛ مازالت المعلومات ملتبسة ومتضاربة ومتعددة.
فهل يعقل أن تصل المسألة لحد إعلان الداخلية بأن الانتحاري اسمه أمير الدين علي الورافي؟ ثم تكتشف في المساء أنه حي يرزق فتقدم اعتذارها لعائلته، ونكتشف جميعاً أننا إزاء فاعل آخر اسمه هيثم حميد حسين مفرح، وأن كل ما تناقلته وسائل الإعلام لم يكن سوى كذبة ثقيلة ينبغي تصحيحها أو بالأصح ابتلاعها وهضمها ونسيانها.
تصوروا عملية انتحارية وبهذا الحجم وفي ميدان السبعين - الذي يخشى داخله وسالكه على بدنه وروحه من فرط الستار المفروض على المنصة والجامع ودار الرئاسة – وأمام أنظار وأسماع وعدسات الجند والضباط والصحف والقنوات ؛ وبرغم كل هذه الأشياء تكون المعلومة خاطئة ومضللة ؛ بل ومنتهكة ومسيئة للمواطن وعائلته ودولته.
ليت المسألة اقتصرت على حادثة السبعين ؛ بل وتكررت ثانية في حادثة كلية الشرطة يوم الأربعاء 12يوليو، فبعد إعلان اللجنة الأمنية العليا بأن منفذ العملية الإرهابية هو/ محمد ناشر علي العري سائق تاكسي أجرة ؛ نكتشف بان انتحاري الداخلية لم يكن سوى ضحية مرتين، ضحية لإخفاق وفشل امني كبير، وضحية بكونه قُتل نتيجة تهمة باطلة جعلته للإهمال والفوضى وال.
مؤخرا تم القبض على شخصين في مدينة قعطبة بالضالع كانا قد فرا من سجن الحديدة، وقبلها بأيام فقط تم اعتقال 9وقتل اثنين من القاعدة في الشعيب، كلا الواقعتين تم تصويرهما وكأنهما نتاج ليقظة العيون الساهرة التي لا تنام أو نتاج لعمل أجهزة الأمن القومي والسياسي ومكافحة الإرهاب.
الحقيقة إن الواحد ليدهش حين يعلم بأن القبض على جماعة أنصار في الشعيب كان محض صدفة ونتيجة ليقظة الأهالي، فيما القبض على الفارين من سجن الحديدة – هيثم حسن وناصر السيد - تم أيضا مصادفة، وإثر خلاف بين المؤجر ومالك المحل حول أحقية كل منهما بالإيجار المدفوع من الشخصين الوافدين اللذين دفعا إيجاراً مغريا للمستأجر، وهو ما أثار حفيظة المؤجر الأصل؛ ليلجأ الاثنين الى إدارة الأمن ومن حيث لا يعلما قادا الأمن الى الرجلين الهاربين.
وإذا كان هذا حال الأمن مع قضايا كبرى كالإرهاب وجماعاته المسلحة المحاربة وطنياً وإقليمياً ودولياً؛ فكيف سيكون أداء هذا الأمن تجاه قضايا القتل والتقطعات والسرقات والانتهاكات والحوادث اليومية؟! الواقع أننا إزاء منظومة كاملة نخرها الفساد والجهل والمحسوبية والفوضى والترهل والبيروقراطية وغيرها من الأشياء المثقلة لكاهل الأمن.
فهذا الجهاز الحيوي المهم الذي صار عبئاً ثقيلاً ومنهكا يستلزمه ثورة تصحيحية من رأسه وحتى اصغر إدارة فيه، فطالما حذرنا من مآل النتائج الكارثية في بقاء الأمن ضعيفا ومفككاً ووهناً تتنازعه الولاءات الضيقة القبلية والمناطقية والحزبية وتسيره الرغبات الشخصية لا القدرات والكفاءات.
قلنا مراراً بان المهم ليس بالتقنية الحديثة؛ إنما المهم هو الضابط والجندي المؤهلين القادرين على فهم ومعرفة واجبهما ووظيفتهما، ما قيمة شعار الشرطة في خدمة الشعب فيما ثقة المواطن مفقودة كلياً بعسكري الدولة؟!.
أمن عام وأمن مركزي وشرطة نجده وشرطة مكافحة إرهاب وأخرى شرطة مكافحة الشغب وأمن قومي وأمن سياسي واستخبارات عسكرية وشرطة عسكرية وشرطة جوية وقوات حماية السواحل وووالخ من الأسماء والجهات الكثيرة، فما جدوى هذا الجيش الجرار إذا كان المواطن فاقد الثقة بها جميعاً؟ كيف سيطمئن الإنسان على حياته وماله وأولاده وممتلكاته فيما الخوف والفزع ينتابه من أجهزة الأمن ذاتها المسئولة عن حمايته؟
تصوروا كيف أن إرهاب القاعدة بات لعبة للابتزاز والهيمنة والبقاء أكثر من كونه مشكلة وطنية كلفت البلاد والعباد تنمويا واقتصاديا ومجتمعيا ومعيشيا ! قبل أيام فقط كان الخلاف محتدما بين مسئولي الأمن القومي والسياسي والعام حول مسألة تتعلق بوجود شخص خطر في مدينة ثانوية ويمارس حياته بكل حرية، أتدرون ماذا كان رد هؤلاء؟ لا يوجد أمر للقبض على المطلوب وطنيا ودوليا.
