الاستدلال : { يا أيها الذين امنوا.كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}.. أيها الإخوة الصائمون والصائمات : إن الله أكرمنا بنعمة الوصول إلى شهر رمضان وها نحن في أول يوم من رمضان وهي فرصة أن نضع لأنفسنا أهدافاً ومؤشرات للتغير الذاتي ثم نجعل الصوم وسيلة لتحقيق الأهداف وأن يضع كل فرد منا ما يناسبه .
أيها الإخوة الصائمون والصائمات : إن الله حدد للصوم هدفاً عاماً هو التقوى لقوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا كتب ...} والتقوى هي صلاح الفرد صلاحاً شاملاً صلاح العقل بالعلم, وصلاح القلب بالإيمان واليقين , وصلاح النفس بالأخلاق , ونحن نعلم بأن صلاح الأسرة بصلاح الفرد , وصلاح المجتمع بصلاح الأسرة , وصلاح الحياة والدولة بصلاح المجتمع وهذا يتطلب منا أن نضع لأنفسنا أربعة أهداف للصوم وأربع مؤشرات لقياسه ولتتحمل أمانة تحقيق هذه الأهداف أهداف الصوم الجزئية التي تحقق الهدف العام وهو التقوى وهي :
1ـ هدف تقوية الإرادة الذاتية .
2ـ هدف تقوية الرقابة الذاتية .
3ـ هدف تقوية الروح الجماعية .
4ـ هدف تقوية روح البذل والعطاء .
وأما مؤشرات تحقيق أهداف الصوم الأربعة فهي :
ممارسة المسؤولية الذاتية عمليا .
الحرية والاستقلالية في الأعمال .
المبادرة الذاتية في الأعمال .
استيعاب الآخرين وترك الخصومات .
أيها الإخوة الصائمون والصائمات: لنتذكر معاني ودلالات فريضة الصوم العملية ونجعلها نصب أعيننا , إن صيام رمضان تجد يد لإيماننا وتقوية لإرادتها وثورة على سيئاتنا وترويض لنفوسنا وترك لمحبوباتنا وملذاتنا نهاراً، التزاماً لأمر الله وإيثار لمحبته ورضاه { شهر رمضان الذي...} إن صيام رمضان استمداد لتقوية إرادتنا من الله لأن الله ضاف عبادة الصوم إليه تعظيماً وتشريفاً لنا جاء في الحديث القدسي {كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به يدع طعامه وشرابه من أجلي}, فلا يرى حقيقة عبادة الصيام إلا الله ولا يستطيع أي مخلوق إكراه الآخرين على الصوم أو الحكم على أن هذا صائم ولهذا جاء في الحديث (الصوم لي وأنا أجزي به).
إن صيام رمضان قهر لوساوس الشيطان , وإضعاف للنفس الأمارة بالسوء، وتطهير للقلوب من الحسد والحقد والكبر والكراهية والكذب واللف والدوران، فأيام الصيام أيام تدريب وتنمية ذاتية لإراداتنا وإيماننا وأخلاقنا وتحسين معاملاتنا في حياة أمتنا .
أيها الإخوة الصائمون والصائمات: إن المطلوب منا شرعاً أن نتعامل مع أيام الصوم المعدودات بجدية صارمة وإرادة قوية وأن نستحضر أهمية شهر رمضان ,
وما هيأ الله فيه لنا من المحفزات والمرغبات والدوافع فإنه بمجرد ظهور هلال رمضان إلا وتفتح أبواب السماء وأبواب الجنة لاستقبال أعمال الصائمين، وتغلق أبواب جهنم فلا تستقبل سيئات الصائمين، وتصفد الشياطين , ويضاعف الله الأجور أضعافاً مضاعفة, وتنادي الملائكة يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر..
إن صيام رمضان فرصة للتغير فليس المقصود من الصيام تغيير مواعيد وجبات الطعام والنوم ودوام العمل .. وإنما المقصود من الصيام إحداث التغير وبناء المجتمع التقي المنضبط الملتزم بالأخلاق والقيم والنظام والقانون إن شهر رمضان فاصل بين عام مضني وعام قادم .. جعله الله وسيلة لتصفير عداد المعاصي (من صام رمضان إيماناً و...) يأتي هذا العام رمضان لتداركنا جميعاً من متاهات الحياة وابتلاءتها ومن ضيق الحياة إلى سعتها, ومن التخبط والجمود والركوع والملل ليدفعنا إلى العمل والأمل حتى نخرج من مقت الله الذي أعده لأصحاب الأقوال بلا أعمال {يا أيها الذين آمنوا لم تقو...} ولهذا رتب الله لأصحاب الأقوال والأعمال الصالحة والنافعة أربعة فوائد عظيمة ففي الآية (66) النساء { ولوا أنهم فعلوا...}..
