الحرية بكل لغات الدنيا تحمل معنى وفهماً واحداً، فلا فرق بين تحرر أغلبية السود في جنوب أفريقيا من نظام التمييز العنصري القائم على لون الإنسان وعرقه وبين تحرر أقلية الروهنجيا المسلمة في إقليم أراكان - بورما (ميانمار ) - التي صنفت من الأمم المتحدة بكونها الأكثر عرضة للاضطهاد الطائفي في العالم .
أعجب من كثير من المناهضين للاستبداد والاستعباد والاستعمار، فبرغم رفض هؤلاء لكل أشكال وصور التمييز العرقي والطائفي والطبقي والجنسي وكذا رفضهم للهيمنة بكل أشكالها وصورها الغربية والأمريكية والصهيونية والرجعية، إلا أن واقع الثورات العربية أثبت حقيقة الهوة والمسافة الشاسعة ما بين مفردات القوى الحداثية التقدمية الحاملة للواء الحرية والمساواة والعدالة في شوارع صنعاء والمنامة والقاهرة وبين شعاراتها ومفرداتها الرافضة لثورة الشعب السوري .
كيف يكون الإنسان ثورياً وتقدمياً في العراق أو اليمن أو ليبيا؟ وكيف يصير رجعياً وطائفياً في سوريا أو البحرين أو لبنان؟ كيف يكون ليبرالياً وديمقراطياً وقومياً مناصراً لثورة مصر وتونس واليمن؟ وكيف يصير مستبداً وطائفياً ومناوئاً لثورة الشعب السوري أو الليبي أو العراقي أو السعودي؟.
الحرية قد نختلف في مسألة الممارسة والتطبيق لها وقد تصطدم هذه الحرية بعديد من التقاليد والقيم المجتمعية والدينية والشخصية، لكنها وفي كل الأحوال لها معنى واحد وأصيل ؛ بحق الإنسان في مقاومة كل أشكال التمييز والاضطهاد والاستعباد والاستعمار .
فالحرية تعني ما تعني حق الإنسان في أن يعيش بكرامة واحترام ومساواة وفي أن يكون حراً في معتقده ودينه وفكره ورأيه واختيار أسلوب حياته، فالمهم هنا أن هذه الحرية حدودها لا تتعدى حرية الآخرين أو تنتهكها، فكما قيل بأن حرية الفرد تنتهي حين تلامس حرية الآخر .
وإذا كانت الحرية بهذا المعنى الأصيل فلماذا البعض صمت عن جرائم الجيش الروسي في الشيشان بدعوى أنها مؤامرة أمريكية غربية على روسيا؟ ولماذا يقف كثير من السياسيين والمثقفين نصيراً لجرائم الطاغية بشار بل ووصل الأمر بهم إلى تبرير جرائم النظام وكأنها مقاومة وممانعة أو قولوا ردعاً لمؤامرة أمريكية صهيونية خليجية تريد النيل من الأمة العربية من المحيط إلى الخليج؟.
كيف صار النظام العائلي الطائفي الديكتاتوري رمزاً للمقاومة والوحدة العربية وتحرير فلسطين؟ حين أسمع قيادياً بعثياً عتيقاً قائلاً: ما يحدث في سوريا هو مؤامرة دنيئة لإخماد جذوة المقاومة للمشروع الصهيوني الأمريكي.. خيل لي المتحدث وكأنه واحد من فتيان الكهف الذين أرقدهم الله ألف سنة ثم بعثهم ثانية ليروا طعامهم ومتاعهم .
البعثي الغيور جداً يشبه ذاك الفتى الذي بعثه فتيان الكهف ليتقصى لهم الحياة خارج الكهف وليبتاع لهم الطعام، لقد تبدل كل شيء من حوله، فلا المدينة هي المدينة ولا الناس هم الناس وبرغم أنه بات طرازاً قديماً لا يماثله أحد؛ أخرج عملته القديمة ليشتري بها حاجته من سوق كل ما فيه نكرة عليه، بدا لي حديث الرجل وكأنه كذلك الفتى الغريب وهو يخرج نقوده القديمة التي لا قيمة لها سوى أنها دلت القوم على جماعة أهل الكهف .
الرئيس بشار يسحب قواته من هضبة الجولان إلى دمشق، طيران الجيش السوري يهاجم حي الحجر الأسود، وريث أول جمهورية في التاريخ يهدد بإبادة شعبه قائلاً: إنني طبيب جراح والطبيب الجراح لا يخشى الدم القاني إذا ما علق في أصابع يديه أو نزف من ضحيته .ما من حاكم عربي يقبل بمغادرة السلطة احتراماً وتبجيلاً لمطالبة شعبه !فكل حاكم يأتي بانقلاب سيبقي حاكماً مغتصباً للكرسي ولن يغادره سوى إلى القبر أو السجن أو المنفى،بشار واحد من هؤلاء الطغاة المهووسين بالسلطان لحد أنه سيقتل شعبه دون أن يرفل له جفن، لا اعلم أين هي علة الحاكم العربي؟ أين هي مشكلة المعارض العربي؟.
يحدثونك عن مقاومة لأمريكا وإسرائيل فيما هضبة الجولان على مسافة أميال من العاصمة دمشق ومع أهميتها الاسترتيجية والعسكرية والقومية لم يفكر ربما الأب أو الابن بمعركة لتحريرها من المحتل المغتصب لأغلب مرتفعات الجولان البالغة 1260 كيلو متر مربع من مساحة الجولان الكلية 1860كم2، إذ أن إسرائيل احتلت أغلب المساحة في حرب الأيام الستة حزيران 67م وبعد حرب أكتوبر 73م استردت سوريا 600كم2 من خلال عملية تفاوضية تمت سنة 74م تحت رعاية وزير خارجية الولايات المتحدة هنري كيسنجر .
في سنة 82م اجتاحت إسرائيل معظم مساحة لبنان باستثناء منطقة البقاع المرابطة فيها قوات الجيش السوري، فأين ذهبت غيرة الجيش العربي السوري الذي لم يطلق طلقة واحدة دفاعاً عن شرف وسيادة بلد عربي شقيق جثم فيه ربع قرن من الزمن بدعوى الردع والمقاومة للعدوان؟.
لحقبة تاريخية وسوريا تمثل رمزاً للمقاومة والتحرير ومع احترامنا لهذه المبادئ والشعارات الرافضة للاستسلام والتطبيع، إلا أننا في الواقع لم نشهد معركة حقيقية مع إسرائيل، فكل حروب سوريا تمت بالإنابة إما في جنوب لبنان ومن خلال حزب الله أو في فلسطين ومن خلال عمليات فدائية استشهادية محدودة العدة والنطاق وعادة ما تتبناها حركات فلسطينية توجد قيادتها في سوريا، فجل مقاومة سوريا هو أنها بقت مقاومة وممانعة ولكن للتغيير والإصلاح السياسي.
محمد علي محسن
تقدميون في صنعاء رجعيون في دمشق !! 2647