حين كشف احدهم النقاب باستخدام جماعة إرهابية لرخص مرور أمنية في نقاط التفتيش هدده الآخر قائلا: ستنال عقابك في عقر دارك فلدي من هذه الجماعات ما يكفي لردعك وعقابك، لا أريد الخوض كثيراً في أفعال وممارسات عبثية تقوم بها أجهزة الأمن المتعددة المختلفة.
فيكفي الإشارة هنا لما حدث لأطفال حدث تم اعتقالهم قبل سنة ونصف من ثم يلقى بهم على قارعة الطريق مثلما وقع للطفل نهاري محمد النهاري وزملائه،إما الانتهاكات الفظيعة الحاصلة لشباب الثورة وللمنتمين للثورة أو الحراك فحدث ولا حرج إذ هنالك مليون قصة وحكاية إنسانية ناضحة بالوحشية والرعب والتعذيب والإهانة للكرامة والآدمية.
البعض قد يعتب علينا بكوننا لا نشير لجنود وضباط الأمن الذين هم أيضاً ضحايا اغتيالات وأعمال عدوانية خارجة عن النظام، شخصياً لا فرق لدي بين أن يكون الضحية مواطناً أو جندياً ففي المحصلة الضحية إنسان وقتله يعد انتهاكاً صارخاً لحقه في الحياة والوجود.
لكنني وعندما إنحاز للضحية المواطن ؛ فلأنني أعلم بأن واجب جُند وضباط الأمن حماية حياته وعرضه وماله، وهذا الواجب قد يكلف عسكري الدولة حياته، فوظيفة رجل الأمن جوهرها حماية القانون والنظام من الانتهاك والعبث والفوضى وطغيان القوة وإلا لصارت الدنيا يحكمها شرع الغاب الذي الغلبة فيه للأقوى لا صاحب الحق.
لا أود الحديث كيف أن الأمن استطاع بأدواته العصرية وبسلوكه البدائي الهمجي خلق بيئة نموذجية للإرهاب والتطرف؟ أحد قيادات الجماعات المسلحة في أبين كان سجيناً لدى الأمن السياسي، قال لمحاوره الصحفي : سأقاتل حتى الموت كي لا أعود ثانية إلى السجن الذي أهدر كرامتي وإنسانيتي.
ختاماً أطلب من رئيس الجمهورية/ عبد ربه منصور هادي بحل الجهازين القومي والسياسي وإعادة بنائهما وفق أسس ومعايير وطنية جديدة تقوم على الكفاءة والمعرفة واحترام الحقوق والحريات والقوانين، كما وبالمقابل أطلب من وزير الداخلية ألا يبدد جهده ووقته على هذا المنحى العبثي المكلف الذي بكل تأكيد لن يفلح بوقف الجريمة المنظمة أو الإرهاب أو التخريب ما بقي الأمن العام كياناً معتلاً بسقم الفساد والبيروقراطية والولاء الضيق.
الرئيس والوزير أظنهما بحاجة ماسة وضرورية لجهاز أمن جديد فكراً ووظيفةً وقدرة وكفاءةً، لا أقول هذا الكلام لمجرد الاستهلاك العبثي ؛ لكنني أتحدث هنا عن قضية وطنية تمثل أولوية لأية عملية بناء وتنمية واستقرار سياسي، فبصراحة النظام السابق للأسف لم يبن مؤسسات أمنية يعتد بها اليوم.
فكل تلكم القوة الكثيفة البالغة قرابة 200ألف تعاني الآن حالة سقم واضطراب وتشوه وتمزق واختراق، ما يجعلها غير قادرة على تنظيم نفسها علاوة على فهم ومعرفة طبيعة مهمتها ومسئوليتها الأمنية الجديدة كما أن تنشئتها وتربيتها وسلوكها في الواقع يناقض مثالية النصوص والأحكام والضوابط المكتوبة في الدستور والقانون واللوائح.
ما أعلمه هو أن كثيراً من الإرهاب والتخريب والتهريب وزعزعة الاستقرار صار فعلا ممنهجا من أجهزة الأمن أكثر من كون هذه القضايا جرائم يحاربها الأمن بكل مكوناته وأشكاله، تصوروا مثلاً كيف أن من يفجر أنابيب النفط ويخرب الكهرباء هم جنود وضباط في الجيش والأمن؟ وكيف أن من يحارب الإرهاب لا يجد حرجا من استخدام جماعاته في عمليات قذرة غايتها زعزعة الاستقرار وخلط الأوراق وإرباك النظام الجديد بمعارك ثانوية؟.
وإذا كانت الثقة مفقودة بين الجهات الأمنية المحاربة للإرهاب والجريمة المنظمة؛ فكيف سنلوم المواطن إذا ما نزع ثقته بعسكري الشرطة أو النجدة أو غيرها من المسميات التي صارت وظيفتها وكأنها في قتل وقمع وحبس وتنكيل المواطن؟ كيف أن لكل من هذه الأجهزة طريقته وأسلوبه ومصادره وولاءه ومعلوماته؟ كيف أن كلاً منهم يعمل على شاكلته، وكل منهم يواجه بعضه، وكل منهم يحاول تضليل الآخر بمعلومات خاطئة؟.
محمد علي محسن
الأمن في خدمة الإرهاب والتخريب !! 2536