أيها الإخوة الصائمون والصائمات: إن تحقيق أهداف الصوم مؤشرات عملية تطهر من خلال السلوك والمعاملة مع الأسرة قبل المجتمع , وأهم هذه المؤشرات :
نمو الشعور بالمسؤولية الذاتية، لأن عبادة الصوم هي مسؤولية شخصية فردية يستشعر الصائم رقابة الله متذكرا قول الله { ولقد خلقنا الإنسان و...} ,{إن الله كان عليكم رقيبا}, {وكل إنسان ألزمناه طائره...} وهو الشعور بالذاتية والاستقلالية لقوله تعالى { يوم يفر المرء من ...} , { يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا ....} , والشعور بالاستقلالية يقود إلى المبادرة الذاتية , وهي المسارعة إلى الأعمال ومواجهة الأحداث قبل وقوعها وهذا ما أمرنا الله به ففي الآية (121) الحديد{ سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله}.. وقال تعالى في الآية (26)المطففين { وفي ..} ومن المؤشرات سعة الصدر وترك الجدل والخصومات تحقيقاً لقول الله تعالى ففي الآية (53) الإسراء { وقل بعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزع بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدواً مبيناً} وفي الآية (144) النساء { لأخير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً}، اللهم وفقنا للاستفادة من رمضان..
أيها الصائمون والصائمات: تذكرنا أهم أهداف الصوم التفصيلية وهي تقوية الإرادة الذاتية والرقابة الذاتية والروح الجماعية والبذل والعطاء ومؤشرات تحقيق الأهداف وهي الشعور بالمسؤولية والاستقلالية, والمبادرة واستيعاب الآخرين وترك الجدل والخصومة والتحلي بالسماحة والصفح .
أيها الأخوة الصائمون والصائمات: لقد حل بساحتنا اليوم شهر رمضان بأيامه المعدودة الثمينة الغالية الغالية الغالية، فهي أيام توبة وزيادة إيمان وعمل وذكر وقراءة قرآن وترحم ومصابرة وبذل وعطاء وعتق من النار .
وهنا نسأل كيف نضع لأنفسنا برنامجاً سهلاً ومرناً للاستفادة من الأيام المعدودة؟ أقول: من باب التذكير وكل واحد منكم أدرى بنفسه ووقته وإمكانياته وحالته النفسية والمادية .
أولاً: قبل المغرب بساعة وربع نخلوا لأنفسنا ونقرأ القرآن بتدبر، ثم نقرأ المأثورات وندعو بخير الدنيا والآخرة وندعو لكل المسلمين ..
ثانياً: عند أذان العشاء نصطحب معنا من أسرنا الكبار رجالاً ونساءً لصلاة العشاء والتراويح وننصت بوعي لقراءة الإمام والمرأة تؤخر أعمالها إلى ما بعد التراويح ..
ثالثاً: أقترح للقادرين على وضع برامج إحياء علمية لدراسة السيرة لمحمد الغزال وخلق المسلم وعقيدة المسلم والمحاور الخمسة والإسلام والاستبداد السياسي كلها لمحمد الغزالي وقد يسأل أحدكم لماذا اخترت محمد الغزالي ونجدول القراءة من الساعة 10ـ12 قراءة ونقاش الحوار.
رابعاً: هناك من ينام ومن يواصل السمر والمهم أن نقوم من أسرنا لنتهجد ما شاء الله لنا قبل السحور ثم نتسحر، ففيه البركة ثم التوجه إلى صلاة الفجر جماعة في المسجد فهي الصلاة المشهودة من ملائكة الليل وملائكة النهار..
وهكذا يجب أن لا ندع وقتاً يذهب سدى أبداً، فالوقت ثمين, وقد يكون هذا الشهر الرمضاني آخر الأشهر من عمرنا وقد لا نصل إلى شهر رمضان القادم، الله يعلم من سيعيش منا ومن سيموت {من لم يموت بالسيف مات..} ففي الآية (185) آل عمران { كل نفس ذائقة ...} وفي الآية (78) {أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ ...} وفي الآية (35) الأنبياء {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } وفي الآية (19) وما بعدها ق { وجاءت سكرات ...} وفي الآية(8) الجمعة { قل إن الموت الذي ..} وفي الآية (9) وما بعدها المنافقون {يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم ...}..
///////
محمد سيف عبدالله العدينى
أهداف صوم رمضان 2989